27-سبتمبر-2020

زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار الصادق المهدي (مونتي كارلو)

قال زعيم حزب الأمة القومي وإمام الأنصار، الصادق المهدي، إن إسرائيل ليست دولة طبيعية بل "دولة شاذة"، ووصف التطبيع بأنه "اسم الدلع للاستسلام"، وشدد على أنه لا صلة له بالسلام، وأكد أن الموقف من القضية الفلسطينية تحدده عوامل التضامن العربي والتضامن الإسلامي، ومبادئ العدالة التي تمنع قيام دولة عنصرية، مستدلًا بموقف السودان من جنوب أفريقيا قبل التحرير، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم ضم الأرض المحتلة بالقوة.

أتى حديث الإمام ضمن ندوة "مركز الرضا للتطوير المعرفي" المعنونة بـ"مخاطر التطبيع"

أتى حديث الإمام ضمن ندوة "مركز الرضا للتطوير المعرفي" المعنونة بـ"مخاطر التطبيع"، حيث قدم زعيم حزب الأمة القومي وآخر رئيس وزراء منتخب في السودان، خطابه على ثلاثة أقسام، حيث بين في القسم الأول أن إسرائيل ليست دولة طبيعية بل دولة شاذة، حسب تعبيره، وأرجع ذلك إلى أنها الدولة الوحيدة التي تقوم على اتحاد الملة والإثنية والكيان السياسي، موضحًا أن هذا يناقض النظام العالمي المعاصر. وأشار الإمام في حديثه إلى أنها دولة مؤسسة على غزو أراضي شعب آخر، وأوضح أنها تمثل طليعة للإمبريالية، وقال إسرائيل "لا تعترف بحدود جغرافية، ما يجعلها تتطلع للتوسع المستمر على أساس أراضٍ توراتية من النيل للفرات". وعرج المهدي إلى التناقضات داخل إسرائيل بين الأصوليين الذين يعتقدون أن قيامها الآن خطأ وينتظرون المسيح، والصهيونيين الذين يرون غير ذلك. كما أشار إلى التناقض بين الإسرائيليين من دول أوروبية والإسرائيليين من دول شرقية.

اقرأ/ي أيضًا: السودان والتطبيع.. حاضنة سياسية منقسمة وأزمة اقتصادية خانقة

وتحدث الإمام في القسم الثاني من حديثه عن دوافع التطبيع الحالي، وبدأ بتقديم فذلكة تاريخية للتطبيع العربي الإسرائيلي، حيث قال إن اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة تحولتا لسلام بارد، حيث لم يسمح الشعبان المصري والأردني بأي تطبيع حقيقي كما ظهر في الإعلام في البلدين، وأضاف: "مصر والأردن كانتا في حالة حرب ضد إسرائيل، ولكن هذا لا ينطبق على الإمارات والبحرين". ثم أوضح المهدي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرص على تبني التطبيع الحالي لكي يكسب أصوات اليهود في أمريكا، وقال إن كثيرًا من الأمريكان اليهود لا يؤيدون التطبيع لأنهم يعتقدون أن هذا الموقف مضر بمستقبل إسرائيل، لأنه سيؤدي إلى قيام دولة واحدة تعتمد الفصل العنصري. وتحدث عن تصريح معهد السلام الأمريكي "United States Institute for Peace" بأنه "ينبغي عدم الضغط على السودان للتطبيع مع إسرائيل، لأن النظام القائم حاليًا في السودان الآن فيه هشاشة، وإذا اتخذ هذا الموقف الآن سوف يفجر الفترة الانتقالية، وسوف يعطي المتطرفين الإسلامويين قضية دعم أساسية وفكرية" وأردف الإمام: "لذلك قال هؤلاء العقلاء أنه ينبغي تجنب الضغط على السودان لكي يطبع، لأن هذا سيؤدي لنتيجتين ضارتين: تفجير الفترة الانتقالية، ودعم التيارات الإسلاموية التي سوف تستغلها".

