18-أبريل-2024
قصف الطيران الحربي في ولاية الجزيرة

تتوالى الأنباء عن عمليات الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة في ولاية الجزيرة، حيث يحاول الجيش استرداد الولاية الأهم في وسط البلاد بعد العاصمة الخرطوم، من قبضة قوات الدعم السريع التي توغلت في كانون الأول/ديسمبر 2023، في مدن وقرى ولاية الجزيرة التي تحتضن أهم المشاريع الزراعية في السودان.

وكانت قوة الجيش المرابطة في عاصمة ولاية الجزيرة قد انسحبت من ودمدني بالتزامن مع اجتياح قوات الدعم السريع. وقالت القوات المسلحة في كانون الثاني/يناير الماضي إنها قد فتحت تحقيقًا في الحادثة، ولكنها لم تنشر نتائج التحقيق الذي مرت أكثر من ثلاثة أشهر على إعلانه.

منذ الأيام الأولى لاجتياح الدعم السريع عاصمة الولاية ودمدني ركزت القوات المسلحة على استخدام سلاح الطيران الحربي في ولاية الجزيرة

وتنشر القوات المسلحة عن محاولات للتوغل في ولاية الجزيرة، لا سيما عقب استرداد مباني الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، والذي منح الجيش ومعسكره دفعة معنوية للمزيد من التقدم في محاور وسط البلاد.

العمليات الحربية

لجان مقاومة ود مدني أعلنت أمس عن مقتل اثنين من المدنيين جراء استهداف الطيران الحربي أحياء المزاد والدباغة والقلعة بالبراميل المتفجرة. وقتل القصف محمد فائز المشهور بـ"حمام" وعكرمة عبدالله من شباب مدني.

الحادثة ليست الأولى من نوعها، ومنذ الأيام الأولى لاجتياح الدعم السريع لولاية الجزيرة ركزت القوات المسلحة على استخدام سلاح الطيران الحربي ضد تجمعات منسوبي الدعم السريع في الولاية، ولكن نسبة لانعدام الدقة في إصابة الأهداف عند قصفها بالصواريخ غير الموجهة، بجانب تواجد قوات الدعم السريع وسط المدنيين، عادة ما تسفر هذه الغارات عن مقتل مدنيين أبرياء.

وقالت لجان المقاومة بودمدني في بيان اليوم، إن مواطن الجزيرة عالق بين "مطرقة مليشيا الجنجويد وسندان الجيش". ولفتت إلى أن الطيران الحربي شن في الآونة الأخيرة عددًا من الغارات الجوية المتكررة، مستخدمًا البراميل المتفجرة واسعة النطاق، في مناطق عديدة بولاية الجزيرة، لا سيما عاصمتها مدينة ودمدني، بجانب ودالحداد، فضلًا عن محيط جنوبي مدني، ليخلف عشرات الإصابات والشهداء في صفوف المدنيين، حد قولها.

واتهمت لجان المقاومة الجيش بعدم مراعاة قواعد القصف الجوي، وقالت إن هنالك أخطاء متكررة في إحداثيات تجمعات قوات الدعم السريع.

وبحسب إحصائيات أولية، قتل أكثر من (800) مدني منذ اجتياح الدعم السريع لولاية الجزيرة، وأصيب الآلاف. وتقول التقارير إن قوات الدعم السريع تقوم بهجمات متكررة على القرى والفرقان بغرض النهب والسلب، حيث تستهدف السيارات والأموال والمجوهرات، وتطلق النار على من يعترضها، وتنكل بالمواطنين. كما تسفر عمليات القصف الجوي للطيران الحربي عن مقتل مدنيين، خصوصًا عند استخدام البراميل المتفجرة ذات النطاق التدميري الكبير.

