04-أبريل-2024
المسيرات في حرب السودان

لم يكن للمسيرات في حرب السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة دور كبير عندما اندلع الصراع في نيسان/أبريل 2023، وتقدمت قوات الدعم السريع على الجيش السوداني في عدة محاور وسيطرت على نقاط حيوية في العاصمة الخرطوم وبعض مقرات القوات المسلحة، ولكن انعكس هذا التقدم في الأشهر الأخيرة بدخول المسيرات بقوة في المعارك العسكرية، لا سيما في العاصمة الخرطوم، حيث نجحت القوات المسلحة السودانية في استعادة مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الشهر الماضي، وكان للمسيرات دور كبير في المعركة التي شاركت فيها جماعات المستنفرين، والتي ينسب لها الفضل بجانب مهندسي القوات المسلحة، في زيادة مشاركة هذا السلاح الحديث في المعارك.

برزت المسيرات بشكل أكبر في خارطة الصراع مع حادثة إفطار اللواء المساند للجيش المعروف باسم "البراء بن مالك"، حيث قُصف الإفطار حسب تحقيقات أولية بمسيرة قد تكون انتحارية

وتمتلك قوات الدعم السريع مسيرات استخدمتها في معاركها ضد الجيش منذ بداية الحرب، ولكن لم يكن لها دور كبير في سياق الحرب الحالية، ولكن بعد معركة الإذاعة التي لعبت فيها المسيرات الدور الحاسم في القضاء على قوة الدعم السريع التي كانت تستخدم مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون القومي كمخازن للسلاح ومعتقلات ومقرات للقوات في أم درمان القديمة - بعد هذه المعركة كثفت قوات الدعم السريع من استخدام المسيرات، وبثت مقاطع تشير لاستخدامها في استهداف القوات المرابطة في القيادة العامة للقوات المسلحة بالعاصمة الخرطوم، وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها الجيش ويتمترس فيها.

حادثة عطبرة

وبرزت المسيرات بشكل أكبر في خارطة الصراع مع حادثة إفطار اللواء المساند للجيش المعروف باسم "البراء بن مالك"، حيث قُصف الإفطار حسب تحقيقات أولية بمسيرة قد تكون انتحارية، ولكن لم تتبن أي جهة الهجوم، فيما أشارت أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع، وكذلك فصائل مناوئة داخل الجيش، وحتى تنظيمات سياسية معارضة.

وقبيل دقائق من إفطار الثالث والعشرين من شهر رمضان، تجمع أعضاء كتيبة البراء بن مالك في صالة تقع وسط مدينة عطبرة، والغرض إحياء الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في السودان، وهو نفس اليوم في شهر رمضان العام الماضي.

لم يمض على الإفطار أكثر من دقيقتين، حتى وجهت مسيرة مجهولة المصدر ضربة على الصالة، وخلفت نحو سبع ضحايا وعشرات الإصابات، جرى نقلهم إلى مستشفيات عطبرة.

صمت واتهام

وفي هذا الجانب، يتهم الخبير العسكري عمر أرباب قوات الدعم السريع بقصف إفطار لواء البراء بن مالك. ويقول في حديث لـ"الترا سودان"، إن حادثة استهداف إفطار لواء البراء بن مالك في مدينة عطبرة لا تعني نقل الصراع إلى ولاية نهر النيل، بقدر ما تعني قدرة الدعم السريع على تنفيذ عمليات هجومية وطرفية في مناطق متعددة ليس لها وجود ظاهر، وحتى في مناطق تعتبر تحت سيطرة القوات المسلحة، وهذه بحد ذاتها تعتبر نقلة.

واتهم أرباب قوات الدعم السريع بتنفيذ هذه الحادثة، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة تحتاج إلى أدلة وبراهين ومتهمين ليتم إلقاء القبض على المنفذين، فهدف الدعم السريع من هذه العملية هو زعزعة الأمن والاستقرار في المناطق، وإرسال رسالة بأنهم قادرون على تهديد أي منطقة.

وأشار أرباب إلى أن المسيرات تمتلكها القوات المسلحة السودانية والدعم السريع والكتائب التي تقاتل بجانب الدعم السريع، مما يجعلهم مسؤولين عن هذه الحادثة. واستبعد أن تكون الأحزاب السياسية لديها مسيرات لأغراض هجومية، وعاد ليؤكد أن الحزب الوحيد الذي يملك قوات وميليشيا هو حزب المؤتمر الوطني المحلول.

