27-سبتمبر-2020

من اعتصام القيادة العامة (Getty)

أيام ويتم التوقيع النهائي على اتفاق السلام، بين الحكومة الانتقالية، والجبهة الثورية، بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا. وليس من شكٍ، أنّ للتوقيع تبعات تتعلق بمقاعد جديدة أو إضافية في جسد الحكومة الانتقالية، التنفيذي منها، والسيادي. وينسحبُ هذا الأمر على البرلمان الانتقالي "المجلس التشريعي". هذه التبعات، ستُلقي بظلال قاسية ومختلفة على المشهد السياسي ما بعد اتفاق السلام. وبالقطع لن يكون ما قبله، يُشابه ما بعده بأية حالة.

التوقيع على اتفاق السلام ليس وحده المؤثر الكبير في المشهد السياسي السوداني

التوقيع على اتفاق السلام ليس وحده المؤثر الكبير في المشهد السياسي السوداني، والذي سيكون ما بعده لا يشبه ما قبله، إذ أنّ هناك العديد من الإرهاصات، وإن كانت قليلة ومحدودة الأثر، إلا أنّها تُقرأ في سياق المشهد السياسي العام. فالعديد من اللقاءات التي جمعت قوى وأحزاب سياسية، في لقاءات أشبه بالتفاهمات، أو العلاقات العامة تُقرأ في سياق تبدّلات المشهد السياسي الكبير أيضًا.

اقرأ/ي طبيعأيضًا: أبيي بين سلطتين انتقاليتين.. هل من اختراقات؟

ويُقرأ ضمن الإرهاصات، اللقاء الذي جمع مؤخرًا حزب الأمة القومي، بزعامة الإمام الصادق المهدي، بقيادات من حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه حسن الترابي، عقب ما عُرف بمفاصلة الإسلاميين في العام 1999. الأمة والشعبي، وبحسب التصريحات بعد اللقاء، أو البيان الصادر بعده، يجمعهما الكثير. أولها الدعوة لانتخابات مبكّرة، قبل انقضاء الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات، والتي من المتوقع أن تمتد بعد التوقيع على اتفاق السلام لأكثر من ثلاث سنوات.

الجامع الثاني بين الأمة والشعبي، الكثير من المواقف والأحاديث الرافضة للسياسات الاقتصادية لحكومة المرحلة الانتقالية. حيث تمّ التأكيد على قصور أداء الحكومة الانتقالية في ملفات المعالجات الاقتصادية، والأمنية وحوادث الاقتتال القبلي أبرز مثال ضربه الحزبان. هذا بجانب أمرين آخرين: التطبيع مع إسرائيل، وضرورة التوافق السياسي بين المكونات السياسية السودانية. حيث يرى كل من الأمة والشعبي أنّ قضية مثل التطبيع مع إسرائيل أمر خارج اختصاصات ومهام الحكومة الانتقالية.

 أما التوافق السياسي بين المكونات السياسية، فحزب الأمة يدعو إلى ما أسماه بـ"العقد الاجتماعي". والمؤتمر الشعبي أبدى رفضًا متكررًا لإبعاده عن المشاركة في حكومة المرحلة الانتقالية، بدعوى عدم توقيعه على ميثاق قوى الحرية والتغيير، لأنه كان مشاركًا نظام الإنقاذ حتى سقوطه في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2019.

بجانب لقاء الأمة والشعبي، فهناك العديد من اللقاءات بين أحزاب الاتحادي والشيوعي، والمؤتمر الشعبي، والبعث. وإن كانت كلها تُعتبر في إطار العلاقات العامة السياسية. لكن أبرز اللقاءات التي تستحق التوقف، هي التي جمعت الشيوعي بقيادة السكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبد العزيز الحلو بالعاصمة الإثيوبية: أديس أبابا.

هذه كلها إرهاصات لما سيكون عليه المشهد السياسي للفترة الانتقالية، لكن التحوّل الأكبر المتوقع لهذا المشهد السياسي، سيكون لا محالة بعد قدوم الجبهة الثورية، بفصائلها المختلفة، إلى الخرطوم عقب التوقيع النهائي على اتفاق السلام بجوبا، مطلع تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بحسب ما أعلنت الوساطة الجنوب سودانية.

اقرأ/ي أيضًا: مع "أردول" مرة أخرى!

وهذا التأكيد بالتغييرات الكبيرة، التي تصل إلى الجذرية في المشهد السياسي، مصدرها قيادات فاعلة في الجبهة الثورية اتسمت تجربتها السياسية بالديناميكية. بجانب أنّ أجندتها وأفكارها ومواقفها لن تكون هي نفسها أجندات وأفكار وطرائق الفعل والعمل السياسي لقوى الحرية والتغيير، التي تسيّدت منفردةً، الملعب السياسي منذ الاطاحة بالرئيس عمر البشير ونظامه السياسي، وما قبل ذلك، أيام الاحتجاجات التي تحوّلت لثورة تغيير مكتملة.

