رأي

أمطار وزلازل مع النزوح.. السوداني مجردًا أمام الأقدار

29 يوليو 2024
السودانيون والتسمية.png
عامر صالح
عامر صالحكاتب وصحفي من السودان

تقول المنظمات الإنسانية إن أكثر من نصف السودانيين بحاجة إلى مساعدات. تؤكد نفس هذه المنظمات أن التمويل للاستجابة الإنسانية أقل بكثير من المطلوب، وتواجه ميزانياتها عجزًا كبيرًا، بالإضافة إلى العرقلة المعتادة من الجهات الحكومية في مناطق سيطرة الجيش، وغياب أبسط مقومات الدولة والقانون في مناطق سيطرة الدعم السريع.

في السودان اليوم، توجد أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، حيث فر أكثر من (10) ملايين شخص من منازلهم جراء توسع رقعة الحرب على يد قوات الدعم السريع التي توثق مجموعة ضخمة من التقارير انتهاكاتها المروعة لحقوق الإنسان. يقيم هؤلاء النازحون في مراكز إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة. الحرب والنهب المنظم أفقروهم، كما إن بعضهم فروا من بيوتهم تاركين كل شيء خلفهم للنجاة بحياتهم، ليواجهوا أسئلة المصير وتقلبات الأقدار في مناطق الحكومة التي لا تملك أن تبالي بهم حتى وإن أرادت، وهي لا تريد، بل تضيق عليهم بالحملات الأمنية وقوانين الطوارئ التي تسمح للسلطات بالبطش كيفما تشاء.

في الولايات التي لم تصلها الحرب بعد، توجد إدارات درجت المعارضة على تسميتها بـ"حكومة الأمر الواقع"

يتداول الناشطون من الشباب المناشدات في المدن الآمنة لإنقاذ النازحين حتى قبل دخول موسم الأمطار، وتقوم مبادرات شعبية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالجهد الذاتي، وما يسميه شباب السودان "الشيرات". الشير البسيط من شاب يكافح لسد الرمق والتصدق بما يزيد عن ذلك هو قبلة حياة لمرضى السكري والكلى وأصحاب الأمراض المزمنة الأخرى الذين لا يملكون شيئًا، وفوق ذلك لا يملكون ترف الانتظار.

في سياق هذه الأزمة الإنسانية التي تقول الإحصائيات إنها تتضمن أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، حل فصل الخريف في السودان. هذا الفصل منذ سنوات يأتي ومعه الكوارث جراء التغير المناخي أولًا، وأيضًا جراء غياب مؤسسات الدولة التي من مهامها تلافي وتقليل الأضرار بقدر الإمكان. الإمكان في سياق سودان اليوم هو فوق المستحيل بقليل نظرًا لتفكك جهاز الدولة وغلبة ما أسماها بعض الناشطين "المكوكية" على الإدارة التي لم يبق منها غير ذلك بعد ثورة وانقلابات ناجحة وفاشلة وحرب ضروس. والمك هو لقب يطلق على ملك عشائري في السودان، تؤول إليه كل السلطات ويفصل في جميع التخصصات.

في الولايات التي لم تصلها الحرب بعد، توجد إدارات درجت المعارضة على تسميتها بـ"حكومة الأمر الواقع"، وهو توصيف دقيق لأنها بالفعل فرضت لأغراض الموازنات التي تسمح ببقاء السلطة فاقدة الشرعية، دون وضع أدنى اعتبار لمعاش الناس واحتياجاتهم؛ تلك الأمور التي في الظروف الطبيعية هي المهام الرئيسة لأي نظام إداري من هذا القبيل.

تغلب على هذه الإدارات الطبيعة الأمنية والعمل على تثبيت السلطة المتزعزعة للجيش، فكانت معظم قراراتها واهتماماتها تنصب في هذا الجانب، حتى في التعامل مع النازحين الذين تسبب في نزوحهم نفس الهشاشة والسيولة التي أدت إلى سقوط السودان في درك الحرب.

