16-يوليو-2022
أحداث عنف في دارفور

أحداث عنف في دارفور

التحق إقليم النيل الأزرق شرقي السودان، بالولايات التي تشهد تفلتات أمنية وأهلية واسعة النطاق في البلاد.

وارتفعت حصيلة ضحايا العنف القبلي في محلية "قيسان" بالنيل الأزرق إلى (31) قتيلًا و(39) مصابًا، فضلًا عن إتلاف (16) محل تجاري – بحسب بيانٍ للجنة الأمنية للإقليم.

محلل سياسي يحذر من استمرار محاولات توظيف القبلية والإدارة الأهلية للعب أدوار سياسية ليست من اختصاصها

 وصدر قرارٌ من اللجنة الأمنية بحظر التجوال بمحليتي "الدمازين" و"الروصيرص" من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي ومنع التجمعات "غير الضرورية" على أن تستمر هذه الإجراءات إلى حين استتاب الأمن.

يمثل ما يجرى الآن في إقليم النّيل الأزرق امتدادًا لظاهرة "النزاعات القبلية المسلحة" في السودان. وأخذت هذه النزاعات منحىً خطيرًا بتحولها من نزاعات محدودة على المراعي ومصادر المياه إلى حروب أهلية وصراعات متتالية سقط ضحيتها آلاف القتلى، ما عمّق حالة العداء بين القبائل خاصةً تلك المتجاورة ومتشابكة المصالح.

واتهمت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مكونات الانقلاب بالتسبب في النزاعات الأهلية الراهنة.  ولفتت إلى أن أشكال "التحشيد القبلي والجهوي القائم على كراهية الآخر" التي ينتهجها قادة الانقلاب في أنحاء مختلفة من البلاد، قد تؤدي إلى "تغذية الضغائن والمرارات" وزيادة الاحتقان والتوتر بالبلاد، محذرةً من إمكانية تطورها "في حالة تنامي وتصاعد هذا الخطاب" إلى إشعال حرب أهلية شاملة.

https://t.me/ultrasudan

وفي بيان، حملّت لجان مقاومة الروصيرص الحركة الشعبية مسؤولية سقوط الضحايا في الولاية. وقالت إن الأحداث "نتاج طبيعي للصراع بين شقي الحركة الشعبية" في ظل الانقلاب العسكري بالسودان.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، قال خميس عبدالله والي غرب دارفور التي شهدت صراعًا قبليًا راح ضحيتها  المئات وخلفت آلاف النازحين خلال النزاعات التي اندلعت في "كرينك" والجنينة. قال الرجل الذي يرأس إحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا فوق موقعه واليًا لغرب دارفور: إنه "لا يتشرف بأن يكون واليًا في دولة غير قادرة على حماية مواطنيها"، لافتًا إلى أن ما يحدث في الولاية منذ 2019 "لا يتعلق بمشاكل قبلية" وأن الحكومة السودانية "على علم بما يحدث".

وحمّل والي ولاية غرب دارفور السلطة الانتقالية بالسودان مسؤولية أحداث العنف المسلحة التي وقعت في منطقة "كرينك" شرقي مدينة الجنينة، مهددًا بالاستقالة من منصبه. وقال "لا يمكنني أن أبقى واليًا في منصبي والقوى العسكرية التابعة للدولة لا تستطيع حماية المواطنين السودانيين في الولاية". وهي الاتهامات نفسها التي تطارد القوات الرسمية في إقليم النيل الأزرق هذه الأيام.

وتثير هشاشة الأوضاع الأمنية والعنف المتفاقم أسئلةً حول مدى جدوى توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركات المسلحة في العاصمة جوبا؟

يطالب الحزب الشيوعي صراحةً بإلغاء اتفاق جوبا للسلام الذي "عجز عن إيقاف نزيف الدم السوداني". ويشدد الحزب على ضرورة إلغاء الاتفاق الذي أعلن الحزب عن رفضه القاطع له منذ توقيعه في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لجهة أنه "يشعل الحرب ولن يحقق سلامًا بالبلاد". ووصف الشيوعي الاتفاق بأنه "اتفاق محاصصة ولم يلتفت لمطالب النازحين"، مشيرًا إلى أنه ساهم في المقابل في زيادة المليشيات العسكرية المتورطة في الصراعات القبلية.

ويحمّل رئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي بابكر فيصل المكون العسكري مسؤولية الانهيار الأمني ينفي البلاد من خلال عجزه عن  فرض هيبة الدولة وحماية أرواح المواطنين باعتبارها "مسؤوليته الأساسية" التي انشغل عنها بملاحقة مواكب الثورة الرافضة للانقلاب – وفق تعبيره. ويشير فيصل في تصريحٍ لـ"الترا سودان" إلى تباطؤ المكون العسكري في تنفيذ مطلوبات اتفاق السلام، خاصةً ملف الترتيبات الأمنية وتكوين جيش قومي واحد، لافتًا إلى قيامه بدلًا عن ذلك بتوظيف الحركات المسلحة والتحالف معها لتدبير انقلابٍ على الوثيقة الدستورية.

