01-نوفمبر-2023
البرهان وحميدتي وحرب السودان

شهد السودان حروبًا أهلية متطاولة منذ استقلاله في 1956 (ألترا سودان)

في حلقة سابقة لهذه الكلمة، ضمن سلسة "الحرب على السودان من رحم الجيش"، زعمت أن الموقف الصحيح في ظل الأوضاع الحرجة التي نعايشها اليوم، من عدم نضوج حركة الجماهير بالقدر الكافي للاتكاء عليها بالكامل (مع التذكير بوجوب الاستثمار فيها، لأنه من الاستثمار في مستقبلنا)، رغم كفاحها الذي لم ينقطع، هذا من جانب؛ ولإفلاس المشاريع السياسية الحزبية وعجزها عن التدخل في تغيير الراهن لمصلحة الناس من جانب آخر (للقدر الذي بلغت فيه الأوضاع درجة حادة من الانقسام الاجتماعي) – تظل الدولة ومؤسساتها هي نقطة ما للبداية منها، ننتقد ما بها من علل ونقوّم، ونقول إنها من أوصلنا أصلًا إلى هذه اللحظة (حسب ما أشرت في الحلقة البادئة لهذه الكلمة)، وفوق ذلك كله لا نتركها نهبًا لمطامع المشاريع الخاصة، على الرغم من تاريخها الدامي والمميت.

حرب اليوم بقدر ما هي بنت تاريخنا السياسي الداخلي، بقدر ما هي بنت الأجندة الدولية والإقليمية ومطامعها غير المشروعة في السودان

لكن عدم الاكتراث بانهيار الدولة هو عقيدة مجموعات مشاكسة من البرجوازية في تيارات اليمين واليسار لها بدائلها المصانة للحياة في الخارج، ولذلك –وبلا أدنى حس بالمسؤولية منها تجاه الناس ولا تجاه هذه اللحظة التاريخية الخطرة بحق– جعلت من ساحة الحرب ساحة معركة أخرى لضمان وجودها هي لا غيرها في اليوم التالي لانتهاء الحرب. وهي معركة خطابات جزافية احتلت حيزًا كبيرًا من المتن بعد أن كانت في التخوم، وهذا أمر جالب للضحك.. الضحك من البلاء الشرير، وهو كما يذكر أبو الطيب "ضحك كالبكاء". ولذلك فنحن نفهم –بأسىً واغتمام جللين– مواقف هذه الأطراف من الحرب، بدعمها أو باتخاذ الحيدة منها، على أنها مواقف تكتيكية في خضم الصراع السياسي، الغرض منها الوصول إلى السلطة بسكة مختصرة وبلا مشروعية شعبية تسبب لهم وجع دماغ من عامة الناس (أسياد اللحم والراس).

تحاول قوى الحرية والتغيير الإبقاء على المعادلة ذاتها من صيغة تعدد الجيوش التي طرحتها في الاتفاق الإطاري، وهي نفس المعادلة التي كانت نتيجتها الحرب، بينما يحاول الإسلاميون –في المقابل– أن يوسعوا من وجودهم الذي استعادوا طرفًا منه في انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021، من خلال دعاية مفادها أنهم الفصيل السياسي الوحيد الذي يقف مع حماية الدولة في وجه فصائل العمالة وقوى انحلال الدولة، فيما أسموه "معركة الكرامة". لكن ما يفضح هذه المواقف، هو الخطاب السياسي الذائع عند كل من الخصماء، وهو خطاب يدور أساسًا حول الغريم السياسي ومحاولة تجريمه، أكثر من محاولة الالتفات لحمَلة السلاح وللحرب وآثارها على المواطنين. وللمفارقة، فإن هذه الجماعات هي التي ظلت تستأثر بالدولة وأجهزتها طيلة تاريخ السودان الحديث في تحالفاتها مع ضباط القوات المسلحة والإدارات الأهلية والمليشيات في الأطراف.