 واتهم المهدي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بأنه يتبنى شعارات "الإسلاموفوبيا"، أي كراهية الإسلام، وإهانة العرق الأسمر بأقبح الأوصاف، وأشار إلى مظاهرات "حياة السود مهمة"، وأكد أن الرئيس الأمريكي يتبنى التطبيع، ليس لأنه يأتي بالسلام، بل بالعكس، فإن استمرار الظلم سوف يؤدي لسيادة الحركات المغالية والمتطرفة، ولكنه يسعى لدعم موقفه الانتخابي عبر التطبيع، وزاد بالقول: "إن هذا الحرص الانتخابي جعل الدبلوماسية الأمريكية تفقد توازنها، لأن العرف المتبع بين الأمريكان هو ألا تقوم أية جهة مسؤولة بربط الدبلوماسية الأمريكية بالسياسة الداخلية لأي حزب من الأحزاب". وأوضح أن السودان يواجه في هذا الموقف بصفقة ابتزازية: التطبيع مقابل رفع اسم البلاد من رعاية الإرهاب، وقال إن السودان بموجب ثورته المجيدة يستحق تلقائيًا رفع اسمه من قائمة رعاية الإرهاب، بل ويستحق عبر برنامج الدول الفقيرة عالية المديونية "HIPC" أن تعفى ديونه. ووصف ربط هذه الاستحقاقات بالتطبيع بأنه "ابتزاز مهين لكرامة السودان وأهله".

اقرأ/ي أيضًا: حادثة تعذيب وقتل "فيصل".. القصة الكاملة

وأشار زعيم الأنصار، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مثل حليفه ترمب؛ هو الآخر أيضًا يسعى لانتصارات مزعومة، لأنه مستهدف بالقانون في بلاده بسبب ارتكابه لأربعة جرائم موثقة سوف تقوده للسجن، وقال إن الأنشطة التي أدت وتؤدي إلى محاولة جر السودان وغيره إلى هذا التطبيع هي لمصلحة حزبية أمريكية وإسرائيلية، ولا دخل للسودان بها بالمرة.

المهدي: هذه الصفقة معناها تصفية القضية الفلسطينية وضم إسرائيل للأراضي العربية المحتلة

وشدد الإمام في حديثه، على أن اسم "صفقة القرن" اسم على غير مسمى، وقال إن الصفقة تبادل بين طرفين، ولكن هذه الصفقة معناها "تصفية القضية الفلسطينية"، و"ضم إسرائيل للأراضي العربية المحتلة". كما أنها -أي صفقة القرن- تعني موقفًا أساسيًا ضد القرارات الدولية المعلومة.

وأشار زعيم حزب الأمة، إلى أن المنطقة العربية الآن فيها حروب هي أولى بتحقيق السلام فيها، في اليمن وليبيا، كما أنه لا يوجد بين أية دولة عربية وبين إسرائيل حرب، وإنما أعمال تقوم بها حركات مقاومة غير رسمية.

وعدد زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار في القسم الثالث من حديثه، محددات موقف حزبه من مسألة التطبيع، قائلًا إن حزب الأمة أيد "قانون مقاطعة إسرائيل" للعام 1958، وقال إن الحزب عندما كان في السلطة كان موقفه من قضايا التحرر الإفريقي والعربي وغيرها طليعيًا، وقاد رئيس الوزراء منه، السيد عبدالله خليل، ووزير الخارجية منه، محمد أحمد محجوب، حملة تأييد مصر أثناء العدوان الثلاثي في 1956، كما قاد المحجوب كرئيس وزراء عن حزب الأمة، "مؤتمر اللاءات" الشهير بالخرطوم لدى عدوان 1967. ووصف الموقف الداعم للقضية الفسطينية بأنه بالإضافة لأنه موقف عربي وإسلامي، فإنه أيضًا موقف "حقاني" دولي بموجب قرارات دولية. وقال نحن "في الماضي كسودانيين نبذنا جنوب أفريقيا عندما كانت حكومتها قائمة على الفصل العنصري قبل التحرير، فهذا موقف مماثل، ولا يقف عند حد الانتماء العربي والإسلامي بل يشمل الالتزام بالشرعية الدولية والرفض لأية دولة مؤسسة على نظام الفصل العنصري". حيث وصف الإمام إسرائيل بأنها دولة عنصرية وتحتل أراضي الغير وترفض تنفيذ القرارات الدولية. وأن التعامل معها مرفوض بحكم عنصريتها.

