في مستشفى "قولو" بمنطقة جبل مرة، يجلس الأطفال في قائمة الانتظار لمقابلة الطبيب، أغلبهم يعاني من هزال الجسد جراء نقص الغذاء، خاصة حليب الأطفال والتغذية الصحية. كما تعاني الأمهات من المضاعفات، ما يؤدي إلى عدم انتظام الرضاعة الطبيعية، لا سيما مع رحلات النزوح الشاقة من بلدة إلى أخرى طلبًا للأمن والاستقرار.
عاملة إنسانية: الطرفان المتصارعان في السودان يضعان المواطنين في أسفل أولوياتهم، ولا يكون الحديث عن المدنيين إلا عندما تكون المصالح الدبلوماسية حاضرة.
تقع منطقة جبل قولو في جبل مرة السياحي، الذي يضم سلسلة جبال خضراء خلال موسم الصيف الذي يتزامن مع الأمطار، تحت سيطرة قوات حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبدالواحد محمد نور.
تدعم منظمات دولية ووكالات الأمم المتحدة المستشفى وبرامج الصحة والغذاء، ومع ذلك، لا يزال الآلاف بحاجة إلى تحويل حياتهم إلى وضع طبيعي يمارسون فيه الإنتاج الزراعي والتجارة، بدلاً من انتظار الإغاثة قرب عتبة مواقع النزوح، كما يروي حماد في حديثه مع "الترا سودان"، مستعرضًا رحلته من نيالا إلى المنطقة.
تقول حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبدالواحد محمد نور، إنها استقبلت في مناطق سيطرتها، خاصة في شمال دارفور ومناطق جبل مرة، قرابة 40 ألف نازح من الحرب التي تدور في خمس ولايات من إقليم دارفور.
يُقدّر عدد الأطفال الذين تأثروا بالحرب في إقليم دارفور، الذي يعادل مساحة دولة فرنسا ويضم خمس ولايات تُعتبر مراكز اقتصادية، جراء الإنتاج الذي يميز المنطقة الواقعة غربي السودان، بنصف مليون طفل. كما تعاني ما لا يقل عن 150 ألفًا من الأمهات المرضعات والحوامل من مضاعفات النزوح ونقص الغذاء والرعاية الطبية.
يتردد حماد رفقة طفله إلى مستشفى ميداني صغير، مدعوم من المنظمات الدولية، يعمل الأطباء فيه على مدار الساعة. ورغم ذلك، يواجه المستشفى تحديات بسبب غياب التشخيص المختبري الشامل، حيث يركز المستشفى على الرعاية الصحية والأمراض المستوطنة مثل الملاريا والحميات والكوليرا.
عانى السودانيون من صراعات أهلية أدت إلى تراجع استقرار البلاد قرابة أربعة عقود، ولا يزالون يواجهون سلسلة من المخاطر التي تهدد وحدتهم، وقد تمتد آثارها إلى تفكك السودان مع اشتداد العمليات الحربية وتباعد نقاط الاتفاق.
يرى حماد أن البقاء في هذه المنطقة أفضل من المكوث بين خطوط المعارك العسكرية، معبرًا عن حزنه لترك حقول الزراعة التي كانت على وشك دخول موسم الإنتاج.
يقول حماد عقب سؤاله عن أمنياته : "أتمنى الحصول على الغذاء المنتظم لأطفالي وعلى الرعاية الصحية. المنظمات الدولية تعمل بكامل طاقتها، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من العمليات الإنسانية مع توافد المواطنين من مناطق الحرب".
تتراجع الآمال في عقد عملية سلام بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقد أخذت الحرب تحولات كبيرة منذ أن ألقى الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" خطابه في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2024، بالتزامن مع العمليات العسكرية التي أطلقتها القوات المسلحة نهاية أيلول/سبتمبر 2024، واستردادها لستة مناطق على الأقل في العاصمة الخرطوم وسنار والجزيرة.
حذر حميدتي خلال خطابه من "حرب الحواضن الاجتماعية"، قائلاً إن قوات الدعم السريع لا تود الرد بالمثل، كما يفعل الطيران الحربي بقصف مناطق قواته بالغارات الجوية.
أظهرت تصريحات حميدتي تباعد المواقف والذهاب نحو منطقة اللا عودة بين الفرقاء السودانيين في الصراع المسلح
أظهرت تصريحات حميدتي تباعد المواقف والذهاب نحو منطقة اللا عودة بين الفرقاء السودانيين في الصراع المسلح، منذ عام ونصف، ما أدى إلى نزوح قرابة (12) مليون شخص، ومقتل عشرات الآلاف خلال المعارك في أنحاء البلاد.
ترى الباحثة في الشؤون الإنسانية والمستشارة السابقة في المنظمات الدولية، نهلة حسن، في حديث لـ"الترا سودان"، أن معاناة النازحين في السودان هي الأسوأ في العالم، وذلك في ظل تركيز المجتمع الدولي على لاجئي أوكرانيا والدول الصديقة للغرب.
وتقول حسن إن العالم يتقاعس في دعم النازحين السودانيين، سواء داخليًا أم خارجيًا، ولولا الشبكات الطوعية السودانية، لكانت المجاعة قد أودت بحياة أغلب النازحين.
كما تلوم نهلة حسن الطرفين المتصارعين، وتقول إن كلاً منهما يضعان المواطنين في أسفل أولوياتهم، ولا يتحدثان عن معاناة المدنيين إلا في إطار المكاسب السياسية والدبلوماسية.
لم يتوقف الصراع المسلح منذ العام 2002 في إقليم دارفور، ومن الصعب وضع الآمال في نفوس الناس بوصول الأطراف المتحاربة إلى مرحلة وقف القتال. ومع ذلك، يأمل حماد، النازح الذي فر من نيالا سيرًا على الأقدام تارة، وعلى الدواب تارة أخرى، في حدوث تحول كبير في المشهد، وأن تحدث "العناية الإلهية"، كما يردد باللهجة السودانية.