18-أغسطس-2020

مجموعات قبلية في اقتتال (وسائل التواصل)

منذ ما بعد التغيير، تكررت بشكلٍ لافتٍ، النزاعات القبلية في السودان. في كردفان، دارفور، وأخيرًا في مناطق عديدةٍ في ولايات شرق السودان. فما هي أسباب هذه الاقتتالات القبلية؟ ولماذا لم ينجح التغيير السياسي بإسقاط نظام الإنقاذ في إنهاء هذه الاقتتالات؟ وكيف ننزع فتيلها؟

هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عليها د. عباس التجاني، الباحث والمختص في قضايا السلام والإعلام.

د. عباس التجاني: ارتفاع وتيرة هذه الأحداث له علاقة بمخلفات النظام البائد، ومن تمظهرات ذلك حدة الاستقطاب السياسي، بالإضافة إلى أن تطبيق نظام الحكم الفيدرالي الذي غيّر من طبيعة هذه المجتمعات

  • في دارفور، كردفان، كسلا، والبحر الأحمر؛ ما هو تفسيرك لنشوب أحداث العنف القبلي باستمرار بعد الثورة، وكثافة تكراره في الشهور الماضية؟

- هذا الأمر طبيعي بالنظر إلى الثلاثين عامًا الماضية، وبالنسبة لنا كباحثين هو أمر طبيعي، لكن عندما يتحول هذا النزاع إلى عنف وضحايا، وفيه مستثمرين، فهذا أمر غير طبيعي، ويحتاج من الناس أن يفكروا فيه بشكلٍ عميق.

اقرأ/ي أيضًا: حملة لتغيير نظام امتحانات ذوي الإعاقة والتربية تتمسك بالنظام السائد

ارتفاع وتيرة هذه الأحداث له علاقة كما قلت لك بمخلفات النظام البائد. ومن تمظهرات ذلك حدة الاستقطاب السياسي، بالإضافة إلى ذلك تطبيق نظام الحكم الفيدرالي الذي غير من طبيعة هذه المجتمعات، ومنح مجتمعات أخرى أقلية ومشتركة في الحدود سلطات، وهذا خلف احتقانًا.

الأرض أيضًا قضية مهمة في السودان، وهي امتداد لمفاهيم الحاكورة والحجر في السودان. والأرض لها ارتباط بالكينونة والسلطة لهذه المجموعات الاجتماعية والقبلية.

  • هل الأرض لوحدها، أم أنّ هناك عوامل أخرى لهذه الاقتتالات القبلية؟

- بالمناسبة، الفقر أيضًا عامل آخر أساسي، لأن هناك تفسيرات لهذه النزاعات، تردها للفقر. وعليه، فإن تشريح هذه الأزمات باعتبارها بين رعاةٍ ومزارعين؛ هو تشريح غير سليم وتبسيط مخل. السبب الثالث، أن النزاع السياسي في السودان هو نزاع عنيف، وفيه تاريخ تحرير، يتبدى ذلك في جنوب كردفان ودارفور مثلًا، حيث حمل الناس السلاح ضد السلطة المركزية.

ما يدور الآن من اقتتال؛ فيه عوامل أخرى، منها أن مجموعات ضد التغيير، وأخرى معه. وعندما يحدث التغيير سيلغي مصالح كثيرين، ويحدث تغييراتٍ في المعادلة الاقتصادية والسياسية، وما تزال هناك ولاءات سياسية مسيطرة، جهوية كانت أو جغرافية أو قبلية. هؤلاء وقفوا ضد التغيير، لأنه يسحب منهم مصالحهم، وينبني عليه واقع مختلف. هناك سبب ثالث لما يحدث من اقتتالاتٍ قبلية، وهي المعادلات الأمنية، أو عناصر من النظام البائد، أو مطامع مخابرات عالمية، في سبيل إبقاء الأوضاع على ما كانت عليه، وإيقاف التغيير المحتوم.

  • كيف تنظر إلى الطريقة التي تعالج بها الحكومة والمجتمعات المحلية هذه النزاعات؟ 

- المعالجات قاصرة، وتفتقد للخبرة والتشخيص والتحليل. تحليل النزاع لكي نفهم موضوع النزاع وأطرافه وأصحاب المصلحة فيه، هذا الأمر لا يتم. كان ذلك على مستوى الحكومة، أو المستوى المحلي. ليس هناك تحليل للوضع بشكلٍ دقيقٍ، لكي يُعطيك وصفًا للأوضاع بشكل دقيق، لكي تقدم بعدها حلولًا موضوعية. أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه إدارة للأزمة، أكثر من كونها تقديمًا للحلول. وهي أشبه بطريقة إطفاء الحرائق، والواقع أثبت أن هذه الطريقة غير مجدية.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| مدير التعليم الخاص بولاية الخرطوم وأزمة الرسوم

  • لماذا لم تعد ناجحة الاتفاقات المحلية، "القلد في الشرق"، و"الجودية ومؤتمرات الصُلح، في كردفان ودارفور"؟ أين العلة بالضبط؟

- القلد ومؤتمرات الصلح لا تنجح لأن المكون الأكبر من هذه المجموعات ليسوا على اعتراف بهذا النمط من الحلول، لأنها لا تعبر عنهم، ولا عن تطلعاتهم، ولا عن مصالحهم. وإنّما تعبر عن مصالح القوى التقليدية التي لديها مصالح مشتركة. فهم أنفسهم قد تلاقوا من قبل في عشرات مؤتمرات الصلح السابقة، ونفس جلسات الجودية. وهذا بطبيعة الحال يتوّل إلى "بزنس" أو أيديولوجيا، مثلما تحولت مؤتمرات السلام السودانية بهذه الطريقة إلى أيديولوجيا لتتحقق من خلالها مصالح الفاعلين فيها.

