03-يونيو-2020

(Getty)

حلّ الثالث من حزيران/يونيو، ذلك التاريخ الذي ارتبط في أذهان السودانيين الساعين للتغيير بأحداث فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث يمر عامُ كامل على ما يطلق عليها الثوريون "المجزرة"، وتظل الجراح مفتوحة والأحداث معلقة على ذواكر ليس السودانيين فحسب بل كل المهتمين بحقوق الإنسان على مستوى العالم في انتظار تحقيق العدالة المرجوّة.

مع الذكرى الأولى لفض الاعتصام تظل مطالب العدالة محروسة بلجان المقاومة وأسر الشهداء

ومع الذكرى الأولى لأحداث فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران/يونيو 2019، والتي وافقت 29 من شهر رمضان، تتصاعد المطالب الجماهيرية بالقصاص لمن أزهقت أرواحهم وتحقيق العدالة لمن ارتكبت في حقهم انتهاكات "اغتصابات، إخفاء قسري، أذى جسيم" وغيرها من الجرائم التي لم تراع المواثيق الدولية وحق التجمع السلمي ولا حرمة الشهر الفضيل، طبقًا لإفادات الكثير من الشهود لتلك الأحداث، الذين يرون أن تلك المطالب ستظل محروسة من قبل لجان المقاومة وأسر الشهداء التي سيرت معًا مواكب العدالة والقصاص في الثالث من كانون الأول/ديسمبر الماضي وسلمت مذكرات للسلطات المختصة في كل مستوياتها "مجلسا السيادة والوزراء، والسلطة القضائية" تتمسك بالمحاكمات العادلة في تلك القضايا.

اقرأ/ي أيضًا: من سيغسل أيادي العسكر من دماء شهداء مجزرة القيادة؟

الجداريات والحياة في الاعتصام 

ومثلت ساحة الاعتصام سودانًا مصغرًا، حيث الحضور المتكامل للسودانيين بتعددهم وتنوعهم واختلاف جهاتهم الجغرافية، وذوبانهم وانصهارهم دون تمييز، ويرى الفنان التشكيلي بفعاليات تجمع التشكيليين السودانيين عبد المجيد عفيفي، أن تجربة الجداريات في الثورة استوعبت الطاقات السلمية ونأت عن العنف وتفرغت فيها الأحلام وأظهرت الإبداع، وأن الجداريات في الاعتصام عبرت عن قوة العقل وقوة السلمية في مواجهة السلاح من الجانب الآخر.

وقال عفيفي لـ"ألترا سودان" إن الجداريات عبرت عن ما يدور داخل الاعتصام من رفض للعنصرية، وعكست التعايش والانسجام بين المكونات الإثنية والدينية وغيرها، مما شكل سودانًا مصغرًا.

وحول محو الجداريات، اعتبر عفيفي أن ذلك الفعل له بعدان يثبت الأول منهما انتصار الجداريات ونجاحها بأن صوتها عالٍ والتفاعل معها كبير، الأمر الذي لفت الانتباه وأدى إلى اللجوء لمحوها وتشويهها في ساحة الاعتصام، وشدد على أن في محوها انتصارًا للفن التشكيلي السوداني، وأضاف أن البعد الثاني يعكس قسوة الجانب الآخر الذي يواجه السلمية بذلك الشكل، وتابع "من قتل الناس قتل الجداريات والأحلام".

التشكيلي عبد المجيد عفيفي: بعد محو جداريات القيادة العامة، انتشرت الجداريات والشوارع كلها أصبحت مثل القيادة العامة

ولتوضيح مدى تأثير محو الجداريات عقب فض الاعتصام، ذكر عفيفي أن الشوارع كلها أصبحت مثل "القيادة عامة"، وانتشرت الجداريات وشبّه ذلك بما يحدث مع "عش الدبابير"، ولفت إلى صدور "هاشتاغ" "إنت أمسح ونحن نرسم"، بانتشار الجداريات على مستوى السودان، وزاد "انتظمت الجداريات وتحول الفن من المعارض التي تقام في الصالات، إلى فنٍ شعبي وفنٍ متحركٍ داخل المجتمع". 

اقرأ/ي أيضًا: خفايا وأسرار "حميدتي" مكانها النيابة العامة

قتل واغتصاب وإخفاء

صاحبت عملية فض الاعتصام انتهاكات عديدة مثل القتل ورمي الجثث في النيل والاغتصابات التي تم توثيق (64) حالة لنساء حسب تصريح مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، سليمة إسحق لـ"مدنية نيوز"، بالإضافة إلى الإصابات والجراح والإخفاء.

 وأشار عضو لجنة المختفين قسريًا عثمان بصري، إلى أن اللجنة التي كونها النائب العام تاج السر الحبر، مختصة بالبحث والتحري والتحقيق حول المختفين في أثناء الاعتصام وبعد فضه، ولفت إلى استمرار اللجنة في تصنيف البلاغات الخاصة بالمفقودين "ما له علاقة بالاعتصام وما لا علاقة له به"، ونوه إلى استبعاد حالات الاختفاء التي لا علاقة لها بالاعتصام، وقال لـ"ألترا سودان" أمس الأول "اللجنة أحصت عشرات الحالات لمفقودين حسب تصنيفات البلاغات المتعلقة بالاعتصام وواقع التحري فيها".

