27-أكتوبر-2020

مخاطبة في اعتصام الجريف شرق (Getty)

في مشهد شبيه باعتصام القيادة العامة، نظم مواطنو ولجان مقاومة الجريف شرق اعتصامًا في كبري المنشية، على خلفية أحداث مواكب ذكرى ثورة 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1964، وسقوط شهيد برصاص القوات النظامية.

شهد "الترا سودان" مخاطبة محدودة العدد نظمتها لجان المقاومة في أرض الاعتصام

كانت الشمس تعانق غروبها حين دخلنا لساحة الاعتصام. المتاريس العالية تغلق الكبري تمامًا، والمواطنون يسيرون أفواجًا فوق أرض تشهد على احتراق عشرات "اللساتك" ودماء من سقطوا عليها.

اقرأ/ي أيضًا: "أضعتُ جسدي".. فن الفقدان وعذوبة الخسارة

شهد "الترا سودان" مخاطبة محدودة العدد نظمتها لجان المقاومة في أرض الاعتصام، ومن داخل خيمة تنتصب وحيدة في كبري المنشية يدار اعتصام الجريف شرق، والذي يدخل يومه السادس دون تنفيذ لمطالب المعتصمين.

مولد الاعتصام

تزامنًا مع دعوات الاحتفاء بذكرى ثورة 21 تشرين الأول/أكتوبر 1964، دعت عديد من لجان المقاومة السودانية قواعدها للخروج في مواكب هادرة، للمطالبة بالقصاص لشهداء الثورة الأبرار، وتثبيت دعائم الحكم المدني، وتصحيح مسار الثورة. 

في منطقة الجريف شرق لم تختلف الصورة عن بقية أحياء الخرطوم، خرج الثوار في مواقيت النضال يهتفون بسلمية، أراد بعضهم قطع كبري المنشية للالتحاق بالرفاق في منطقة "بُري" مواصلةً للمد الثوري. لكن، ما حدث بعدها كان الشرارة الأولى لميلاد اعتصام الجريف شرق، إثر سقوط شهيد في ظل الحكومة الانتقالية، وهي حكومة أتت بها الثورة التي رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، والتي تتضمن كفالة حق التعبير السلمي. 

سقوط الشهيد

تعرض موكب أبناء الجريف شرق لقمع وصفه شهود عيان بغير المسبوق، حيث انهالت على المتظاهرين قنابل الغاز المسيل للدموع. وقال الشهود إنه أثناء عمليات الكر والفر؛ وجهت القوات الأمنية المتمركزة في كبري المنشية، قذائف الغاز المسيل للدموع باتجاه أجساد المتظاهرين، لكنها فشلت في إيقافهم، ثم بدأ إطلاق الرصاص الحي لتفريق الحشود ومنعهم من النزول من الجسر على ناحية الخرطوم. 

الشهيد محمد عبدالمجيد في اعتصام القيادة
الشهيد محمد عبدالمجيد في اعتصام القيادة العامة - أرشيفية (فيسبوك)

يقول عضو لجان المقاومة بالجريف شرق، محمد إسماعيل، إن القوات الأمنية لم تستخدم الرصاص المطاطي، وشرعت في استخدام الذخيرة الحية مباشرة. ويصف المشهد بالقول، إن الشهيد محمد عبدالمجيد سقط جوار مدرسة "أم الشهداء" متأثرًا برصاصة في البطن. 

لم يكن الشهيد محمد وحده هو من سقط في عهد الحريات، بعد يومين توفى متأثرًا بجراحه الشهيد الثاني حسين عبدالقادر، نتاج ثلاثة رصاصات متفرقة على الجسد. 

ويؤكد محمد إسماعيل وجود خمسة جرحى في مستشفى شرق النيل، بإصابات متفاوتة. إضافةً لوجود عدد من المعتلقين الذين لم يطلق سراحهم حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: اجتماع بين السودان ومصر وإثيوبيا لمناقشة استئناف مفاوضات سد النهضة

فيما يرى محمد إسماعيل أن النظام القديم لم يسقط بعد، ويقول إن الوجوه تغيرت، لكن النظام لم يشهد تغييرًا. ويضيف متابعًا "شهدنا في مواكب 21 أكتوبر ذات الوحشية والقمع الذي كان يمارسه علينا النظام القديم".

لجان المقاومة: اعتصام الجريف شرق قام من أجل قضية معينة وهي أخذ القصاص من قاتلي الشهيد محمد عبدالمجيد

وكتبت لجان مقاومة الجريف على صفحتها الرسمية قائلة: "اعتصام الجريف شرق قام من أجل قضية معينة وهي أخذ القصاص من قاتلي الشهيد محمد عبدالمجيد، فمطالبنا معلومة للكل ولها سقف زمني محدد  لتلبية هذه المطالب، ونؤكد ونكرر أن هذا الإعتصام لا يمثل أي جهة سياسية أو حزبية ولا يخدم أي أغراض سياسية، وإنما قام من أجل مطالب محددة. كما نؤكد أن هذا الاعتصام لا يتلقى دعمًا من أي جهة حزبية أو غيرها  كما يُرَوّج له، فمصدر دعمنا الوحيد هو مشاركات الثوار".

