28-فبراير-2022

المواصلات في السودان

"الحافلة" هي ليست عبارة عن وسيلة للمُواصلات فقط، لكنها مكان يجتمع فيه الناس كافّة، باختلاف أعمارهم وسحناتهم ومستوياتهم الفكريّة، إلا أنّهم عندما يَستقلون "الحافلة"، تبدو هُمُومهم كأنّها واحدة، يتجادلون في الأمور التي تجمعهم بعيدًا عن زحمة الحياة التي أَخذت وبدّلت كثيرين منهم.

عندما ينظر سائق المركبة من مرآته نحو الرُكاب تختلط عليه الملامح، جميعهم متشابهون، برغم اختلاف أحوالهم

 رغم ذلك فإنّهم وجدوا مِسَاحة يستطيعون من خلالها أن يبوحوا بما في دواخلهم من أفراحٍ وأحزانٍ، وتُفتح أبواب من الحكايا وسيل من القصص المأساوية والطريفة والمدهشة والغريبة، وينظر كلٌ منهم للقصص من زاويته والتّطوُّرات التي طرأت على أشياء مشابهة مرّت به، بينما يلجأ بعضهم إلى الصمت خاصة أولئك الجالسون بمحاذاة النوافذ، الهاربون بأبصارهم بعيدًا عن كل هذا الضجيج فلا طاقة لهم لمزيد من الهم والمواساة.

 عندما ينظر سائق المركبة من مرآته نحو الرُكاب تختلط عليه الملامح، جميعهم متشابهون، برغم اختلاف أحوالهم إلا أن تأثير درجات الحرارة العالية ولهيب الشمس الحارقة، بادٍ على وجوه الجميع.

المقعد الأول 

استأذنت الـ(كمساري) أن لا يكترث للمقعد الذي بجانبها وكأنها قد حجزته لراكبٍ قادم، كما طلبت منه أن يتوقف في المحطة القادمة لأن صديقتها طال وقوفها في المحطة بسبب زحمة المواصلات، توقفت الحافلة في المحطة وركبت وهي تبتسم ثم جلست وقالت: أخيرًا وجدت حافلة.

كانتا في الربيع الثاني من العمر، بدأت صديقتها الحديث عن (توباك) ثم استرسلت الأخرى قائلة: موضوع توباك شبيه بموضوع عاصم عمر، هذا استهداف واضح لأولاد الهامش وأهاليهم المساكين، لو كان ينتمي لقبيلة معروفة، لتجمعت الإدارات الأهلية كلها وذهبت للبرهان وأخرجته من السجن، وما كان ليتعرض للتعذيب والاتهام، كلنا أهل توباك وقبيلته

ردّت الأخرى: سبقتني بهذا الكلام، يجب ألّا نسكت على حق المظلومين.

المقعد الثاني 

سيدة أربعينية ترتدي عباءة غامقٌ لونها، تمسك بيدها مسبحة وتهمهم ونظرها إلى الباب، يوحي المنظر وكأن محطة مغادرتها قريبة، لحظتها بدأ الفتى المساعد في الحافلة، والمعروف محليًا باسم الكمساري، بجمع أجرة الراكب، دفع أحد الركاب ثمن التذكرة (150) جنيهًا، فصاح فيه الكمساري أن الزيادات الأخيرة التي طالت أسعار المحروقات أدت إلى تغيير تعرفة الراكب إلى (250) جنيهًا، فردت عليه المرأة الأربعينية بأن الزيادات التي يتحدث عنها ليست بتلك المبالغة ولكن غياب الجهات الرقابية -برأيها-  أدى إلى المزيد من ارتفاع الأسعار في كل السلع والخدمات، وأخذت تدعو على الحكومة وقادتها وهي "تُحسبن" و"تُحوقل"، ثم عادت لمسبحتها تهمهم وتستغفر.

المقعد الثالث

شاب ثلاثيني وسيم الملامح، يرتدي ساعة ذكية مُلفتة، من تلك التي تشاهد فيها المتصل قبل النظر إلى الهاتف، رن هاتفه، رد قائلًا: إن شاء الله خير، وبعدها بدأت ملامح وجهه تتغير وهو يردد نعم نعم، بعدها انتفض وقال: دقيقة لا يمكن أن أرتبط بواحدة لا تحترم الخصوصية علاقتي بها مكشوفة في الأسافير، كل شيء في حياتنا أون لاين، الكل يعرف مواعيد خروجنا والأماكن التي نذهب لها والوجبات التي نتناولها، تحدثت معها أكثر من مرة بأنه من المفروض أن نعطي علاقتنا المزيد من الخصوصية، كيف أطمئن على أسرار بيتي مستقبلًا معها؟

للمزيد من المواضيع المشابهة: مسؤول بـ"أصحاب العمل": انهيار قطاع المواصلات يضاعف معاناة المواطنين

شركة المواصلات العامة: قرار إيقاف الوقود يهدد بخروج الباصات عن الخدمة

المقعد الرابع 

رجل سبعيني وصديقه يجلسان يتنقلان بين المواضيع، حتى استقرا عندما توقفت العربة في إحدى التروس، التي وضعتها لجان مقاومة حيّ أركويت عند شارع المطار بالقرب من السوق المحلي بالخرطوم، فقال أحدهم أن هؤلاء الثوار صنعوا ما لم نفكر به نحن كأجيال سابقة لهم عاصرنا ثورة أكتوبر، رد الآخر قائلًا هناك دعوة إلى موكب "كلنا معاكم" فأجابه:  سنذهب ليتأكد العسكر أن هؤلاء أبناؤنا ونحن ندعمهم ونقف بجانبهم في ثورتهم.

اقرأ/ي أيضًا

استقرار سعر الدولار وتراجع قيمة متوسط دخل الفرد

مقتل مواطن في حادث نهب مسلح بشرق دارفور