23-سبتمبر-2020

البرهان ونتنياهو (القدس العربي)

لا أحد يستطيع أن يتكهن بمستقبل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية والحكومة الانتقالية نفسها، في ظل دخول وفد سوداني في مباحثات مع الجانب الأمريكي في أبوظبي برعاية إماراتية، لحمل الخرطوم على التطبيع مع تل أبيب مقابل رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وإن كان الموقف الأمريكي غير معلنٍ في طرح التطبيع مقابلًا لرفع العقوبات، لكن "محادثات الإمارات خلف الأبواب المُغلقة " تُشير إلى أن هناك ثمة شروط توضع أمام الحكومة الانتقالية.

من اللافت أن موقف المكون المدني في مجلس السيادة من التطبيع يتماشى مع توجهات الشق العسكري

اللافت أن المكون المدني في مجلس السيادة، لم يمانع التطبيع مع إسرائيل، خاصةً عندما نقرأ موقفه في آب/أغسطس الماضي، حيث أعلن متحدث مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، أن الوثيقة الدستورية تنص على البحث عن المصالح العليا للبلاد، بحسب بيان أصدره في معرض الرد على جماعات سياسية رافضة للتطبيع.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم العالي تعتزم طرح مناصب مدراء الجامعات للمنافسة العامة

وتطورت العملية في أعقاب زيارة نفذها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إلى الإمارات برفقة وزير العدل نصرالدين عبدالباري ممثل الحكومة الانتقالية، ورغم إعلان مجلس السيادة أن مهمة البرهان تختلف عن مهمة وزير العدل، إلا أن المصب لكليهما واحد، حيث يجتمع المسؤول العسكري الأول ورئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان مع المسؤولين الإماراتيين، سيكون عبدالبارئ في محادثات مع مسؤولين أمريكيين ضمن مساع الخرطوم لشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب.

ولا يستبعد مراقبون سياسيون أن تضع واشنطن شروطها على الحكومة الانتقالية، بالموافقة على التطبيع مقابل شطب السودان من القائمة.

ويقول القيادي في قوى التغيير محمد وداعة لـ"الترا سودان"، إن واشنطن ستطرح شروطها على الخرطوم، ودائمًا ما تتعامل الولايات المتحدة مع الحكومة بشكل سافر وفج في هذا الملف، ورغم ذلك بإمكان الإدارة الأمريكية تعليق السودان في قائمة الإرهاب، بحجة أن ترمب أصدر أوامر تنفيذية بإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.

محمد وداعة
محمد وداعة

ويتوقع وداعة: "عدم مصادقة الكونغرس على مجموعة من القوانين المتعلقة بالخرطوم وعرقلة مغادرة القائمة، وبالتالي هو نوع من الابتزاز الأمريكي الذي لن ينتهي قريبًا كما حدث للعراق، والتي لا تزال العقوبات الأميركية المفروضة عليها معلقة حتى الآن".

ومن الواضح أن موقف الأغلبية في المجلس المركزي لقوى التغيير، أعلى هيئة داخل التحالف الحاكم في السودان، غير مساند لعملية التطبيع. حيث يعتقد أن القرار مختطف بواسطة مجلس السيادة وسط تردد للحكومة الانتقالية التي تعاني من اختناق اقتصادي غير مسبوق وتعتقد أن مغادرة اللائحة الأميركية ستسمح لها بالاستفادة من تمويلات مؤسسات النقد الدولية لإنعاش اقتصادها، ومواجهتها خسائر فادحة تكبدها الجنيه الشهور الأخيرة بسبب نقص العملات الصعبة، وعزوف المجتمع الدولي عن تقديم حزم مساعدات كبيرة رغم الثورة التي أطاحت بالنظام البائد المعزول من قبل المجتمع الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: المالية: نعول على منظومة الصناعات الدفاعية لأنها إضافة حقيقية للاقتصاد

وفي ظل الأزمة الاقتصادية، فرضت واشنطن غرامات قدرت بـ(380) مليون دولار على الحكومة الانتقالية لتعويضات ضحايا المدمرة كول وتفجيرات سفارتي دار السلام ونيروبي، وهما العمليتين اللتين ساهمتا في فرض العقوبات على السودان في عهد المخلوع عمر البشير في تسعينات القرن الماضي والعام 2000.