المطالب

حددت لجان المقاومة بالجريف شرق، عددًا من المطالب، وتمثلت في إقالة مدير شرطة شرق النيل في فترة زمنية أقصاها (24) ساعة، والكشف عن القوات التي أطلقت الرصاص على الشهيد والمصابين، وقائد القوات ووكيل النيابة المرافق لها، والجنود حاملي السلاح الناري في ذلك اليوم، وإعلان تنفيذ المطالب أعلاه عبر بيان رسمي لوالي الخرطوم في مدى زمني لا يتعدى (48) ساعة.

الجدير بالذكر، أن المدة الزمنية التي حددها القائمون على الاعتصام للاستجابة لمطالبهم؛ انقضت دون صدور إعلان رسمي بتنفيذ أي من المطالب المذكورة. 

كما رصدت المحررة غياب أجسام بقية لجان المقاومة في مناطق الخرطوم عن الاعتصام، وبحسب مراقبين للشأن العام، كان يتوقع أن تسير لجان المقاومة المختلفة المواكب لمناصرة قضية اعتصام الجريف شرق، مع ذلك نشهد غيابها الواضح عن المشهد، وغياب الأحزاب السياسية، حيث لم يصدر أي بيان سياسي من أي حزب يدين مقتل شهداء الجريف.

ووفقًا لعضو لجان المقاومة بالجريف شرق، مهيمن الطيب، لم يعلنوا التصعيد الثوري بعد، وإنه في حال صدور هذا الإعلان؛ فإن مدينة الخرطوم ستشهد مواكب غير مسبوقة، وأكد على تواصلهم الدائم مع بقية اللجان والتنسيق المشترك إلى حين تنفيذ جميع المطالب. ويجيب مهيمن على سؤال انقضاء المدة الزمنية بالقول إن المفاوضات مع والي الخرطوم تسير بصورة جيدة، فيما أرسل النائب العام لجنة أمنية مكونة من عدد من وكلاء النيابات عصر الإثنين، للاستماع للشهود ومعاينة موقع الجريمة وجمع الأدلة، وتعهدوا بالإسراع في إعلان نتيجة التحقيق دون تحديد موعد زمني، ويضيف مهيمن أن الاعتصام سيظل قائمًا إلى حينها.

ثلاثة أجسام واعتصام واحد

ووجه عضو لجان المقاومة بالجريف شرق، النذير عبدالقيوم، رسالة لمسؤولي الحكومة الانتقالية قائلًا، إن قتلى الجريف سيكونون آخر الشهداء في الحكم المدني، وإذا وجهت رصاصة أخرى لصدر مواطن سوداني أعزل، فإن الخرطوم كلها ستكون ميادين اعتصام. 

ورفض عضو لجان المقاومة الاعتراف بالأحزاب السياسية قائلًا: "لدينا مطالب واضحة، إذا ارادت الوقوف إلى جانبنا مرحبًا بها". 

وفي ذات السياق، قال النذير عبدالقيوم، إن الدعوة لـ"صبة" داخل الميدان لم يعلن عنها بعد، لذلك تجدهم يكتفون بخيمة واحدة لإدارة شؤون الاعتصام. وأكد أن لجان المقاومة الأخرى تنتظر إشارة منهم لبدء اعتصام شامل ومفتوح.

اقرأ/ي أيضًا: البرهان والترويج للتطبيع: المبادرة من العسكر والقوى الحزبية تم مشاورتها

من جانب آخر، تشهد منطقة الجريف شرق وجود ثلاثة أجسام، وهي "لجان المقاومة بالجريف شرق، اللجنة العليا لاعتصام الجريف شرق، وتجمع أهالي الجريف شرق"، وبينها اختلافات في الرؤى والأفكار. وعند سؤال لجان المقاومة بالجريف شرق، أكدت لجان المقاومة بأنها الجهة الوحيدة القائمة على أمر الاعتصام، ورفضت توضيح طبيعة الخلاف بين الأجسام الثلاثة. 

كانت لجان المقاومة بالجريف شرق قد نفت إصدارها أي بيان حول نقل اعتصامها المقام على جسر المنشية

وكان قد انتشر على نطاق واسع مساء الأحد المنصرم، بيان باسم اللجنة العليا لاعتصام الجريف شرق، تحدث عن رفع الاعتصام في منطقة جسر المنشية اعتبارًا من الأحد وإعطاء الجهات المسؤولة هدنة ثلاثة أيام لإثبات حسن نواياها، ولكن لجان المقاومة بالجريف شرق نفت إصدارها أي بيان حول نقل اعتصامها المقام على جسر المنشية شرق العاصمة الخرطوم، وقالت إن جميع الأخبار والبيانات الرسمية لاعتصام الجريف شرق تصدر عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" فقط، وأضافت: "أي بيانات صادرة من مصدر آخر أو منصة لا تمثل صوت الاعتصام".

اقرأ/ي أيضًا

لجان مقاومة الجريف شرق تنفي نقل اعتصامها من جسر المنشية

توجيه تهمة القتل العمد لرائد بالدعم السريع في قضية دهس الشهيد حنفي