https://t.me/ultrasudan

صحيح أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى في عبارة لكلاوزفيتز، لكننا اليوم نشهد سياسةً هي امتداد للحرب، ما يضع القوى السياسية كلها في سلة المتفاعلين، لا الفاعلين، بخلاف ما ظل يردد التحليل الرائج. فالانقلاب في منطق هذا التحليل الرائج –على سبيل المثال– كما يشرح تهافته بسخرية بالغة البروفيسور عبدالله علي إبراهيم، هو ضرب من وَسوَسة القوى السياسية يخضع لها ضباط الجيش المساكين بلا حيلة منهم ولا وكالة. وهذه نظرة موغلة في السذاجة، وهو ما يذاع اليوم من وسوسة قحت للميليشيا أو وسوسة الإسلاميين للجيش، وهي صيغة كما نرى تخلي ساحة اللجنة الأمنية وقادة مليشيا آل دقلو من أي مسؤولية، ولا تحمل لهم موقعًا أو توصيفًا سوى أنهم موسوَسين من شرار الساسة المدنيين.

وعمومًا، هذه العقيدة غير المكترثة بانهيار الدولة، لن تسعفنا في تجاوز إعادة إنتاج الحرب مرة بعد أخرى، متى توقفت المعارك الدائرة من حرب نيسان/أبريل 2023 وفق ما نأمل. ولذلك فإن واجبنا ليس فقط إنهاء الحرب كيفما اتفق – كما تنادي بعض الجماعات التي ترفع شعار الحياد اليوم، وهي بهذا الشعار تريد أن تعيدنا إلى ما قبل 15 نيسان/أبريل الماضي، وهي اللحظة التي شارك في صناعتها قادة القوات المسلحة، في اليوم التالي لفض اعتصامات الجماهير المنتظمة في ثورة ديسمبر، عندما كافأت مليشيا الدعم السريع على تقتيلها لهم بإلغاء المادة الخامسة من قانونها والذي يقضي بتبعيتها للجيش، وهي نفس اللحظة التي توجتها قوى الحرية والتغيير بوضع الدعم السريع في الوثيقة الدستورية جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة. كما أن واجبنا ليس أن ننهي الحرب بالطريقة التي تنادي بها بعض الجماعات التي ترفع شعار الحسم العسكري لا غير، والتي تريد بهذا الشعار أن تعود إلى موقع السلطة من خلال بوابة دعمها للجيش، وهو ما ترفعه اليوم ذات الجماعات من الإسلاميين التي أسست لوجود مليشيا الدعم السريع في صيغته القانونية أصلًا، وهي نفس الجماعات التي اجتمعت في اليوم العاقب لوقوع الثورة مع "حميدتي" تريد أن تعقد تحالفها معه لتنقضّ على ثورة السودانيين في تقرير أذاعه "مونتي كاروو" وقتها.. لكن ما أن ابتعد "حميدتي" عنها وتقارب مع خصومها دبجت فيه عبارات العمالة والخيانة والارتزاق، ونسيت أنها من علمته كل ذلك يوم أن صدّرت أبناءنا الذين قهرتهم الحاجة في غياب الدولة وحمايتها، ودفعتهم إلى الارتزاق عمالةً في حرب اليمن ضمن ما عُرف بعملية "عاصفة الحزم" في نيسان/أبريل 2015 من خلال مليشيا الدعم السريع.