وأردف بصري، أن للجنة تحقيقات في المشارح، ونوه إلى أخذ عينات للحمض النووي"دي إن إيه"، حيث توصلت الأدلة الجنائية لبصمات وراثية، وأبان أن اللجنة وجهت خطابًا لأسر المفقودين للتوجه للأدلة الجنائية لأخذ عيناتٍ منها بغرض مطابقة البصمات الوراثية، ونبه إلى أن تلك الخطوة تساهم في التعرف على مصير المفقود. وردد أن الظروف الخاصة بمكافحة وباء "كورونا" أوقفت ذلك الإجراء لعدم تمكن أهالي المفقودين من الوصول للأدلة الجنائية، كما كشف عن تأثر عمل اللجنة بتلك الظروف، حيث لجأت لعقد لقاءات متباعدة بغرض متابعة القضية.

ديمومة اللجنة

وحول الفترة المخصصة لعمل اللجنة أبان عثمان بصري، أن قرار تشكيل اللجنة حدد لها ثلاثة أشهر، انقضت وتم التمديد لها لفترة ثلاثة أشهر أخريات، وتوقع صدور قرار لتكون اللجنة دائمة باعتبار أن اختصاصها يتعلق بجريمة ذات طابع دولي وهي "الاختفاء القسري" الذي يعرف بأنه يتم نتيجة الاحتجاز أو الاعتقال أو الحبس من قبل الحكومة أو بواسطة قوة مسلحة بعلم الحكومة أو بواسطة طرف ثالث بموافقة الحكومة"، وأشار إلى أن مصدر الاتفاق في جميع تلك الحالات هو إنكار تلك الجهات لتواجد الضحية معها، وذكر "بتطبيق التعريف على من فقدوا في فض الاعتصام أو قبله نجد أنه متطابق"، وزاد "ما حدث اختفاءٌ قسري"، ومضى للقول إن المختفي قسريًا يجبر على الاختفاء ويحرم من الحماية القانونية ويكون في مكانٍ غير معلومٍ ويمكن أن يتعرض للتعذيب وعدم الإطعام. ولفت إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري.

ذكرى "المجزرة" 

وفي ذكرى فض الاعتصام أعلنت "منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة" عقد مؤتمرٍ صحفي في الثالث من حزيران/ يونيو، وقال نائب الأمين العام للمنظمة كشة عبد السلام لـ"ألترا سودان" إن المؤتمر سيقام في مقر دار المرشدات بالخرطوم في الساعة الرابعة عصرًا، ولكن دون حشدٍ وذلك ضمن إجراءات مكافحة جائحة "كورونا"، مع اتباع إجراءات التباعد والاحترازات اللازمة للصحفيين، وأوضح أنهم طلبوا من كل صاحب استفسارٍ أن يرسله عبر صفحة المنظمة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لتتم الإجابة عليه في المؤتمر الصحفي.  

ومن جانبه أعلن تجمع المهنيين السودانيين، أنه خاطب مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين رسميًا لإعلان الثالث من حزيران/ يونيو يومًا للحِداد الوطني وتنكيس الأعلام بجميع المَقَرّات الرسمية وغير الرسمية داخل السودان وفي مُمثليّاته في جميع أنحاء العالم، حدادًا على "شُهداء مجزرة فض الاعتصام" أمام القيادة العامة بالعاصمة وميادين الاعتصام بالأقاليم. وأشار التجمع حسب تصريحٍ صحفيٍ من إعلامه في 28 أيار/مايو الماضي، إلى أنه في انتظار استجابة المجلسين بذلك الشأن، وأفادت متابعات "ألترا سودان" أمس الأول أن التجمع لم يتلق ردًا من المجلسين.

أعلن تجمع التشكيليين السودانيين عن إقامة معرض جماعي بالتعاون مع تجمع المهنيين لذكرى مجازر فض الاعتصامات بالسودان ومجزرة القيادة العامة

وفي ذات السياق، أعلن تجمع التشكيليين السودانيين عن إقامة معرض جماعي بالتعاون مع تجمع المهنيين لذكرى مجازر فض الاعتصامات بالسودان ومجزرة القيادة العامة، في الثالث من حزيران/يونيو، تحت عنوان "لن ننسى ولن نغف"، وأوضح أن الأعمال ستعرض في موقع تجمع التشكيليين على "فيسبوك"، بجانب معرض رمزي بعدد محدود من الأعمال والحضور بسبب "احترازات كورونا" بقاعة تجمع المهنيين السودانيين بالخرطوم في تمام الساعة الثانية ظهرًا وبصحبة تنكيس علم السودان، وأعلن بثه مباشرة بصفحة تجمع المهنيين. 

