08-أكتوبر-2019

كانت الانتهاكات تهدف إلى قتل روح المقاومة لدى السودانيات (BBC)

أغلقت (ن) هاتفها الجوال منذ 4 أشهر واختفت عن الأنظار، منذ مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو ولا أحد يعرف عنها شيئًا، حتى صديقاتها فشلن في الوصول إليها. ليس معروفًا بعد هل نجت من المجزرة التي استهدفت آلاف المتظاهرين أمام مقر وزارة الدفاع السودانية، التي وقعت أحداثها الدامية قبيل ساعات فقط من أول أيام عيد الفطر، هل عادت (ن) إلى منزل أسرتها شرقي العاصمة السودانية أم لا، وإن نجت بجلدها، فهل ستتمكن من استئناف حياتها الطبيعية من جديد؟

مراكز التأهيل والعلاج النفسي تشير إلى توثيق أكثر من 50 حالة لفتيات تعرضن لحوادث متفاوتة من الاغتصاب والاعتداء الجنسي المختلف والتحرش والضرب والتهديد

(ن) هي واحدة من اللائي تعرضن للاغتصاب صبيحة فض الاعتصام بواسطة قوات (الجنجويد) والأمن وكتائب الظل. الصور المعروضة لجنود بأزياء عسكرية تقول إنهم يتبعون لتلك الجهات، مسلحون ويطلقون النار على من شاءوا ولديهم أوامر حتى بمواجهة عناصر القوات المسلحة السودانية وتجريدهم من أسلحتهم. لكن (ن) إن نجت من مجزرة فض الاعتصام فقد لا تنجو من الوصمة التي سيتم التعامل معها بها، من العار الذي سيلحق بها وبأسرتها بسبب تعرضها للاغتصاب، فهي في الأخير تعيش في بلد لايزال جزء مقدر من سكانه يرفض خروج المرأة إلى الفضاءات العامة، وقد تصل بعض مكوناته الاجتماعية إلى تحميل المرأة وهي الضحية قبل كل شيء، مسؤولية ما لحق بها من اعتداء جسدي ونفسي، ما يمهد للجناة في المحصلة الأخيرة فرص الإفلات من العقاب، خصوصًا مع حالة شبيهة بالسودان تعاني ما تعاني من ضعف أذرع العدالة وتنفيذ القانون.

اقرأ/ي أيضًا: أربعينية مجزرة القيادة العامة.. الشارع السوداني يقود نفسه

حتى اللحظة لا توجد إحصائيات رسمية بأعداد من تعرضن للاغتصاب والانتهاكات الجنسية، أثناء مجزرة فض الاعتصام المدني بالعاصمة السودانية الخرطوم، لكن مراكز التأهيل والعلاج النفسي تشير إلى توثيق أكثر من 50 حالة لفتيات تعرضن لحوادث متفاوتة من الاغتصاب والاعتداء الجنسي المختلف والتحرش والضرب والتهديد. وكانت مفوضية حقوق الإنسان وهي هيئة حكومية قد أعلنت في تقريرها الصادر بعد تحقيقات أجرتها عن فض الاعتصام، نهاية أيلول/سبتمبر الماضي أنها رصدت وقوع حالات اغتصاب أثناء مجزرة فض الاعتصام أمام مقرات الجيش السوداني.

بعض الناجيات استأنفن حياتهن

تقول "سليمة إسحق" وهي معالجة نفسية أشرفت على تقديم الدعم النفسي لبعض الناجيات، لالترا سودان: " أن الناجيات يفضلن عدم الحديث كثيرًا عما تعرضن له أثناء حوادثهن المأساوية، نحن نريد أن نمنحهن وقتًا كافيًا ليتمكن من الكلام، لكننا نترك لهن باب المساعدات النفسية مفتوحًا أمامهن إذا ما احتجن إلينا في أي وقت ". وتضيف: "بعض الناجيات استأنفن حياتهن بشكل جيد، أما ما يبعث على الأمل، فهو أنهن رفضن الاستسلام للاكتئاب والإحباط والتوتر والقلق والتمسنا رغبتهن القوية في التعافي".

تؤكد المحامية والمدافعة الحقوقية نون كشكوش أن "حدوث اغتصابات أثناء مجزرة فض الاعتصام وانتحار ثلاث فتيات من الناجيات في ذلك اليوم، لاحقًا بعد أن عدن إلى منازلهن، لأنهن واجهن ضغوطًا نفسية كبيرة". وتضيف: "التحرش الجنسي بالفتيات بدأ أثناء الاحتجاجات الشعبية، التي خرجت للمطالبة برحيل نظام البشير، أثناء اقتياد الفتيات اللائي شاركن في التظاهرات إلى عربات الأمن، أنا بنفسي قابلت عددًا من الفتيات أثناء الإفراج عنهن من الاعتقال، وهن في حالة نفسية سيئة جراء التحرش بهن ". وتوضح كشكوش أنه في الوقت الراهن لم تتقدم واحدة من الناجيات، بفتح بلاغ لدى لشرطة للتحقيق حول تعرضها للاغتصاب أو التحرش أو العنف، لأنهن يخشين من نظرة المجتمع، أما المنظمات القانونية فهي تنتظر تفويضًا من الناجيات وتختم بالقول: "نحن لا يمكننا أن نشرع في العمل دون وجود بلاغ مفتوح من قبلهن لدى الشرطة".