في مقابل ذلك، ما نريده هو نهاية الحرب، وسد الباب على كل أسبابها، والخروج منها بجيش واحد، هو جيش القوات السودانية المسلحة. كما نريد ألا يضيع أبناؤنا من الذين اضطرتهم "عسكرة الإنتاج الريفي" إلى القتال في صفوف الدعم السريع سدىً، ولا نريد لأبنائنا من الواقفين في ساحات الحوض عن الوطن في صفوف قواتنا المسلحة، أن تهدر أرواحهم حيث يمكن اقتصادها – بل نريد أن ندخر لهم جميعًا، الغد كاملًا ليعرفوا أي حبٍّ قد حملناه لهم – كما في عبارة صلاح أحمد إبراهيم. نريد أن نحقن دماءهم ودماء السودانيين كافة. نريد الخروج من هذه الحرب بجيش لا يشب عن طوق التسليم لخيارات الشعب، وهو مطلب بعيد المنال من لحظتنا الراهنة، يتطلب تحققه عملًا دؤوبًا في جبهات عدة، أولها وأهمها إعادة ترتيب البيت الداخلي لتنظيماتنا القاعدية على أساس من عقيدة ديمقراطية جافتها طيلة السنوات السابقة للفترة الانتقالية، لتعالج ضمن أولوياتها العاجلة قضايا الحياة اليومية وهمومها في مساحات تحركها، تلتصق بالناس وتثق فيهم وتعمل وسطهم، فقوتهم من قوتها، وفي ضعفهم ضعفها. يترافق ذلك مع تبني اتجاهين والتبشير بهما: الأول تعلن فيه موقفها الداعم للقوات المسلحة بوصفها إحدى مؤسسات دولتها، وأنها الجهة الوحيدة التي يتوجب عليها احتكار العنف المشروع (مع الاحتفاظ بأن مشروعيتها، بل وكامل بنيتها وتقاليد ممارستها محل نقصان ونقد – ويقترن بهذا الاتجاه مطالبة باستقالة اللجنة الأمنية للمخلوع عمر البشير، مع عدم إعطاء أي ضمانات للإفلات من العقاب)، والآخر: أن تقود حملة جماهيرية تدفع فيها الجيش والدعم السريع إلى وقف الحرب، وترفع فيها شعار حل مليشيا الدعم السريع عبر التفاوض، وتدعو فيها جنود الدعم السريع إلى التسليم الفوري وعدم الانصياع لأوامر قادتهم (مع التذكر والتذكير بأن منشأ الدعم السريع هو في عسكرة الإنتاج الريفي وغياب دور الدولة في تنمية مجتمعاتها وحمايتها حتى من التغيرات المناخية المهلكة). وبما أن الجيش والمليشيا اجتمعا إلى طاولة التفاوض الآن، وهي طاولة مع كل أسف لم يؤسس لها السودانيون، يصبح واجب اللحظة أن نضغط من خلال خطاب شعبي يوافق الموقف المعلن للجيش في تمسكه بتنفيذ "إعلان جدة" كاملًا وتسهيل العمل الإنساني وعودة المواطنين إلى المدن، يترافق مع ذلك المطالبة بأن يكون الشرط الأول للتفاوض بعد تنفيذ "إعلان جدة" هو قبول مليشيا الدعم السريع بقرار حلها، والضغط على الجيش لإقالة اللجنة الأمنية، كل ذلك في أفق إطار سياسي للحل لا يغفل التاريخ الطويل لفساد ممارسات مؤسسات الدولة السودانية وأجهزتها المختلفة والإهمال والمظالم التي ترتبت عليها.