من الراجح أن تتقارب المواقف بين الشعبي والعدل والمساواة، بل والعدل والمساواة والأمة القومي نفسه

ولنأخذ على ذلك مثالًا، فالحركة الشعبية، جناح عقار، التي ستوقع على الاتفاق، وستحصل بموجبه على مقاعد في هياكل الحكومة المختلفة، وفي البرلمان الانتقالي، هي قريبة في مواقفها وأفكارها للحزب الشيوعي. أما العدل والمساواة، فهي قريبة الصلة بالمؤتمر الشعبي. بل إنّ العديد من قياداتها كانوا قيادات في نظام الإنقاذ نفسه. وبالتالي من الراجح أن تتقارب المواقف بين الشعبي والعدل والمساواة. بل والعدل والمساواة والأمة القومي نفسه. وفي البال بحث الشراكة الذي قام به كل من الجبهة الثورية، عقب وصول وفد المقدمة منها قبل أيام إلى الخرطوم، مع حزب المؤتمر السوداني. حيث أمّن الطرفان على ضرورة خلق كتلة انتقالية واسعة، يتوقع لها أن تتحول من كتلة انتقالية إلى كُتلة انتخابية.

أمر آخر، وهو شُبهة التقارب بين عدد من قيادات الجبهة الثورية، وبين المكوّن العسكري في الحكومة. والذي يُمثله العسكريون في مجلس السيادة الانتقالي. فقد صرح ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية، جناح مالك عقّار، بأنّهم في الجبهة الثورية ضد إقصاء العسكريين من المشهد السياسي. وهو ما يُضمر رسائل في بريد العسكريين في الحكومة الانتقالية، تقول لهم بأنّنا قريبون منكم، ولسنا مثل الأحزاب السياسية السودانية التي تسلقكم بألسنة الاتهامات الحِداد. وتُضمر أيضًا رسالة أننا حلفاء محتملون لكم في الفترة الانتقالية.

نقول كل ذلك، بالرغم من أنّ هناك تحليل يقول بأنّ المواقف التي صدرت إلى الآن من قيادات في الجبهة الثورية، ليس أصيلة، وإنما هي في الأصل تاكتيكات سياسية منهم لكسب مواقع إضافية في الفترة الانتقالية. أو ربما زيادة مقاعد في البرلمان الانتقالي، والحكومة الانتقالية.

المرجّح أنْ تنبني تحالفات جديدة، أساسها التقارب في المواقف، مع الحضور الوافر للتكتيك المرحلي المؤقت. والراجح علو صوت ضرورة إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، وهو موقف حزب الأمة القومي، وما ظلّ يُنادي به الإمام الصادق المهدي. بجانب عُلو أصوات التطبيع، الذي لا ترى فيه عدد من الحركات المسلحة حرجًا سياسيًا. بل ومحتمل أنْ يتقوّى بها التيار الداعم للتطبيع مع إسرائيل، من العسكريين وغيرهم.

ومن المرجّح أيضًا عُلو أصوات ضرورة التوافق السياسي، بما يُمثّل بابًا خلفيًا محتملًا دخول محسوبين على التيار الإسلامي فيه. وهو ذات الخط الذي تقوده العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان جناح منّاوي، ويتلاقى هذا الخط بالطبع مع ما يقول به حزب الأمة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: القضية الفلسطينية في سياق أوسع

ومن المرجح كذلك، قيام تحالفات مرحلية، أو دائمة بين عددٍ من القوى السياسية، مثل المؤتمر السوداني والجبهة الثورية. كُتلة تستمر طوال الفترة الانتقالية، وربما إلى الانتخابات التي لا تستطيع عدد من القوى السياسية خوضها منفردةً. إلا أنّ المؤكد أنّ صوت التشاكس سيعلو، ما بعد قدوم الجبهة الثورية، عقب التوقيع على الاتفاق النهائي.

قدوم عدد وافر من الحركات المسلحة إلى الخرطوم، بعد التوقيع على اتفاق السلام، سيُحدث تغييرًا في المشهد السياسي

وعلى أي، فقدوم عدد وافر من الحركات المسلحة إلى الخرطوم، بعد التوقيع على اتفاق السلام، سيُحدث تغييرًا في المشهد السياسي للفترة الانتقالية. أما ما هو هذا التغيير، بحسابات الإيجاب والسلب؟ فالأمرُ متروك للأيام، فهي التي ستُجاوب.

اقرأ/ي أيضًا

المهدي: إسرائيل دولة شاذة والتطبيع استسلام وخيانة

تفاصيل الوقفة التضامنية المطالبة بعرفة مصير "فيصل"