وتستمر العمليات الحربية بولاية الجزيرة في ظل انقطاع في شبكات الاتصالات والإنترنت دخل شهره الثالث، ما يساهم في التعتيم على الانتهاكات المروعة بحق سكان الجزيرة، ويزيد من حدتها. ويعتمد السكان على شبكات الإنترنت أيضًا في التحويلات البنكية التي أصبحت هي الوسيلة الأكثر أمانًا للمعاملات المالية في ظل انتشار أعمال النهب والتفلتات الأمنية.

وزار عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا، الأسبوع الماضي، قوات الجيش السوداني والمستنفرين في محور المناقل، ضمن ترتيبات العمليات الحربية في ولاية الجزيرة.

الموت في ولاية الجزيرة

وتعاني ولاية الجزيرة من شح كبير في المواد الغذائية والمستحضرات الصيدلانية، في ظل خروج معظم المستشفيات عن الخدمة، وعدم استقرار الخدمة بالمراكز الصحية القليلة التي ما تزال تعمل في ظل الحرب.

وتسببت هجمات قوات الدعم السريع على قرى الجزيرة في حالات نزوح جماعي للمواطنين فرارًا من الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها هذه القوات في الجزيرة. وينزح المواطنون تاركين خلفهم ممتلكاتهم وأعمالهم للجوء بمراكز إيواء مكتظة في الولايات الآمنة، حيث يعيش النازحون في ظروف غير صحية، وتنعدم فيها الخدمات الأساسية.

وتتحدث القوات المسلحة عن توغل عبر محاور الشرق والجنوب لداخل ولاية الجزيرة، واستنفرت المدنيين والحركات المسلحة المتحالفة معها للمساندة في المجهود الحربي. وكذبت لجان مقاومة مدني في بيانها اليوم هذه التقارير، قائلة إنها تحدث في منصات التواصل الاجتماعي فقط، متهمة الجيش بالدفع بالمستنفرين للموت في ولاية الجزيرة نتيجة لانعدام الخبرة القتالية لديهم، وعدم تجهيزهم بشكل جيد للمعركة.

وتكثف القصف الجوي على ولاية الجزيرة في الأسابيع الأولى من كانون الثاني/يناير المنصرم، حيث أسقط الطيران الحربي البراميل المتفجرة على شارع الجمهورية بالسوق الكبير في مدينة ودمدني، كما سجلت أيضًا منطقة الحاج عبدالله بجنوب الجزيرة عددًا من الوفيات بين المواطنين نتيجة للقصف الجوي. وتوالت الأنباء عن الغارات التي قلت وتيرتها منذ ذلك الوقت، ولكن طفت إلى السطح مرة أخرى بالتزامن مع العمليات العسكرية التي أعلنها الجيش في تخوم الولاية.

وأسفر قصف للطيران الحربي في رفاعة الشهر الماضي عن مقتل سيدة وإصابة آخرين. وقال ناشطون من الجزيرة إن جميع المصابين كانوا من المواطنين المدنيين، مع عدم وجود أي وفيات أو إصابات بين عناصر قوات الدعم السريع.

الطيران الحربي السوداني

لا تمتلك قوات الدعم السريع طائرات حربية وليس لديها قوات جوية بالمعنى المتعارف عليه، وتعتمد في الأجواء على المسيرات، وتستخدمها بكثافة في عدد من الجبهات، لا سيما العاصمة الخرطوم وبابنوسة. وللدعم السريع صواريخ مضادة للطائرات تضطر القوات الجوية السودانية للتحليق في ارتفاعات كبيرة وسرعات عالية تفاديًا لها. وادعت قوات الدعم السريع إسقاط العديد من الطائرات، ولكن القوات المسلحة تمسكت في بادئ الأمر بأن ما أسقط طائراتها هي "أعطال فنية".

وللقوات المسلحة السودانية قوات جوية منذ تأسيسها بشكل رسمي في الخمسينات. ويتكون أسطول الجيش من طائرات نقل وطائرات حربية. ويستخدم الجيش السوداني طائرات السوخوي والميج الروسية، ويعتمد على صواريخ غير موجهة تطلقها هذه الطائرات الحربية من ارتفاعات مختلفة، ما يقلل من كفاءتها في إصابة الأهداف.

