22-سبتمبر-2020

مبارك أردول (الشاهد)

دار حوار طويل أمس بيني ومجموعة من المناقشين مع مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية التابعة لوزارة الطاقة والتعدين مبارك أردول، حول ما أورده عبر صفحته الشخصية على فيسبوك وللفائدة العامة أعيد نشر البوست موضوع النقاش هنا.

"وافقنا على توزيع نصيب الولايات من أرباح أعمال شركات معالجة المخلفات لشهر أغسطس ٢٠٢٠، ويظهر في الجدول نصيب كل ولاية على حدة، يتناسب حجم الأنصبة طرديًا مع عدد المصانع العاملة في كل ولاية، سوف تغذي الإدارة المالية للشركة حسابات الولايات مباشرة". انتهى كلام أردول.

تعليقي على أردول كان هو أن تحويل الأموال للولايات مباشرة وتخطي وزارة المالية خاطئ ومخالف للقانون

وعلقت في بداية الحوار التعليق التالي، إن إجراء تحويل الأموال مباشرة من الشركة للولايات هو في تقديري خاطئ ومخالف لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية، ولا يحق للشركة توجيه أموال مباشرة للولايات ويفترض أن يتم تحويل كل هذه الأموال لوزارة المالية الاتحادية ومن ثم تباشر هي بنفسها إجراءات التحويل للولايات وفق المتبع قانونًا ووفق دورتها المالية والمستندية والمحاسبية، أرجو مراجعة هذا الأمر".

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان.. أزمة اقتصادية وتغييرات شكلية

فجاء رد أردول في مداخلاته مبنيًا على الاتفاق مع ما أوردت من ناحية "نظرية إجرائية"، لكنه قال إنهم يتعاملون بهذه الطريقة لتجاوز البيروقراطية التي تعطل عملهم، مشيرًا أنه مكلف بإنجاز أشياء محددة هو مشغول بها ويسعى لإنجازها وتحقيقها بشتى السبل، وليس من مهامه معالجة الخلل في مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، وطالبنا "نحن المناقشون له" بإصلاح الخلل وساعتها سيلتزم بالقوانين والإجراءات.

من المهم هنا التأكيد على أن هذا الإجراء الذي أعلنه مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية عبر صفحته الشخصية إجراء خاطئ إداريًا، ومخالف للنظم والإجراءات الحكومية، ويفتقر للسند القانوني إذ يخالف نص قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة ٢٠٠٧، والذي نص في فصله الثاني باب الموازنة العامة، فيما يتعلق بإيداع الإيرادات القومية المادة (٤-٤) ٦، على الآتي:

  • تودع جميع الإيرادات القومية بالموازنة في الصندوق القومي للإيرادات.
  • وأشار ذات القانون في باب الصرف على الاعتمادات وتحصيل وربط الايرادات المادة (٨) (٢ و ٣) على الآتي:
  • لا يجوز الارتباط أو الدخول في أي التزام بالصرف لأي سبب من الأسباب دون الحصول على الموافقة المسبقة من الوزارة "والوزارة المعنية هي المالية والاقتصاد الوطني".
  • لا يجوز لأي من أجهزة الدولة تجنيب الإيرادات أو تأخيرها أو عدم توريدها لحساب الوزارة.

منطق أردول هو ذات المنطق الذي بنيت عليه كامل تجربة التجنيب المالي بالدولة طوال عهد سيئة الذكر الإنقاذ

إن المنطق الذي استند إليه أردول في تولي أمر توزيع الأموال مباشرة من شركته للولايات عن أرباح أعمال شركات معالجة مخلفات التعدين، هو ذات المنطق الذي بنيت عليه كامل تجربة التجنيب المالي بالدولة طوال عهد سيئة الذكر الإنقاذ التي كانت نموذجًا في وضع القوانين والالتفاف عليها وخرقها وانتهاكها، فقد تأسست تجربة التجنيب على أفكار الوزراء في وضع أيديهم على إيرادات وزاراتهم، والتي هي مال عام ملك للدولة ممثلة في وزارة المالية المسئول الأول عن حركة المال العام وانفاقه وضبطه، وكانوا يزعمون ذات زعم أردول أنهم يفعلون ذلك هربًا من بيروقراطية الدولة التي إذا احتاجوا لأي أموال تباطأت عنهم أو حالت دون حصولهم عليها، وانتهت تلك التجربة لمفسدة كبرى توزع فيها المال العام على الحوافز والهبات والنثريات وجيوب المسئولين ومحاسيبهم، بعدما اخفيت هذه الأموال عن الرقابة والمراجعة العامة، وصارت بين أيدي الوزراء ومدراء المكاتب، فهل نحتاج لتكرار هذه التجربة السيئة مرة أخرى؟