ويرى أرباب، أنه طالما هناك جهة "لم يسمها" تخوض حربًا ضد الجيش وتحمل السلاح وتقاتل الجيش وتستخدم المسيرات لضرب كثير من المواقع، ويصرح قائدها بحصولهم على عدد كبير من المسيرات، فإن ذلك يعتبر دليلًا ضدها.

سبب استهداف عطبرة

فيما يشير الأمين العام للحركة الوطنية للبناء والتنمية، القاسم الظافر، إلى أن ما حدث في عطبرة من استهداف لتجمع إفطار لواء البراء بن مالك، باعتباره أكبر تجمع لقيادات المقاومة الشعبية بالولاية، بجانب كبار العسكريين ورموز مجتمع الولاية نهر النيل، يجب أن لا يُنظر إليه باعتباره نقلًا للصراع إلى الولاية بصورة صريحة، بل يجب فهمه في سياق التهديد الأمني المباشر، مما يتطلب تصعيد الإجراءات الأمنية وفقًا للبروتوكولات المتبعة في مثل هذه الحالات.

ويضيف الظافر في حديثه مع "الترا سودان"، أن استهداف الإفطار بالمسيرات يثير عددًا من الاستفهامات حول طبيعة الاستعدادات التي تعتمدها السلطات الأمنية في الولاية وفرق المقاومة الشعبية، لافتًا إلى أن هذا الحدث لا ينقل الحرب إلى الولاية فقط، بل ينقل طبيعة الصراع نفسه إلى حرب الخلايا النائمة واستهداف القيادات العسكرية والأمنية من خلال تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية النوعية.

القاسم الظافر: التمرد [الدعم السريع] متورط في هذه العملية، وهو الجهة الوحيدة المستفيدة من تنفيذ عمليات عسكرية في عمق المناطق الآمنة

وعن الجهة التي تمتلك المسيرات في السودان، يقول القاسم الظافر، إن التمرد [الدعم السريع] متورط في هذه العملية، وهو الجهة الوحيدة المستفيدة من تنفيذ عمليات عسكرية في عمق المناطق الآمنة. وتعزز هذه الفرضية -والحديث للظافر- إمكانياته في التسلح، حيث تم رصد شحنات السلاح النوعي من خلال سلاسل الإمداد. ويضيف: "المسيرات تحديدًا من أهم الأسلحة النوعية التي يعتمد وسيعتمد عليها في المستقبل". ويؤكد الظافر أن الأحزاب لا تمتلك هذه الأدوات القتالية، فضلًا عن كونها تعتبر جريمة إذا كشفت التحقيقات تورط أحزاب سياسية، وقد يشكل ذلك تحولًا كبيرًا في طبيعة العمل السياسي في السودان.

ويرى الظافر، أن الغرض من هذه الحادثة هو تثبيت نقطتين في غاية الأهمية، وهما زرع الفتنة بين مجموعات المقاومة الشعبية والمؤسسة العسكرية من أجل تفتيت وضرب وحدة المنظمة العسكرية والمقاتلة في مواجهة التمرد، بجانب توظيف هذا الحدث ضمن الحملة المشؤومة التي تدعمها بعض الأصوات الإعلامية حول وجود نشاط إرهابي داخل أجساد المقاومة الشعبية وحتى داخل المؤسسة العسكرية، ومحاولاتها الدؤوبة في لصق تهمة الإرهاب بالمؤسسة العسكرية الرسمية.

وطالب الأمين العام للحركة الوطنية للبناء والتنمية، بضرورة وجود خارطة أمنية جديدة تطبق خلالها البروتوكولات في الولايات الآمنة المهددة أمنيًا، ومن ثم تضبط وتعزز الحس الأمني والتعامل بموجب قوانين الطوارئ لرصد الخلايا النائمة وكل مظاهر الضعف الأمني.

طرفي الصراع

من جانبه، يرى القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، أن طرفي الصراع في السودان هما من يمتلك المسيرات. مستبعدًا حصول أحزاب سياسية على أي نوع من المسيرات، واصفًا استهداف الإفطار بالمسيرات في مدينة عطبرة بأنه "تطور خطير".

