إفطارات الشوارع في السودان.. ومن الكرم ما قتل!
21 مايو 2019
تاريخ آخر تحديث 2-مارس-2024
رمضان في السودان ليس شهرًا مقصورًا على العبادات فقط، وإنما مناسبة خاصة لتفعيل قيم وعادات مجتمعية، مثل "احتلال الشوارع" والإغداق على المارة بالأطعمة الشعبية الرمضانية من القراصة والعصيدة، والمشروبات السودانية الشعبية في رمضان مثل الحلو مر والقنقليز والعرديب. وتصل المبالغة في الكرم السوداني في رمضان، إلى درجة التطرف أحيانًا!
تحولت إفطارات الشوارع في السودان إلى برنامج دائم في رمضان لا تكاد مدينة أو قرية تخلو منه باعتباره عادة متوارثة
تحولت عادة إفطارات الشوارع في السودان إلى برنامج دائم في رمضان، لا تكاد مدينة أو قرية تخلو منه، باعتباره عادة شعبية متوارثة، إذ يحرص الرجال على حمل الصواني إلى الخارج، وهجر المنازل، عدا النساء، في وقت الإفطار.
وكلما ابتعدنا عن العاصمة الخرطوم، بدا احتلال الشوارع والطرق الرئيسية أكثر أصالة، تحديدًا شارع الخرطوم مدني، الذي يربط العاصمة بولاية الجزيرة وسط السودان. يصطف فيه الصائمون بالمئات على المفارش، ساعة قبل موعد الإفطار، إلى حين صلاة التراويح، في المناطق الفقيرة والميسورة على حد سواء.
توقيف السيارات.. ولو بالقوة!
اشتهر مواطنو ولاية الجزيرة تحديدًا بإغلاق الطرق بالأجساد البشرية، وإجبار السيارات على التوقف، بل تحطيم زجاج السيارة أو تعطيلها في حالة عدم انصياع المارة إلى توجيهاتهم! وهي المهمة التي يجد فيها بشرى الخير نفسه بشدة، فمنذ صغره كان والده في قرية المسيد (50 كيلومترًا جنوب الخرطوم) يحثه على حمل أواني الطعام والشراب، ووضع المتاريس على الأسفلت حتى لا تتمكن السيارات من العبور في ساعة الإفطار، ويفوتهم نيل البركات وأجر الصائم.
يقول بشرى الخير لـ"الترا صوت"، إن هذه العادة "تميزهم عن غيرهم ولن يفرطوا فيها أبدًا"، مشيرًا إلى أنها عادة متوارثة، يحثهم عليها الكبار، من باب "المرابطة على فعل الخير"، رغم مخاطر حوادث الطريق التي قد يتعرضون لها، ويعرضون السيارات لها. يقول: "إنها عادة تعبر عن الكرم السوداني الأصيل".
ذكريات الحلو مُر
روى الأديب السوداني الطيب صالح، بعض ما احتفظت به ذاكرته، فيما يعد توثيقًا لإفطارات الشوارع في رمضان قديمًا، والتي يبدو أنها لم تتغير كثيرًا. وقال صالح في مقال له تداوله السودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي: "أذكر بوضوح رمضانات صمتها عند أهلي في صباي الباكر. كنا قبيلة أفرادها كلهم أحياء، دورنا تقوم على هيئة مربع، وفي الوسط باحة واسعة فيها رقعة رملية، كنا نجتمع للإفطار في تلك الرقعة".
وأضاف: "أذكر جيدًا طعم التمر الرطب، وهو أول ما نفطر به، حين يوافق رمضان موسم طلوع الرطب، وكانت لنا نخلات نميزها ونعتني بها. لها ثمر شديد الحلاوة، تخرجه باكرًا".
ورسم صورة لمذاق الماء الذي يصفى ويبرد في "الأزيار" خاصة ماء القرب، الذي يخالطه شيء من طعم الجلد المدبوغ، ومشروب الآبري الأبيض، وهو يصنع من خبز يكون رقيقًا جدًا، أرق من الورق، تضاف إليه توابل، وينقع في الماء ويحلى بالسكر.
كما ذكر مشروب "الحلو مر"، وهو يصنع عبر نقع الآبري الأحمر المصنوع من عجين مخلوط بتوابل خاصة، حين ينقع في الماء ويكون ذو لون أحمر داكن الحمرة. وهذان الشرابان، كما يقول الطيب صالح "لا يوجدان إلا في السـودان، وهما مرتبطان برمضان، ولهما رائحة عبقة فواحة"، على حد وصفه.
أصناف مائدة رمضان
ورغم أن رمضان هذا العام شهد أزمات معيشية وغلاء فاحش في السلع الضرورية، إلا أن إفطارات الشوارع لم تختف بالمرة، وانتشرت بالمقابل منظمات تقوم بتوزيع وجبات مجانية تحت الجسور ونقاط العبور.