اقرأ/ي أيضًا: تصاعد مقلق للعنف ضد النساء في دارفور وبرنامج أوروبي أممي لمكافحته

وفي بيانٍ بمناسبة الذكرى الأولى في 29 رمضان الماضي، استنكرت شبكة الصحفيين السودانيين إفلات مرتكبي المجزرة من العقاب حتى الوقت الراهن، وتمسكت بعدم التنازل وبضرورة تحقيق العدالة تجاه "من تلطخت أياديهم بدماء شهداء المجزرة وجرحاها، وساهموا كذلك في إخفاء عدد من الثائرين الذين ما يزالون في عداد المفقودين". 

ومن ناحيتها تقييم لجان المقاومة عدة فعاليات، وأعلن شباب لجان المقاومة بالكلاكلات وجنوب الخرطوم تنظيم وقفة احتجاجية بالتزامن مع الذكرى الأولى لفض الاعتصام في التاسعة صباحًا من منطقة "أبو آدم وحتى الكلاكلة الوحدة شارع أبو عواض"، وهي منطقة تمتد نحو خمسة كيلو مترات، وأبلغ مصدر مطلع أن لجان المقاومة ستلتزم بالإجراءات الخاصة بمكافحة "كورونا" مثل ارتداء الكمامات والتباعد واستخدام المعقمات، وأن الفعالية تتضمن حمل لافتات وأعلام وترديد هتافات. وأشار المصدر إلى أن الإصرار على الخروج وتنظيم الوقفة رغم الوضع الصحي يحمل رسالة بعدم نسيان حق الشهداء والجرحى والمفقودين وكافة من ارتكبت في حقهم انتهاكات في أحداث فض الاعتصام، وضرورة الإسراع في تحقيق العدالة وتقديم المتهمين في تلك الجرائم للمحاكمة.

وكشفت المتابعات عن تنفيذ لجان المقاومة بالتنسيق مع أسر الشهداء وقفة صامتة حدادًا على أرواح الشهداء والتضامن مع من ارتكبت بحقهم انتهاكات وللمطالبة بمحاكمة المتهمين، وأن الوقفة ستنفذ على امتداد شارع الجمهورية حتى التقائه مع بنك السودان بالمقرن، بتنسيق بين لجان المقاومة بالخرطوم شمال والتي تضم أحياء ومناطق توتي والمقرن والخرطوم غرب وشرق والسكة حديد، ومن تقاطع شارع الجمهورية مع القصر وحتى الميناء البري بالخرطوم، بمشاركة تنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم شمال ووسط وجنوب.

طريق العدالة

وبشأن تحقيق العدالة في انتهاكات فض الاعتصام أعلن نائب الأمين العام لمنظمة "أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة" كشة عبد السلام، أنهم سيمضون في طريق العدالة عبر فتح البلاغات والتوجه للنيابات ولن ينتظروا نتائج لجنة التحقيق في الانتهاكات التي صاحبت فض الاعتصام التي يرأسها المحامي نبيل أديب، وأضاف لـ"ألترا سودان" : "شرعنا في إجراءات البلاغات والشهود يباشرون الإدلاء بشهاداتهم في النيابات، وهناك سبعة بلاغات وصلت النيابات وفي طريقها للمحاكم".

ونوه نائب الأمين العام للمنظمة إلى أنهم في انتظار رئيسة السلطة القضائية نعمات عبد الله، لتشكيل محكمة خاصة بقضايا الشهداء، وطالب باختيار مكان للمحكمة لا يؤثر على على حركة المواطنين في العاصمة لتجنب تعطلها، وذكر أن جلسات محاكمة المتهمين بقتل "الشهيد أحمد الخير" كانت تشهد تعطيلًا للحركة بسبب الحشود والإجراءات المتبعة في ترحيل المتهمين، واقترح كمثال أن يكون سلاح المدرعات مكانًا لانعقاد المحاكمات، أو أي مكان يسمح بحرية حركة المواطنين ولا يعطل مصالحهم ويمنع تسلل من أطلق عليهم المندسين للقيام بأفعال تحدث تشويشًا أو ضررًا، وشدد على ضرورة تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب حتى وإن أدى الأمر لتوصيل القضية للعدالة الدولية.

في ظل التمسك بتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب، هل يتمكن السودانيون من تجاوز التعقيدات وتحقيق العدالة وإبراء الجراح وعبور الفترة الانتقالية بسلام؟

وفي ظل تصاعد المطالب مع حلول ذكرى أحداث فض الاعتصام، والتمسك بتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب، يبقى السؤال الأبرز: "هل يتمكن السودانيون من تجاوز التعقيدات التي تحيط بالمشهد مثل الشراكة مع العسكريين الذين كانوا على سدة الحكم وقت فض الاعتصام، وتحقيق العدالة وإبراء الجراح وعبور الفترة الانتقالية بسلام والانتقال للتداول السلمي للسلطة؟"، قطعًا الأيام وحدها هي الكفيلة بالرد على هذه الأسئلة. 

اقرأ/ي أيضًا

الحكومة الانتقالية تواجه معادلات صعبة بشأن إستمرار الإغلاق أو رفعه جزئيًا

خلافات تجمع المهنيين.. هل تخدم الحراك النقابي؟