وكشف الإمام عن تكوينهم في حزب الأمة القومي للجنة قدمت اقتراحًا بمراجعة القانون الجنائي، وأوضح أنها سوف تخاطب نقابة المحامين لتبني نص يضاف للقانون الجنائي مفاده: من يقوم دون إذن أو قرار صادر من أجهزة الدولة بأي أسلوب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باتخاذ أية قرارات أو إجراءات أو خطوات بغرض التطبيع مع دولة عنصرية معادية صدر قرار بمقاطعتها من الأجهزة المختصة في الدولة؛ يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا.

وكشف الإمام عن اتجاههم لابتدار حملة واسعة لبيان الحقائق للمواطنين حتى لا يخدعوا بعبارة السلام ولنبذ الشعار التهريجي: السلام مقابل السلام، حسب تعبيره. وقال "وضعنا أساسًا واضحًا للموقف من الاستسلام، وسوف ندعو القوى السياسية والمدنية واللجان الثورية والتكوينات التقليدية القبلية والصوفية وسائر المنظمات الإسلامية غير التي تطالها جريمة الانقلاب وقانون العدالة الانتقالية وقانون "من أين لك هذا؟"، ندعوهم جميعًا لتكوين موقف شعبي موحد. وسوف أعمل، ولدى أربع طواقي إقليمية ودولية، لأفعِّلها جميعًا ضد هذا التطبيع الذي يحاول بعض الناس تسويقه، لأنه غير عادل".

اقرأ/ي أيضًا: مشهود لهم بالنزاهة ولا ينتمون للنظام البائد.. ضحايا في قوائم لجنة التفكيك

وشدد المهدي، على أنه ليس من حق مؤسسات الحكم الانتقالي الخوض في أية مبادرات تدفع البلاد إلى مواقف خلافية، وطالب المسؤولين في الأجهزة الرسمية التزامهم بعدم القيام بأية مبادرات فردية تفتح أبوابًا واسعة للفتنة وتستغلها حركات الردة". كما ناشد السودانيين المستحقين للتصويت في الولايات المتحدة، بأن يهتموا بالانتخابات القادمة، وأن يصوتوا لأولئك المرشحين الذين لا تتسم مواقفهم بالتمييز العنصري ضد البشرة السمراء ولا "بالإسلاموفوبيا"، وأن يصوتوا للمرشحين الذين لا يتهمون بالإسلاموفوبيا، أو بالعنصرية، وقال "ندعوا للتعايش السلمي بين الأديان، وهذا الموقف ليس ضد اليهود، بل إننا لتحقيق التعايش بين الأديان أصدرنا "نداء الإيمانيين"، فاليهود والمسيحيون أخوة لنا، أما الصهيونية فهي مشروع سياسي عدواني".

يأتي حديث الإمام الصادق المهدي، في ظل استقطاب حاد داخل الحاضنة السياسية والحكومة الانتقالية بخصوص قضية التطبيع

يأتي حديث الإمام الصادق المهدي، في ظل استقطاب حاد داخل الحاضنة السياسية والحكومة الانتقالية بخصوص قضية التطبيع، حيث يرفض حزبي الأمة والحزب الشيوعي التطبيع جملةً وتفصيلًا، بينما يميل المكون العسكري والمؤتمر السوداني للتطبيع مع الكيان الصهيوني، في ظل موقف ثابت من الشق المدني في الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والذي صرح بأن الحكومة الانتقالية لا تملك التخويل اللازم للبت في قضية من هذا العيار. خصوصًا في ظل رفض قطاعات واسعة من الشعب السوداني للتطبيع مع دولة الاحتلال، واستمرار غليان الشارع السوداني بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة، الأمر الذي قد يؤدي لانفجار الأوضاع في الدولة السودانية التي تعاني من هشاشة شديدة منذ سقوط نظام الإنقاذ.

اقرأ/ي أيضًا

في ذكرى 11 سبتمبر 2001.. كيف غير الحدث وجه العالم؟

حوار| قضايا السلام والانتقال الديمقراطي مع رئيس الجبهة الثورية