وطالب عمر، في حديثه مع "الترا سودان"، الطرفين بوقف هذه الحرب، قائلًا إن المنتصر فيها خاسر، وليس هناك فائز. مشيرًا إلى ما وصفها بـ"فظائع الحرب في السودان"، من فقدان المواطنين لديارهم وأملاكهم والتهجير القسري الذي حدث في الجزيرة وفي الخرطوم واستهداف الطيران لمدن آمنة.

وشدد عمر على ضرورة وقف الحرب بأسرع فرصة وتوجه الطرفين للمفاوضات لترتيب عملية السلام بوجود جيش واحد بعقيدة واحدة، رافضًا وجود المليشيات والأجسام الموازية، لافتًا إلى أن الإصلاح في المؤسسة العسكرية يتم عن طريق عملية سياسية متفق عليها.

عنف متطرف

أما القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، فيقول إن الهدف من حادثة عطبرة هو إدخال السودان في دوامة العنف المتطرف، وأيًا كان فاعله أو المستهدف، فهو عمل خطير ومرفوض ومدان، لأن مثل هذه المناسبات تضم الأطفال والشيوخ والنساء وأشخاص لا صلة لهم بالحرب ولا بالجيوش المتصارعة. ويضيف عروة أن ولاية نهر النيل من الولايات التي تعج بالنازحين والهاربين من جحيم الحرب، مشيرًا إلى أن استهداف كتيبة البراء بالمسيرات هو محاولة لجرها إلى دائرة الصراع، وسيكون الضرر كبيرًا على المواطنين الذين يعيشون فيها والضيوف الذين نزحوا عدة مرات إلى عدة ولايات.

وبشأن من يمتلك المسيرات في السودان، يضيف الصادق أنه معلوم لديهم أن الطرفين في الحرب يتباريان في امتلاك أنواع مختلفة من السلاح المسير، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والانتحارية والاستطلاعية وحاملات الأوزان المتفجرة والقذائف الموجهة. ويشير إلى أن هناك تجارة رائجة في السلاح الآن خارج إطار الدولة، مؤكدًا رصدهم أنواعًا مختلفة من الأسلحة تتسرب من تجار السلاح الذين لا ينتمون لطرفي الحرب.

ويوضح الصادق بشأن امتلاك الأحزاب السياسية للمسيرات في السودان، أن الأحزاب تنحصر في برامجها المدنية، لافتًا إلى أنهم لم يُسمح لهم باستخدام الطائرات المسيرة لأغراض إعلامية إلا بترخيص من السلطات الأمنية، وحتى تلك التي تستخدم لأغراض إعلامية لا تصلح لحمل الذخيرة الحية، حد قوله.

عروة الصادق: من الأفضل انتظار نتائج التحقيق حول الحادثة التي لم تتبناها أي جهة حتى الآن

ويقول الصادق إنه من الأفضل انتظار نتائج التحقيق حول الحادثة التي لم تتبناها أي جهة حتى الآن. ويضيف: "وسائل الإعلام أغرقت بالمعلومات والاتهامات المتبادلة". ويقول إنه ما لم تتوقف الحرب وتُنصب لجان تحقيق مستقلة، فلن تكشف الحقيقة أبدًا، و"هذا ما يريده الذين يريدون الحرب"، بحسب تعبيره.

تحقيقات أولية

وأكدت لجنة أمن ولاية نهر النيل، أن مسيرة أطلقت النار على إفطار جماعي للمواطنين وسط مدينة عطبرة، فيما تجرى السلطات تحقيقًا حول حادثة إطلاق مسيرة قذيفة على صالة "إنفينيتي" وسط مدينة عطبرة، مساء الثلاثاء الماضي. ولم تعلن جهة مسؤوليتها في تنفيذ العملية التي حطمت الصالة في المنتصف تمامًا، وأدت إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل، بينهم ضباط بالجيش السوداني.

وارتفع الجدل حول المسيرات في حرب السودان منذ قصف إفطار البراء بن مالك في عطبرة بولاية نهر النيل، فبعض الأطراف تشير إلى أن الجيش السوداني يسيطر على المسيرات، بينما ترى أطراف أخرى أن الدعم السريع هو الجهة التي تمتلكها، ولم يصدر بيان عن أي من طرفي الصراع حول الحادثة حتى الآن.