وتتوقع سليمة "إدلاء بعض الناجيات بما حدث لهن في حادثة فض الاعتصام، حال تصدت إحداهن لهذا الأمر، وأنهن سيخرجن تباعًا أمام الرأي العام، لأن هذا التصرف يخفف من الغضب الذي يغلي في دواخلهن ". وتوضح سليمة أنها تلقت معلومات عن انتحار فتاتين ممن تعرضن للاغتصاب في مجزرة فض الاعتصام، لكنها لم تتمكن من الاستيثاق بمعلومات مؤكدة حول ذلك. معبرة عن حزنها لعدم تمكنها من تقديم المساعدة النفسية التي يمكن أن تقي ضحايا الاغتصاب من الإقدام على الانتحار. لكنها تعود لتقول "أن بعض الناجيات وجدن ظروفًا محيطة بهن أفضل من الأخريات، حتى أن شخصيتهن كانت تعكس نوعًا من بالوعي والإدراك بحجم الكارثة التي تعرضن لها، وهو ما مكنهن من التعافي بفضل معاونة الأصدقاء والعائلة".

اقرأ/ي أيضًا: إقالة مدير مشرحة بالخرطوم لمخالفته هيئة الطب العدلي ودفنه جثث شهداء

وتعتقد المعالجة النفسية سليمي أن "الانتهاكات التي لحقت بالفتيات والشبان كانت ممنهجة لأن القوات التي نفذتها تعمدت ركل الفتيات والشبان في أماكن حساسة في الجسد والضرب بمؤخرة البندقية للشبان والرجال في أماكن حساسة أيضًا". وتتهم سليمي "القوات المداهمة للاعتصام المدني بالتحرش بالفتيات والفتيان على حد سواء، حيث تعرضت بعض الفتيات للاغتصاب تحت التهديد وأن ذلك شكل صدمة كبيرة للشعب السوداني، حتى هم خارج مقر الاعتصام شعروا بالغضب ورفضوا وقوع الآلاف ممن حرسوا الثورة الشعبية ضحايا لتلك الانتهاكات الجسمية والجرائم المروعة بشكل ممنهج".

غياب العدالة لسنوات يولد اليأس

لا تحفل سجلات العدالة في السودان الذي تخلص لتوه من نظام استبدادي حكمه 30 عامًا بالقبضة الأمنية المحكمة، بوجود محاكم أنصفت من تعرضن للاغتصاب مع وجود العديد من الاتهامات التي لاحقت النظام البائد، وأجهزته خاصة في مناطق النزاعات المسلحة في أطراف البلاد، حيث تستعر الحرب في سبع ولايات سودانية أوقفتها هدنة مؤقتة بين المسلحين والحكومة منذ عامين، وتستخدم المليشيات المسلحة التابعة للحكومة الاغتصاب كسلاح ضد المدنيين العزل.

تقول المدافعة الحقوقية وعضو مبادرة "لا لقهر النساء" تهاني عباس قائلة " أشعر بالأسى من انتحار فتاة من اللائي تعرضن للانتهاك الجنسي أثناء فض الاعتصام لكن ما حدث في ذلك اليوم كان حدثًا ممنهجًا لقتل روح المقاومة لدى السودانيات اللائي تصدرن الثورة الشعبية وشاركن في الإطاحة بالنظام ".

الانتهاكات الجنسية والاغتصاب هو سلاح أخطر من القتل لأنه يؤلم ضحاياه ويؤلم المجتمع!

وتضيف تهاني لالترا سودان: أن الانتهاكات الجنسية التي حدثت أثناء الحرب الأهلية في السودان لم تجد طريقها إلى العدالة، بالتالي ما حدث هو امتداد لتلك الانتهاكات السابقة والاغتصاب هو سلاح أخطر من القتل لأنه يؤلم ضحاياه ويؤلم المجتمع".

وشكل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، لجنة تحقيق في انتهاكات فض الاعتصام أمام مقر وزارة الدفاع السودانية، في الثالث من حزيران/يونيو ويتوقع تسمية أعضاء اللجنة خلال الأسبوع القادم وتشمل تحقيقات اللجنة الانتهاكات الجنسية.

رغم أن الإفلات من العدالة ساد لسنوات إلا أن مطالب محاسبة الجناة ترتفع بين القوى المدنية التي قادت الاحتجاجات الشعبية، وفي ذات الوقت تخشى أطراف من أن تطال التحقيقات عسكريين وأمنيين باتوا يشكلون جزءًا من المؤسسات الانتقالية، الأمر الذي قد يؤدي إلى توترات بين قوى التغيير التي توفر الغطاء السياسي للحكومة الانتقالية المشكلة من المدنيين والعسكريين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المؤتمر السوداني يحذر من مخططات لإجهاض الفترة الانتقالية

"اصحى يا ترس".. حين يعجز الموت أمام عظمة الواجب