محمد وداعة: الملف الاقتصادي لم يتم إدارته بواسطة إدارة ذات كفاءة

ويُشير محمد وداعة، إلى أن الملف الاقتصادي لم يتم إدارته بواسطة إدارة ذات كفاءة، وتُرك الاقتصاد لوقت طويل دون مناقشة خطة النهوض والإنتاج والاعتماد على الداخل، وهرولت الحكومة للتعويل على الخارج أكثر مما ينبغي، وبالطبع؛ للخارج شروطه.

كيف ستدير الحكومة الانتقالية هذا الملف المعقد؛ التطبيع مقابل الشطب من قائمة الإرهاب هو أمر معقد في نظر المحللين والدبلوماسيين، ويعتبرون موقف الحكومة عقب زيارة وزير الخارجية الأميركية للخرطوم كان صحيحًا، وذلك برفضها وضع التطبيع مقابلًا لإزالة السودان من قائمة الإرهاب، باعتبارهما ملفين منفصلين ولا علاقة منطقية بين تهم رعاية الإرهاب والتطبيع.

ورغم الموقف الواضح الذي اتخذته الحكومة الانتقالية حول التطبيع في آب /أغسطس الماضي، لكن حتى الآن غير معروف الأسباب التي جعلتها تتراجع عن موقفها، خاصةً بعد "مفاوضات الإمارات".

وتُعتبر إزالة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب ذات تأثير اقتصادي إيجابي وفق الاقتصادي معتصم الأقرع، لكنه ينوه إلى أنها لن تنعكس على الأوضاع المعيشية، وستكون الغالبية من الشعب خارج الفئات التي ستستفيد من هذه التأثيرات، والتي تنحصر على واحد في المئة من السودانيين.

معتصم الأقرع
معتصم الأقرع

ويتوقع الأقرع في تصريح لـ"الترا سودان"، تحسن المراسلات المصرفية، وفي نفس الوقت لن يؤدي ذلك إلى رفع الصادرات السودانية، والتي تحتاج إلى عوامل داخلية نتيجة لضعف البنية التحتية والتقلبات والمخاطر التي تذهب بيقين المستثمرين والقرارات التعسفية التي تصدرها الحكومة بين الحين والآخر.

وتابع: "يتيح رفع السودان من قائمة الإرهاب لفئة معينة شراء التكنولوجيا المتقدمة، وفرص تحسين الوصول إلى النظام المالي العالمي، ولن يوفر وظائف للملايين من العاطلين عن العمل".

وانتشرت معلومات نقلتها وسائل الإعلام عن مساعدات للسودان حال الموافقة على التطبيع، بشحنات قمح ووقود ونحو ملياري دولار لتحسين وضع الجنيه السوداني، وهي حوافز تضعها الولايات المتحدة لترغيب الخرطوم في التطبيع، في ظل أزمة خانقة تكاد تعصف بالحكومة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة: أكثر من نصف مليون شخص تضرروا من الفيضانات بجنوب السودان

وتحمل التصريحات الصادرة عن الدبلوماسيين الأمريكيين، إغراءات تقدمها الولايات المتحدة أن رفع العقوبات سيؤدي إلى تدفق الاستثمارات، لكن على الصعيد الداخلي هناك مشاكل متعلقة بضعف البنية التحتية واضطرابات البيئة السياسية التي لا تسمح للحكومة الانتقالية بوضع خطط طويلة المدى، وربما هذه المشاكل مقرونة مع انفراد المكون العسكري بالاستثمارات الاقتصادية الكبرى قد تؤدي إلى عدم استفادة قطاع عريض من السودانيين من الاستثمارات.

تُقيم تشاد وجنوب السودان وإريتريا علاقات لسنوات مع إسرائيل لكنها لم تغادر دائرة الدول الأكثر فقرًا واضطرابًا

وتُقيم دول مثل تشاد وجنوب السودان وإريتريا علاقات مع إسرائيل، لكن لا تزال الإحصائيات القادمة من هناك صادمة جدًا على مستوى الفقر وانخفاض الدخل وشح فرص العمل وتحول ثلاثة أرباع مواطنيها إلى لاجئين. 

ويرى محمد وداعة، أن السودان غني بثرواته التي تحتاج إلى حكومة فاعلة دون أن تُسلم نفسها إلى المجتمع الدولي الذي يلعب لمصالحه مقابل الفتات من المساعدات، وبالتالي مهما قدمت الأطراف التي تقود السودان إلى التطبيع مع إسرائيل من مبررات، فإنها تعتبر ذرًا للرماد في العيون.