تقرير: القوات الجوية السودانية حولت طائرات النقل من طراز أنتنوف إلى قاذفات قنابل

كما تمتلك القوات الجوية السودانية أسطولًا من طائرات النقل روسية الصنع من طراز أنتنوف التي تستخدم بشكل أساسي في مهام النقل المتوسطة والإسقاط المظلي والاستطلاع. وكشفت منصة (Military Africa) المعنية بالتحليل العسكري في أفريقيا، في تقرير لها اطلع عليه "الترا سودان"، عن تحويل القوات الجوية السودانية طائرات النقل من طراز أنتنوف إلى قاذفات قنابل.

وتسقط طائرات الأنتنوف البراميل المتفجرة من حجرة الشحن لتصل الهدف عبر السقوط الحر، ما يقلل من إمكانيتها في إصابة الهدف بشكل دقيق، ولذلك تُحمل هذه الطائرات بذخائر متفجرة ضخمة لتوسيع دائرة التدمير، ولكن ذلك يحدث في مناطق مدنية ومأهولة بالسكان، في الحرب السودانية التي تجري أحداثها في شوارع المدن الرئيسية بالبلاد.

وبحسب تقرير المنصة، يمكن للقوات الجوية أيضًا تركيب قنابل على أجنحة طائرات النقل، مما يزيد من حمولتها ومداها. وقالت إن مثل هذه التعديلات معروفة في سياقات الحروب، حيث يمكن إضافة أسلحة هجومية لطائرات النقل، ولكنها تفتقر إلى الوسائل اللازمة لإسقاط حمولتها على الهدف بدقة.

باحث السودان في هيومن رايتس ووتش: استخدام أسلحة غير دقيقة في مناطق حضرية مأهولة بالسكان استهتار متهور بأرواح المدنيين

هيومن رايتس ووتش كانت قد أدانت العام الماضي استخدام الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان، بما فيها الدبابات والمدفعية والصواريخ، والذخائر التي تلقيها القوات المسلحة السودانية من الجو، والتي كثيرًا ما تؤدي إلى "هجمات عشوائية في انتهاك لقوانين الحرب"، حد قولها.

ووصف باحث السودان في هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان استخدام أسلحة غير دقيقة في مناطق حضرية مأهولة بالسكان بأنه "استهتار متهور بأرواح المدنيين".

القتل مرتين

الحرب تسببت في مقتلة مزدوجة لمواطن الجزيرة، فمن ينجو من كلاشنكوف الدعم السريع لن ينجو من قصف الطيران الحربي للجيش السوداني، ومن ينجو من كليهما لن ينجو من المجاعة والمرض والفاقة التي تسببت بها الحرب التي توسعت أواخر العام الماضي إلى هذه الولاية التي تعد قلب السودان الزراعي وأحد أهم مراكز البلاد الاقتصادية والحضرية.

وفشل الموسم الزراعي في ولاية الجزيرة جراء هجمات قوات الدعم السريع على القرى الآمنة، حيث قال تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية إن إنتاج البلاد من الحبوب انخفض إلى النصف العام الماضي نتيجة لعوامل متعلقة بالحرب من ارتفاع في تكلفة الإنتاج وانعدام الأمن وشح الواردات وتعطل تدفقات التجارة الداخلية، وسط مخاوف من فشل الموسم القادم الزراعي القادم أيضًا، ما ينذر بمجاعة كبرى في البلاد.

الجدير بالذكر أن الطيران الحربي لا يقصف مدن الجزيرة وحدها، ويقوم بعملياته منذ اليوم الأول للحرب في شتى الجبهات والمحاور، ويكثف من القصف في إقليم دارفور ومناطق سيطرة الدعم السريع في كردفان، كما اتجه مؤخرًا لتكثيف استخدام المسيرات الحربية عقب التفوق الذي حققته في معارك أم درمان القديمة.