لم تكن هذه السلطات بحاجة إلى فصل الخريف لكشف توجهاتها التي لا تهتم لأمر المواطن المغلوب على أمره، ولكن مياه الأمطار غسلت غباش الاعتياد، فجرفت السيول أي أمل في الحكومة القائمة مثلما جرفت خيم النازحين في مراكز الإيواء التي اختاروها بأنفسهم داخل المدارس وبعض المرافق العامة، دون أي رعاية أو التفات جدي من الحكومات القائمة، سوى المحاولات الجادة لترحيلهم خارج المدن حتى تستأنف العام الدراسي وتقول عندنا دولة وأمورنا عادية فوق كل هذا الخراب.

بالتزامن مع السيول والفيضانات المعتادة في فصل الخريف بالسودان، ضرب زلزالان البحر الأحمر على مسافة (200) كيلومتر من مدينة طوكر التي تعد من أكثر المناطق التي تعاني من التهميش في تاريخ السودان الحديث. اكتفت السلطات بتقرير إخباري صغير عن الأمر، ولكن لم يكن أحد يتوقع منها غير ذلك.

يواجه السوداني الأقدار الطبيعية وتلك التي من صنع البشر مجردًا من كل شيء منذ (15) شهرًا من الحرب التي قضت على الأخضر واليابس وتهدد الآن بالمجاعة عقب أن تمددت كالظواهر الطبيعية في المناطق الخصبة بالبلاد والتي كانت ترفد "قفة الملاح" بالطماطم والبصل والحبوب والبطاطس.

في ظل فشل حكومة الأمر الواقع في أداء مهامها -أو قل إنجازها فقط للمهام المطلوبة منها من قبل قادة النظام القائم- يتبقى للسوداني المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. ولكن الأول مكبل بمصالح مشعلي الحرب الإقليميين، وعلى رأسهم الإمارات، مما ينعكس على الثاني التي تتأثر أيضًا بفشل السياسة الخارجية لنظام البرهان المتخبط، وضعف قدراته على المناورة، أو حتى التعامل الدبلوماسي العادي.

إن هذه الأرقام والإحصائيات عن الجوع والتشرد والنزوح متحققة في كل سوداني، فواحد من كل خمسة قد غادر منزله بالفعل، ونصف الناس جوعى في بلادي

في سودان اليوم، ملايين لا يملكون قوت يومهم ولا حتى مصادر دخل تضمن قوت بعض اليوم، يقفون عراة في مواجهة "عاصفة مثالية" من الظروف التي تعمل بلا كلل على إحالة حياتهم إلى جحيم كأنها ليست لديها مهمة أخرى. وفي الوقت ذاته، لا تلوح أي آمال في الأفق بأن الوضع القائم سيتغير في القريب العاجل، وهو -القريب العاجل- كل الوقت الذي يمتلكه هؤلاء النازحون قبل أن تنفد كل الحيل ويقل حماس "الشير" غير المستدام بطبيعة الحال.

إن التحذيرات من المجاعة والكوارث الطبيعية والوبائيات، على الرغم من أنها صارت معتادة بالنسبة للسودان لدرجة عدم التحسس، إلا أنها مخاطر جدية تتهدد حيوات الملايين ويعالج تبعاتها الملايين. هؤلاء أشخاص حقيقيون الذين يتعرضون لكل هذه الأقدار دون سند في عالم لا يبالي. إن هذه الأرقام والإحصائيات عن الجوع والتشرد والنزوح متحققة في كل سوداني، فواحد من كل خمسة قد غادر منزله بالفعل، ونصف الناس جوعى في بلادي.