إن الطريقة التي أعلن عنها أردول تكشف أن أجهزة الدولة صارت عبارة عن جزر معزولة، يحق لكل مسئول فيها أن يفرض ما يريد من النظم، بغض النظر عن مدى سلامتها الإجرائية والقانونية، وهو مسلك يشير لخلل في أداء الأجهزة الرقابية على المؤسسات والهيئات والشركات الحكومية، وغياب وزارة المالية عن متابعة ما يجري في مختلف مؤسسات الدولة ومراجعة أدائها المالي والمحاسبي.

إن أهمية التقيد بالقانون وعدم تجاوزه هي القاعدة الأساسية للعمل بكل أجهزة الدولة، وليس هناك استثناء من هذه القاعدة إلا إذا جاء استنادًا لقرار، من الجهة صاحبة السلطة والتفويض وهي وزارة المالية في هذه الحالة، وإذا قبلنا تجاوز الشركة السودانية للموارد المعدنية للقانون المعلن على رؤوس الأشهاد هذا، فإننا نكون قد شرعنًا فعليًا في هدم أساس القانون والمؤسسية، وكرسنا لفوضى لن تنتهي حيث تعمل كل جهة بما تراه من أساليب ووسائل.

اقرأ/ي أيضًا: عامانِ على السلام.. ماذا جنى شعب جنوب السودان؟

وبما في ذلك تجاوز القانون إذا أحست هذه الجهة أو تلك بأنه لا يساعدها على تحقيق أهدافها، وما قاله أردول في حوارنا معه إنما يوفر منطقًا للشركات الحكومية التابعة للجهات العسكرية، في عدم خضوعها لولاية وزارة المالية ومخالفتها للقانون، ويوفر منطقًا كذلك للوزارات التي تخالف القانون وتقوم بتجنيب المال العام وعدم توريده لخزينة الدولة.

إن تقيد مؤسسات الدولة كافة بقوانينها هو أساس العمل الحكومي، ومن غير المقبول مخالفة القوانين، فهذا باب كبير للفوضى لا يفضي لخير حتى وإن كانت مقاصد من يقومون به خيرة، وكان الأحرى بأردول أن يبحث مع وزارة المالية الطرق الكفيلة بإنهاء الإجراءات البيروقراطية التي شكا منها، لا أن يلغي القانون القائم، ويتجاوز المؤسسات، ويتجه لتأسيس مخالفة قانونية فادحة بهذا المستوى.

الأموال التي قامت الشركة بصرفها للولايات، هي في الأصل ليست ملكًا لها، فهي أموال عامة تخص حكومة السودان

هذه الأموال التي تريد أن تقوم الشركة بالتصرف فيها، هي في الأصل ليست ملكًا لها، فهي أموال عامة تخص حكومة السودان، وبالتالي فإن الجهة المسئولة عنها هي وزارة المالية، وهي الجهة الوحيدة المخولة قانونًا بالتعامل المالي والمحاسبي مع ولايات السودان المختلفة، وكان بإمكان الشركة تحويل الأموال والتنسيق معها حول أنصبة الولايات وكيفية تحويلها ومع متابعة الشركة لهذه الخطوات، ولكن لا يحق لها أخذ القانون بيدها والتصرف كما يحلو لها، انصاعوا والتزموا بالقانون.

اقرأ/ي أيضًا

مسرح العبث في محكمة مدبري انقلاب الإنقاذ

زيارة بومبيو.. التطبيع وقضايا أخرى