 يمكنك كحكومة أنْ تحقق عدالة اجتماعية، وقانون، وتنمية، بعدها بكل بساطة ستختفي هذه النزاعات

للأسف أيضًا، هذه المعالجات لا تنجح؛ لأن الرؤية لها بالأساس أمنية، وليست للسلام الحقيقي. يمكنك كحكومة أنْ تحقق عدالة اجتماعية، وقانون، وتنمية، بعدها بكل بساطة ستختفي هذه النزاعات.

  • هل توافق على التفسير الذي يرجع أسباب هذه الاقتتالات المناطقية والقبلية والعشائرية إلى رموز النظام السابق وأصابعه التي ما تزال مؤثرةً في الولايات، وما تزال تحدث التخريب؟

- رموز النظام السابق جزء مما يحدث، لأن التغيير الذي حدث في السودان تغييرٌ جزئي، أو شكلي. لأن البناء السياسي في الأقاليم بناءٌ قبلي. التغيير في المناطق التي ما تزال تشهد نزاعات لم يتم فيها تغيير. أو حتى لم تم فإنه بشكل محدد. 

هناك عوامل أخرى تتسبب في ارتفاع هذه الوتيرة، منها أن الوضع الجديد يرفع من سقف الطموحات للمجتمعات، هذا بالإضافة إلى أن عملية التغيير نفسها تفرز واقعًا جديدًا يزيد من التوتر.

  • بافتراض صحة أن هناك أصابع خارجية فيما يحدث في كسلا والبحر الأحمر؛ ما هي هذه الأصابع الخارجية؟ وما هي مصالحها؟

- هناك عاملان أساسيان هنا: الأول مرتبطٌ بالقبائل المشتركة في الحدود. والثاني له علاقة بأمن البحر الأحمر، وهذا له علاقة بشكل أكبر بما يعرف بحرب الموانيء. لكن العوامل الداخلية في شرق السودان كافية لقيام حرب وتوترات كبيرة.

  • باعتبارك مهتم ومختص بأمر السلام والنزاعات؛ ماهي الطريقة أو الطرق الناجعة لنزع فتيل النزاعات القبلية وللأبد في السودان؟

- لكي ننزع فتيل النزاعات القبلية في السودان، فإن المبدأ الذي يفترض أن تتأسس عليه الحلول هو أن النزاعات فُرصة لتغيير العلاقات الاجتماعية، وتغيير خارطة المصالح في السودان. فهي مصدر قوة أكثر لخلق حوار مجتمعي عميق، وتحاور، واستحقاقات قد تكون مفيدة في المستقبل.

اقرأ/ي أيضًا: يونيسيف تصف وفيات كورونا في السودان بالأعلى.. والصحة: لا انحسار للمرض

الأمر الثاني هو: التنمية. فعندما يكون هناك تنمية في مناطق النزاعات القبلية، "دار فور/كردفان/شرق السودان"، وبعض هذه المناطق إنتاج بترول، فلكي تحل هذه المسألة يُمكن أنْ يتم ربطها بشبكة طُرق، تخلق صلاتٍ وتواصل بين الناس، وتنقل البضائع والأفكار، والثقافات والمعارف. هذه كلها مصالح.

ضرورة تغيير الخطاب السياسي والإعلامي. وما لم يتغيّر هذين الخطابين باتجاه السلام، ولصالح السلام، لا تتوقع توقفًا للنزاعات القبلية

ثالثًا: يُمكن إيجاد مشاريع تنموية، تستوعبُ طاقات الشباب المشتركين في هذه النزاعات، هذا بجانب نزع السلاح من كل العناصر الموجودة، والتي سلّحها النظام البائد، أو غيره.

رابعًا: ضرورة تغيير الخطاب السياسي والإعلامي. وما لم يتغيّر هذين الخطابين باتجاه السلام، ولصالح السلام، لا تتوقع توقفًا للنزاعات القبلية. 

خامسًا وأخيرًا: معالجة قضية الأرض في السودان، لأنّ الأرض السودانية في غالبها مملوكة للمجتمعات المحلية، وللمجموعات القبلية، وليس للدولة. نحن في حاجةٍ لتصوّر حل قضية الأرض.

اقرأ/ي أيضًا

الفيضانات في جنوب السودان.. المواطن وحيدًا أمام عجز الحكومة والمجتمع الدولي

من السيئ إلى الأسوأ.. رحلة في مراكز العزل