26-سبتمبر-2020

حصلت منطقة أبيي على وضع خاص ضمن اتفاقية السلام بين السودان وجنوب السودان (تويتر)

كانت غالب التقارير الإعلامية والدولية تتحدث عن أن  أبيي  كمنطقة متنازع عليها بين السودانين شماله وجنوبه، خاصة بعد انفصال جنوب السودان، عبر استفتاء تاريخي، كان ينبغي أن يتم بالتزامن مع استفتاء منطقة أبيي المتنازع عليها بين البلدين، حيث تم إرجاؤه بسبب الصعوبات العملية التي اعترت فرص قيامه، إلى جانب انعدام الرغبة والإرادة السياسية من قبل الحكومة السودانية، التي كانت ترى أن نتائج التصويت في الاستفتائين قد تكونان لصالح جنوب السودان، علاوة على خشيتها من ردة فعل مجموعة المسيرية التي كانت في تحالف متين معها، وهي علاقات تحالف موروثة من حقب قديمة في تاريخ الدولة السودانية، لكن هناك عديد من الاسئلة التي تحتاج لإجابات صريحة، دقيقة ومباشرة، تتعلق بمدى جاهزية السودان الذي يمر بفترة انتقال عصيبة أعقبت الإطاحة بنظام الجبهة الإسلامية من الحكم، وكذلك جنوب السودان الذي تغيرت فيه توازنات القوى السياسية بشكل ملحوظ ولا تزال في تغير مستمر أعقب الصراع الدامي على السلطة بين فصائل وجماعات الحركة الشعبية المتنافسة، ودخول حلفاء جدد لساحة العمل السياسي وأحكامها السيطرة على الملفات الحيوية والهامة على مستوى جنوب السودان الذي يمر هو الآخر بمرحلة انتقال لا يعلم أحد بنهايتها.

وعد السودان الوفد القادم من جوبا لبحث ملف أبيي ببدء الترتيب للمباحثات المباشرة بين البلدين بخصوص المنطقة

تشير الأحاديث المتداولة إعلاميًا، خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من حكومة جنوب السودان يتقدمه مستشار الرئيس للشئون الأمنية توت قلواك، ومسئول ملف أبيي لدى دولة جنوب السودان دينق ألور كوال، إلى أن السودان قد وعد الوفد القادم من جوبا لبحث ملف أبيي ببدء الترتيب للمباحثات المباشرة بين البلدين من أجل التوصل للحل النهائي لقضية المنطقة بحسب ما أدلت به عائشة عباس عضو الوفد، لوسائل الإعلام نقلًا عن الاجتماع الذي جمعهم بعضو مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو، إلى أنه طمأن الوفد الجنوبسوداني بأنه سيتم حل قضية آبيي بنفس الروح التي تمت بها معالجة قضايا السودان في المناطق المختلفة، فمن تلك التصريحات يبدو أن الزيارة كانت عبارة عن محاولة استكشافية للوقوف على موقف السودان من قضية أبيي في أطار العلاقات العامة ومحاولة الاستفادة من أجواء التقارب التي خلقتها وساطة جنوب السودان في ملف النزاع السوداني على الأرجح.

مؤكد أن الوفد الحكومي الذي غادر إلى الخرطوم لبحث ملف أبيي مع السلطات السودانية، يعلم جيدًا أن أطراف السلطة الانتقالية في السودان غير مهيأين في الظرف الحالي لمناقشة أو بحث أي قضية ذات طبيعة استراتيجية حساسة، وذلك لأن الحكومة الانتقالية الجديدة محكومة بوثائق ومرجعيات تحدد صلاحياتها وسلطاتها وأولوياتها في الفترة الحالية، حتى بالنسبة للقضايا ذات الصلة بالأزمات الراهنة التي يعاني منها السودان، لذلك أكدت الوثيقة الدستورية على التزام السودان كدولة بجميع الاتفاقيات ذات الطابع الدولي والإقليمي القديمة، كما لا اتوقع أن يكون فائتًا على الحكومة السودانية بشقيها العسكري والمدني البعد الإقليمي لقضية أبيي، والتي أصبح لها منبر معروف تحت إشراف الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي والتي توصلت إلى جملة من القرارات المهمة في مسار القضية  بما فيها مسالة إقامة استفتاء أبيي الذي يختار فيه مواطنو المنطقة وجهتهم النهائية عبر التصويت، وقد استطاعت عشائر دينكا نقوك التسعة وعملا بقرار الاتحاد الإفريقي إقامة استفتاء مجتمعي أحادي الجانب جاءت نتائجه لصالح انضمام أبيي لجنوب السودان، تلك هي المحطة الأخيرة التي توقف عندها ملف القضية بعد أن رفضت حكومتي البلدين الاعتراف بنتائج الاستفتاء المجتمعي الذي تم أجراؤه في تشرين الأول/أكتوبر 2013.

اقرأ/ي أيضًا: لجنة الفيضانات: انخفاض في معظم الأحباس وارتفاع في قطاع خشم القربة - عطبرة

 يبدو أن الخرطوم، وعبر محمد حمدان دقلو لا تريد أن تفسد مناخ الود الجديد بينها وجوبا، وهو المناخ الذي برزت فيه تقاطعات جديدة ومفيدة إلى حد ما، لكن الحقيقة التي لا جدال حولها، هو أن الحكومة الانتقالية المنقسمة على نفسها في السودان، لا تستطيع أن تحدث أي اختراق فعلى حول قضية أبيي بحكم الأسباب والدواعي التي تطرقت إليها آنفًا، سوى انتظار نهاية الفترة الانتقالية وتسليم الملف بالكامل للحكومة المنتخبة إذا سارت الأوضاع بحسب الترتيبات المنظورة.

لماذا استغرقت مسالة اعتراف سلطات جنوب السودان بنتائج استفتاء أبيي التي لا تزال قابعة لما يقارب التسعة أعوام أمام منضدة البرلمان كل هذا الوقت؟

لكن قبل ذلك، لماذا استغرقت مسالة اعتراف سلطات جنوب السودان بنتائج استفتاء أبيي التي لا تزال قابعة لما يقارب التسعة أعوام أمام منضدة البرلمان كل هذا الوقت، على الرغم من أن دستور البلاد قد نص بشكل  واضح عن جنوبية أبيي، فالاعتراف بنتائج استفتاء أبيي يمثل الخطوة الوحيدة التي من شأنها أن تدفع بملف القضية إلى الأمام لدى السودان والاتحاد الإفريقي، لكن يبدو أن تطاول أمد الأزمة والصراع السياسي على السلطة بين أطراف ومكونات الحركة الشعبية قد القى بتاثيرات كبيرة وبالغة حتى على ملف منطقة أبيي الذي طغت عليه أولويات أخرى، ساهمت في غيابه لسنوات طويلة عن المباحثات الثنائية بين البلدين خلال الفترة الأخيرة من سنوات حكم البشير.

اقرأ/ي أيضًا

موقع "عرب 48": إعلان محتمل للتطبيع بين السودان إسرائيل في غضون أسبوع

إبراهيم البدوي: اللجنة الاقتصادية لـ"قحت" تربك عمل وزارة المالية