26-فبراير-2024
سفرة رمضان السودانية تحوي بجانب الأكلات الحديثة أكلات شعبية سودانية رمضانية

ما تزال الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية تتربع على عرش الأكلات في سفرة رمضان السودانية (Getty)

تعددت المأكولات في سفرة رمضان السودانية في السنوات الأخيرة، وذلك لدخول أكلات من ثقافات أخرى لتتربع على "صينية" الإفطار والسحور في السودان، جنبًا إلى جنب مع الأكلات السودانية الرمضانية، فصارت "السمبوكسة" أو "السمبوسة" -كيفما تحب أن تنطقها- أساسية في موائد العديد من الأسر السودانية، وكذلك الدجاج المحمر بوصفاته المتنوعة من حول العالم، بجانب التحليات العربية التي لا يعلى عليها.

على الرغم من الأصناف الكثيرة الوافدة في السنوات الأخيرة تظل الأكلات الشعبية السودانية للإفطار والسحور مسيطرة على سفرة رمضان السودانية داخل وخارج البلاد

وعلى الرغم من الأصناف الكثيرة الوافدة في السنوات الأخيرة نتيجة للهجرة والاتصال الفائق ومواقع التواصل التي رفدت المطبخ السوداني بما لذ وطاب من حول العالم؛ تظل الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية مسيطرة على سفرة رمضان السودانية داخل وخارج البلاد، فلا يمكن أن تخلو سفرة المنزل السوداني أينما كان، من الأكلات الشعبية التي يفضلها السودانيون حتى ولو عاشوا حياتهم كلها بالخارج، وأجزم ستجد في معظم عواصم العالم ومدنها الكبيرة محلًا لبيع المنتجات السودانية لإعداد هذه الأكلات الشعبية. وأهم الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية هي العصيدة بملاح التقلية، والعصيدة بملاح الروب، والقراصة بالدمعة، والبليلة العدسية، بالإضافة للرقاق والرز باللبن.

  1. العصيدة السودانية في رمضان

لا يمكن الحديث عن أكلات سودانية رمضانية دون الحديث عن العصيدة السودانية. ولا يمكن أن تخلو سفرة رمضان السودانية من طبق العصيدة بأحد "الملحات"، وأشهر هذه الملحات هما ملاح التقلية وملاح الروب. تصنع "عصيدة رمضان" السودانية في الغالب من عجين الذرة المخمر تخميرًا خفيفًا ودقيق القمح، ويحرك هذا الخليط على نار هادئة حتى يصل لدرجة من التماسك، ثم يصب في قوالب حتى تبرد درجة حرارته ويأخذ شكل القالب، ومن ثم تقدم العصيدة الرمضانية مع الملاح.

صائمون في انتظار أذان المغرب وهم جالسون حول سفرة رمضان في السودان
تتربع العصيدة على عرش الأكلات السودانية للفطور في رمضان (Getty)
  1. ملاح التقلية

ملاح التقلية هو أشهر ملحات العصيدة السودانية، وهذا الملاح يعد من أهم الأكلات السودانية للفطور. تتمثل خطوات طبيخ التقلية في خطوات طبيخ الأكلات السودانية المعتادة، حيث يطبخ ملاح التقلية عبر إضافة اللحمة المجففة أو اللحمة المفرومة إلى قدر من البصل المحمر في الزيت والمقطع لمكعبات صغيرة، ومن ثم إضافة بعض الماء إلى جانب معجون الطماطم أو الطماطم المقطعة لقطع صغيرة، وبعدها إضافة مسحوق البامية المجففة أو ما يعرف محليًا باسم "الويكة"، ووتترك هذه المكونات تغلي في النار حتى تصل لدرجة من التماسك. التقلية تقدم ساخنة حول عصيدة رمضان السودانية بشكل أساسي في وجبة الإفطار وقد يتناولها البعض في العشاء أو حتى السحور. جدير بالذكر أن ملاح التقلية يؤكل أيضًا بالقراصة أو الكسرة.