الكلمات المفتاحية

خالد عمر يوسف - القيادي في الحرية والتغيير.jpg

وماذا عن دقلو؟

أثارت ردة فعل المهندس خالد عمر يوسف في لقائه بإحدى القنوات التلفزيونية عند سؤاله و"ماذا عن دقلو؟" عقب حديثه عن وزير المالية جبريل ابراهيم - أثارت ردات فعل عديدة، ساخرة من تلجلجه في الإجابة، وإصداره لأصوات غير مفهومة قبل أن يتمالك نفسه، ليجيب أخيرًا بصوت مفهوم وواضح.


آثار الدمار - الحرب - الخرطوك.jpg

أهداف حرب 15 أبريل الخفية والظاهرة

ليس علينا التمهيد لمسألة أن الحرب في السودان واحدة من الخطط الاستراتيجية للقوى العالمية الغاشمة للعبث بالشرق الأوسط وإعادة هندسته، فالحرب وحدها تحقق عدة أهداف استراتيجية للنظام العالمي الجديد ورعاته.


نازحو الفاشر في الدبة

نزوح الفاشر إلى الدبة.. حين تضغط الجغرافيا وتنكسر السياسة

الآثار الكارثية لما وقع في الفاشر لن تمحي قريبًا. الآلاف قتلوا وشردوا وانتهكت أعراضهم في واحدة من أسوأ مشاهد الحرب الدائرة في السودان، بل هي مأساة مكتملة،


أبو لولو

"أبو لولو" كمرآة لعنف الدعم السريع

تجاوز ظهور المجرم المدعو "أبو لولو" في مقاطع الفيديو الأخيرة من الفاشر كونه مجرد واقعة دموية جديدة في سجل الحرب السودانية، الى كونه حدثًا إعلاميًا مُحمَّلًا بالرموز، استُخدم - بوعي أو دون وعي - لصرف الأنظار عن المنهجية الأعمق للعنف داخل الدعم السريع.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
أخبار

التعليم العالي تعيد خدمات التقديم والتوثيق إلى مقرها الرئيس بالخرطوم

أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، عودة جميع خدمات التقديم الإلكتروني وتوثيق الشهادات إلى المقر الرئيس للإدارة العامة للقبول بشارع الجمهورية في الخرطوم

سلاح - مسلحين - مستنفرين.jpg
أخبار

الجيش السوداني يدعو دول الإقليم إلى منع تدفّق الأسلحة للدعم السريع

دعا الجيش السوداني دول الإقليم إلى تحمّل مسؤولياتها ومنع تدفّق الأسلحة إلى الميليشيات والمجموعات غير الشرعية، محذّرًا من أن هذا الاتجاه يشكّل خطرًا على دول المنطقة.


سلوى آدم بنية مفوض العون الإنساني
أخبار

سلوى بنية: الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن

أكدت مفوضية العون الإنساني في السودان، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن.

مبعوث الاتحاد الأفريقي لمنع الإبادة الجماعية يصل السودان
أخبار

المبعوث الأفريقي للإبادة الجماعية يصل البلاد لإجراء مباحثات رسمية

يبدأ مبعوث الاتحاد الأفريقي لمنع الإبادة الجماعية، السيد أداما دينق، زيارة رسمية للبلاد تستمر أربعة أيام، يلتقي خلالها عددًا من المسؤولين في وزارات الخارجية والعدل والشؤون الدينية، إلى جانب النائب العام.

الأكثر قراءة

1
أخبار

مصادر عسكرية لـ"الترا سودان": الجيش يتصدى لأعنف هجوم على الفرقة 22 مشاة في بابنوسة


2
سياسة

تصاعد القتال في بابنوسة وزيارة أممية تبحث حماية وإغاثة المدنيين


3
أخبار

شبكة أطباء السودان: توثيق 32 حالة اغتصاب مؤكدة بالفاشر خلال أسبوع 


4
أخبار

متطوعون: مئات المفقودين بالفاشر يرجح وجودهم في معتقلات سرية


5
أخبار

مصادر: سيطرة الجيش على بلدتين في شمال كردفان تعزّز حماية الأبيض