ولدى مخاطبته لوحدات من الجيش بولاية نهر النيل في وقت سابق، قال القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إنهم ورثوا "الصراعات القبلية" التي تحدث الآن في أجزاء من البلاد عن الحكومة الانتقالية، مشيرًا إلى "تكالب الأحزاب السياسية على المناصب وكراسي الحكم متناسيةً ما يدور في ربوع البلاد".

ومنذ الانقلاب على الأوضاع الدستورية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يكيل قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان الاتهامات للحكومة الانتقالية والأحزاب السياسية، متهمًا الأخيرة بالسعي إلى تحقيق "مصالحها الخاصة" وتجاهل المشكلات التي تعاني منها البلاد.

وأدانت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) "أعمال العنف" في النيل الأزرق، محمّلةً السلطة الانقلابية المسؤولية "الكاملة" عن تجدد أحداث العنف في معظم أنحاء البلاد.

وقال بيانٌ للمكتب التنفيذي للحرية والتغيير، اطلع عليه "الترا سودان" اليوم، إن تلك الأحداث ما هي إلا نتيجة لما أسماه "حريق الانقلاب" الذي يهدد جميع البلاد في وحدة أراضيها ونسيجها الاجتماعي – على حد تعبير البيان

 وأضاف البيان أن هذه الأوضاع الأمنية "المتردية" هي نتيجة حتمية لفشل السلطة الانقلابية في توفير الأمن للمواطنين وفرض هيبة الدولة، مضيفًا أنه لا مناص من معالجة هذه الأوضاع "المتأزمة" إلا بإسقاط الانقلاب وإقامة "سلطة الحرية والسلام والعدالة" – وفقًا للبيان.

ويرى الصحفي محجوب محمد صالح المعروف بعميد الصحفيين السودانيين، "فرقًا كبيرًا" بين النزاعات القبلية التي تحدث الآن وتلك التي شهدها السودان في فترات سابقة؛ فالصراعات السابقة كانت تحدث -بحسب محجوب- في دولة تفرض سيطرتها على أرض السودان، بينما الصراعات الحالية تدور في دولة تتجاذبها حروب في عدد من الولايات، فيما تقف الدولة عاجزةً عن بسط سيطرتها على جميع أراضيها.

ويحذر محجوب في مقاله "البحث عن الحلول الجذرية للصراعات القبيلة" المنشور في أيار/ مايو الماضي إلى تصاعد "ثقافة الحرب" وانتشار السلاح "غير القانوني" وزيادة عدد المليشيات وتدهور الاقتصاد وزيادة الغبن الاجتماعي واتساع الهوة بين أصحاب الثراء المستحدث وعامة الناس وارتفاع درجة إحساس الأقاليم بالظلم والتهميش.

ويري أن الصراع القبلي "لم يعد أمر (جودية) ولا مجالس صلح تنمق الكلمات". ويضيف: "لا بد من عملية جراحية شاملة تعيد للجسم السياسي والاقتصادي والاجتماعي صحته وعافيته"، قائلًا إنه من دون ذلك "ستتصاعد الصراعات ولن تجدي المواجهة العسكرية".

وعقدت السلطات عشرات المصالحات الأهلية في سبيل السعي لوضع نهاية للصراعات بين المكونات الاجتماعية من دون أن تنجح في إيقاف نزيف الدماء.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، وصل قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى مدينة الجنينة. ونقلت عنه وسائل إعلام إنه "لن يعود إلى الخرطوم قبل معالجة جميع القضايا والمشاكل القبلية بولاية غرب دارفور". وشهد دقلو بالجنينة تخريج الدفعة الأولى من قوات حماية المدنيين في دارفور.

وتُتهم قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني "حميدتي" بمحاباة "القبائل العربية" ودعمها في الصراعات القبلية.

ويحذر المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور مصعب عبدالقادر في حديثه لـ"الترا سودان" من استمرار "محاولات توظيف القبلية والإدارة الأهلية للعب أدوار سياسية ليست من صميم اختصاصها". ويفسر ما يجرى الآن بأنه "ردة فعل طبيعية لحالة الاستقطاب الحاد" في الفترة السابقة من قبل جماعات سياسية ترى في هذه المجموعات الاجتماعية روافع لممارسة السلطة والحكم.

ورغم تعهد الحكومة بحماية المدنيين ضمن خطة وطنية جديدة للحماية والأمن، تتضمن نشر قوات مشتركة وتعزيز محاسبة المعتدين، إلا أن الوضع العام ما يزال مرشحًا لمزيد من التصعيد الدموي.

وأشار مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في تقرير سابق، إلى ازدياد أعمال العنف في السودان إثر "القتال الدامي" الذي خلف عشرات القتلى والجرحى في غرب الإقليم، وإلى وقوع ذلك "تحت نظر القوات الحكومية".