  1. ملاح الروب

ملاح الروب نوعان: الروب الأحمر وهو الأكثر انتشارًا في الأسواق، وملاح الروب الأبيض المتميز بحموضته اللاذعة. ويعد ملاح الروب الأحمر المنافس الأبرز للتقلية في سفرة رمضان السودانية، وتتمثل خطوات طبيخ هذا الملاح في إضافة معجون الفول السوداني "الدكوة" إلى قدر به بصل محمر وقطع طماطم. كما تضاف كمية من الزبادي "الروب" ودقيق القمح. يقدم ملاح الروب أيضًا ساخنًا مع العصيدة، مثله في ذلك مثل ملاح التقلية في سفرة رمضان السودانية. ملاح الروب أيضًا يؤكل أحيانًا بالكسرة.

  1. القراصة بالدمعة

تنافس القراصة بالدمعة العصيدة في التربع على عرش سفرة رمضان السودانية، وصعدت القراصة بالدمعة لسهولة تحضيرها ولذة طعمها بجانب مفارقتها لعصائد رمضان التي قد تصيب الصائم بالملل من صنف واحد يتم تكراره في كل إفطار، فلجأت الأسر للقراصة بالدمعة لتصبح واحدة من أهم أكلات رمضان الشعبية في السودان.

والقراصة بالدمعة أو "قراصة الدمعة" عمومًا، هي عبارة عن قطع القراصة التي يتم رشها بملاح الدمعة. وتعد القراصة عبر فرد عجين مملح على صاج ساخن. البعض يفضل قراصة العجين المخمر والمستعجلون يفضلونها دون تخمير لتكون قطع سميكة من القراصة الشهية التي تشبه رغيف الخبز.

القراصة السودانية بدمعة الفراخ
تنافس القراصة بالدمعة طبق العصيدة بالتقلية وملاح الروب في التربع على عرش الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية (Getty)

ويمكن إعداد دمعة القراصة من جميع أنواع اللحوم والفراخ. وتطبخ دمعة القراصة مثلها مثل معظم الملحات السودانية، وذلك عبر إضافة اللحم أو قطع الفراخ إلى قطع البصل المغلية في الزيت الحار، ومن ثم إضافة عصير الطماطم للحم والبصل المغلي الذي أخذ بعض الوقت في النار. يضاف إلى المزيج الذي وصل إلى مرحلة الغليان القليل من معجون الطماطم والثوم والبهارات.

تقدم القراصة مع الدمعة المرشوشة تكللها قطع اللحم أو الفراخ، بجانبها صحن الشطة الحارة بالبصل، ويا حبذا لو أضيفت الدكوة السودانية للشطة الحمراء بالليمون، فتكون الوجبة المثالية بعد يوم طويل من الصيام في أجواء السودان الملتهبة.

  1. البليلة العدسية

البليلة العدسية ليست وجبة بالمعنى الممتلئ للكلمة، فهي أقرب للمقبلات في سفرة رمضان السودانية. وتحضر البليلة عبر سلق كمية من بقوليات اللوبيا العدسية في المياه المملحة لبعض الوقت حتى تلين، ومن ثم تقدم في الإفطار مزينة بقطع البلح لتكون ضمن أول ما يأكله الصائم السوداني في رمضان.

  1. الرقاق

الأكلات السابقة يمكن أن نطلق عليها اسم أكلات سودانية للفطور، وتقدم حتى في العشاء الرمضاني السوداني، وأحيانًا نادرة في السحور. لكن هناك شبه إجماع بين السودانيين على أن الرقاق يقدم حصرًا في أوقات السحور، فهو عادة سودانية رمضانية مختصة بوقت السحور، مثله في ذلك مثل المسحراتية.