وتضم المائدة السودانية في رمضان أطباق شهية، مثل عصيدة الدخن والقراصة التي تصنع من القمح، والبليلة، وبعضها حصرًا على السودان مثل التي ذكرها الطيب صالح، كمشروب الحلو مر ومشروب الآبري الأبيض.
الكرم القاتل
ظاهرة إجبار المارة على التوقف وتناول الإفطار في شوارع الخرطوم وغيرها من الولايات، تكون في بعض الأحيان مزعجة، تحديدًا للذين لديهم ارتباطات بدعوات خاصة، ويطاردون الوقت للوصول إلى وجهاتهم، وهو ما يعرض من يغلقون لهم الطرق للمخاطر وأحيانًا الموت، بسبب السرعة الزائدة.
بسبب ذلك انتقد البعض هذه الظاهرة، منهم الكاتب الصحفي حسين ملاسي، والذي اعتبر أيضًا أن توزيع الطعام على ركاب السيارات عند الإشارات وتقاطعات الطرق، دعم يذهب لمن لا يستحقه.
وأبدى ملاسي استغرابه من خفوت الضوء عن المنظمات والأفراد الذين اعتادوا على تقديم وجبات الإفطار لسائقي السيارات، وقت الإفطار هذا العام. وقال ملاسي لـ"الترا صوت"، إن "بعضهم يقوم بقطع الطريق القومي مُرغمًا العابرين بسياراتهم على الوقوف لتناول الإفطار، وبعضهم بدلًا من توجيه الإفطارات إلى مستحقيها فإنهم يوزعونها على سائقي السيارات الذين لم يدركوا الإفطار في موعده حيث يتوجهون".
ظاهرة إجبار المارة على التوقف وتناول الإفطار، تكون مزعجة في بعض الأحيان، بل أحيانًا تشكل خطرًا لدرجة الموت!
وأضاف ملاسي: "لكن هذا العام، توجهت جميع جهود تلك المنظمات، لا لتوفير وجبات الإفطار لعابري الطريق بسياراتهم داخل الخرطوم، وإنما إلى توفيرها للمعتصمين السياسيين في محيط القيادة العامة"، مشددًا على أنه "سيظل التحدي المتمثل في توجيه الإفطارات إلى محتاجيها الحقيقيين، هو التحدي الحقيقي الذي سيواجه تلك المنظمات في السنوات القادمة".
الكلمات المفتاحية

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم
مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.

في قرى الجزيرة.. الحرمان من الكهرباء يعيد الناس إلى عصر الراديو
في قرية صغيرة غرب ولاية الجزيرة، استعادها الجيش في كانون الثاني/يناير 2025، يحمل أحدهم جهاز راديو قديم، يضخ الحياة فيه من بين المُهملات القابعة في قبو المنزل

السعودية… تمديد تأشيرة زيارات السودانيين بالمملكة
مع اقتراب موسم الحج أجرت وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية تحديثات على أوضاع الوافدين بشأن المخالفات القانونية. والثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2025 حددت السلطات عقوبة تصل إلى السجن ستة أشهر والغرامة 50 ألف ريال لكل شخص استقدم وافدًا انتهت صلاحية تأشيرته ولم يوفق أوضاعه القانونية.

عامان من القتال: المجازر الكبرى والصغرى في حرب السودان
مع اختتام العام الثاني للحرب في السودان، ودخول العام الثالث، شهدت مناطق واسعة من ولاية شمال دارفور مجازر عنيفة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي تسعى لفرض سيطرتها على الإقليم المنكوب بالحروب والمجاعات، في ظل فساد الساسة والقادة.

بعد عامين من الحرب... إلى أين يتجه المشهد العسكري في السودان؟
تدخل حرب السودان عامها الثالث، وسط توقعات باشتداد وتيرة العمليات العسكرية في غرب البلاد وجنوبها، مع انخفاضها في الوسط، مما يؤكد استمرارها، لا سيما في ظل عدم وجود حل سلمي يلوح في الأفق لإيقاف القتال الذي خلف آلاف القتلى وشرد ملايين النازحين واللاجئين.

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة
على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم
مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.