وأثنى وداعة، على تصريحات وزير الإعلام فيصل محمد صالح لـ"الترا سودان"، والتي أكد فيها موقف الحكومة الانتقالية بأنها غير مخولة للبت في مسألة التطبيع بما أنها حكومة غير منتخبة، بالإضافة لتصريحه أن الوفد الحكومي المتواجد في الإمارات غير مفوض لمناقشة التطبيع مع أي طرف دولي، وأن مهمته تقتصر على إزالة السودان من قائمة الإرهاب.

ويعتقد مناهضو التطبيع أن التلويح بالمنافع الاقتصادية مسألة غير أخلاقية في ظل أوضاع معقدة يعيشها السودانيون، وإغرائهم بالمساعدات الاقتصادية في بلد يملك ثروات هائلة ويعتبرونها فوائدًا مثل العصافير على شجرة.

ويحذر الأقرع: "الوعود التي تعود بالفوائد على الشعب كثيرًا ما تم التنصل منها خلال الفترة السابقة".

ويرى معتصم الأقرع، أن ربط ملف الإرهاب بالتطبيع إهدار للسيادة الوطنية والسياسة الخارجية، وسيكون ثمنًا باهظًا يضعف فرص إعادة بناء السودان كدولة مستقلة ذات سيادة يحكمها أهلها من الخرطوم.

محمد فاروق سليمان
محمد فاروق سليمان

وتقدم الأطراف المؤيدة للتطبيع تبريرات عن مساعدات اقتصادية للبلاد في ظل الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى تزايد طوابير الخبز والوقود وارتفاع السلع الاستهلاكية، غير أن معتصم الأقرع يعتبرها شماعة جربها النظام البائد وتجربها حاليًا السلطة الانتقالية التي لم تبحث الحلول الناجعة في الداخل وتركض وراء سراب في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا: "الشيوعي" يرفض لقاء "الشعبي" ويقول: كان مشاركًا للمخلوع حتى سقوطه

ويقول الأقرع: "لا أريد التثبيط أو نشر اليأس، بل التنبيه "للمرة الألف" إلى أن حل مشاكلنا في أيدينا، ويكمن في الداخل وليس في عصا الأجنبي أو جيبه، وما من سبيل للعبور سوى تعبئة الموارد الوطنية البشرية والاقتصادية لمضاعفة الإنتاج وتعزيز الاعتماد على الذات وصيانة الكرامة الوطنية والشخصية". 

وأضاف: " البحث عن حلول خارج البلاد يهدر وقتًا ثمينًا ويغذي أوهامًا خطيرة تشجع علي التطبيع مع الاعتماد على الأجانب".

أعلن محمد ناجي الأصم موقفه الرافض للتطبيع وابتزاز السودان باسم قائمة الإرهاب

اللافت أن الأطراف التي تفرقها الخلافات داخل قوى التغيير تتوحد حول رفض التطبيع، حيث أعلن المتحدث السابق لتجمع المهنيين محمد ناجي الأصم، رفضه التطبيع ووضعه مقابلًا لإزالة السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب.

كما يناهض حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي عملية التطبيع، ودعا في مؤتمر الأسبوع الماضي، إلى مواجهة التعنت الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، بدا موقف الحزب الشيوعي واضحًا إزاء التطبيع بالرفض القاطع، وانحيازه لحركات التحرر الوطني الفلسطينية، ما يعني أن الأطراف الرئيسية في قوى التغيير أخذت على عاتقها معارضة التوجه الذي فرضته السلطة الانتقالية منذ مطلع العام الماضي، وهو ما يعتبره القيادي في قوى التغيير محمد فاروق لقاءً رسميا بين أعلى هيأتين حكوميتين بالتالي أصبحت المسألة رسمية عقب لقاء عنتيبي بين البرهان ونتنياهو.

ويقول فاروق لـ"الترا سودان" لماذا تُقيم دول مثل تركيا علاقات مع اسرائيل وتحرم ذلك على السودان ويجب أن لا ننظر للتطبيع من منظور القضية الفلسطينية بل من خلال المصالح العليا للسودان".

اقرأ/ي أيضًا

أزمة حادة في الخبز.. واجتماع رسمي يخفض حصص الدقيق إلى (35)%

هيئة الجمارك تروي تفاصيل استشهاد منسوبيها أثناء مطاردة المهربين