مسحراتية في السودان
يتناول السودانيون الرقاق في رمضان على أصوات طبول المسحراتية (Getty)

والرقاق هو "رقائق حلوة من القمح" تصنع خصيصًا لشهر رمضان في السودان. ويقدم الرقاق السوداني مع الحليب البارد فيما يشبه أكلة رقائق الذرة "Corn Flakes". ويصنع الرقاق عن طريق خلط اللبن بالدقيق والسكر والكاسترد والنشا، ومن ثم فرد الخليط الناتج على صاج ساخن، فيما يشبه طريقة عواسة الآبري الذي يصنع منه مشروب الحلو مر الرمضاني في السودان. وعادة ما يصنع الرقاق السوداني مع آبري الحلو مر في نفس الوقت، ويخزن حتى حلول الشهر الكريم للتقديم كوجبة رئيسية في السحور.

  1. الرز باللبن

من الوهلة الأولى قد تبدو لك أكلة الرز باللبن أكلة بسيطة وسهلة، وهي كذلك بالفعل، وكل ما يتعلق بها موجود في الاسم فعلًا. الأرز بالحليب، أو ما يسمى في العامية السودانية "الرز باللبن"، هي أكلة رمضانية بامتياز في السودان، فسهولة تحضيرها وقلة مكوناتها تجعلها حلًا سهلًا لكل من يبحث عن عشاء رمضاني شهي أو سحور مشبع سريع التحضير بمكونات بسيطة ومتوفرة. إن كل المطلوب لتحضير أكلة الأرز باللبن هو بعض الحليب وبعض الأرز من نوع "الأرز الأبيض"، وهو الأرز الذي إزيلت قشرته وغشاء العليقة والنواة منه، حيث يؤثر هذا التغيير على نكهة وقوام ومظهر الأرز، ويساعد في منع تلفه وتمديد فترة تخزينه، ويجعله أسهل هضمًا. بعد عملية الطحن (التقشير)، يتم تلميع الأرز، مما ينتج عنه بذرة تظهر بمظهر أبيض لامع وبراق.

هذه الوجبة في أبسط وصفاتها تكون عبر إضافة الحليب للأرز الأبيض الذي تم طهوه بالماء فقط، ومن ثم وضع الخليط المُسَكّر في الثلاجة لتبريده حتى وقت السحور أو وقت العشاء المتأخر دائمًا في رمضان السودان. ولكن بطبيعة الحال الناس لن يتركوا هذه الوجبة على بساطتها الفطرية هذه، فيضيف البعض بهارات الحبهان والقرنفل للأرز، وكذلك الزبيب الذي ينتفخ عند سلقه فيرجع إليه بعض من رونق العنب. ويتفنن الناس في أنواع الحليب حسب تفضيلاتهم، وآخرون يضيفون بدعة جوز الهند المبشور للخليط، ويبالغ الراغبون في صدمة سكر مصغرة بإضافة البسبوسة والكيك والبسكويت لمنقوع الأرز في اللبن. تقدم هذه الوجبة باردة في ليالي رمضان، ويحبها الأطفال والفقراء لأن الخيرين في السودان يفضلون توزيع هذه الوجبة لاعتبارات كثيرة، منها ما هو تغذوي لما فيها من فوائد، ومنها ما هو مادي لأن القليل من حبوب الأرز والحليب تسد مسغبة محتاج في شهر الخير والبركات.

خاتمة

الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية المذكورة هنا لا تعبر بطبيعة الحال عن التنوع الكبير في المطبخ السوداني، وهو تنوع يلازم التنوع الثقافي في هذا البلد الشاسع مترامي الأطراف

الأكلات الشعبية السودانية الرمضانية المذكورة هنا لا تعبر بطبيعة الحال عن التنوع الكبير في المطبخ السوداني، وهو تنوع يلازم التنوع الثقافي في هذا البلد الشاسع مترامي الأطراف، ولكن المذكور من أكلات هي نماذج للأكلات السودانية الرمضانية التي وجدت شيوعًا في شتى أنحاء البلاد. في السودان اختلفت سفرات رمضان جراء اختلاف الثقافات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، إلا أن ما يوحد السودانيين بالفعل في رمضان هي روح هذا الشهر الكريم التي تدفع الناس للصراع على إكرام الضيف وعابر السبيل من الصائمين.