عدى عن ذلك، تكون الحرب ضرورةً لا مفر منها. ومهما يكن، فبناء الأمم ذو تكلفة فادحة، وفي تلك اللحظة يتنحى الخيار التفاوضي لإنهاء الحرب حال فشله جانبًا، لكن قبل تنحيته يكون قد محص وقتها أمر الحيدة المبدئية من الحيدة التكتيكية، كما يكون قد كشف نية المطالبة بالحسم العسكري طيبها من خبثها، وتكتسب القوات المسلحة في اليوم العاقب لتنحية الخيار التفاوضي بعد محاولة جادة لإنفاذه، مشروعيةً إضافية وجديدة للحرب تأخذها من النزول عند الخطاب الشعبي ومن عدم جدوى الحلول التفاوضية حاليًا، تتقوى بها في حربها من أجل الحفاظ على الدولة (هنا يتوجب أن نذكر أنه من غير المقبول الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة تحت أية لافتة أيًا كانت، في حربها للحفاظ على الدولة، ذلك أن حمل السلاح في الحرب تحت أية لافتة غير الجيش والقوات النظامية وإن جاءت بادعاء الحفاظ على الدولة تكون في حقيقة الأمر سهمًا في إضعافها). هذا الأفق هو ما لخص السودانيون جانبًا شديد الأهمية منه في أحد شعارات ثورتهم "السلطة سلطة شعب.. والعسكر للثكنات.. والجنجويد ينحل"، وهو بالضبط ما ظلت تخونه النخب المدنية والعسكرية بتهافتها على السلطة، وهو ما أضعفه وزعزع أوتاده تخلي تنظيماتنا القاعدية في لجان المقاومة عن التوسل بالديمقراطية للعمل وسط الناس، ريبةً منها أن تأتي بالثورة المضادة (وهي عقيدة سيئة الظن بالناس وخياراتهم لا تسعفنا لبسط العدالة وإزالة أركان الاستبداد).

نحن نعترف بأن ثمة مسافة نفسية كبيرة قامت ما بين الناس والمؤسسة العسكرية، لذا فإننا نفهم أن مبادراتنا لدعمها ستخرج دومًا مثقلة الكاهل بقلة الثقة التي ظلت تتآكل طيلة فترات حكمها نتيجة السجل المخزي لقادتها في استعمال مؤسستها للبطش بالناس من أجل مصالحهم الضيقة والتافهة. لكننا نبذل مبادراتنا، في سبيل إنهاء هذه الحرب وكل الحروب، لا من أجل الجيش ولا أعدائه، بل من أجلنا نحن الشعب؛ فإيقاف الحرب الحالية هو خطة كل من الحرية والتغيير وإسلاميي السلطة، فالمجموعة الأولى تريد إيقاف الحرب الحالية بتفاوض يعيد الدعم السريع إلى المشهد وعبر ذلك يعيدها هي، بينما يريد الإسلاميون أن ينهوا الحرب الحالية بحل عسكري ينهي الدعم السريع ويعيدهم إلى المشهد؛ لكن لا طرف يريد إنهاء الحروب كليًا، فكلا الاتجاهين نهايته حرب أخرى لا محالة.. وجود الدعم السريع في معادلة السلطة يعني عودة الحرب مرة أخرى. وعودة إسلامي السلطة رفقة مليشياتهم إلى الحكم عقب إسقاطهم المهين من السلطة بثورة السودانيين يعني عودة الحروب التي أنتجت الدعم السريع. ذلك أن الطرفين لا يملكان أي مشروع لمخاطبة أزمة الحروب الممتدة في تاريخ السودان.

ولأن بإمكاننا أن نجد جذر حرب اليوم وسابقاتها –حسب ما أشرت في الحلقة السابقة من هذه الكلمة– في تاريخنا السياسي، وتحديدًا في غياب مجتمعات بأكملها في الريف وهوامش المدن، عن أجندة يتوجب على الدولة تبنيها للتنمية الشاملة. يحدث ذلك رغم مشاركة هذه المجتمعات في تمويل غالب خزينة الدولة العامة. ولذلك، فإن شرط بقاء الدولة السودانية وانتصارها، ولا أقول الجيش، لا يكمن في الحسم العسكري لوحده، حال كان ممكنًا من الأساس (ونحن نشهد اليوم سقوط حامية نيالا وحصار أم درمان والأبيض)، بل في الحل السياسي، من خلال التمهيد لمخاطبة الأسباب التي قامت من فوقها الحرب تحديدًا.

إلى هذا الحد، فإن هذا التحليل يشوبه الكثير من القصور، إذ أنه يقوم من فوق نظر إلى تاريخ الشروط الداخلية للصراع (مع إهمال تام لشروطه ومفاعيله الخارجية)، لكن السياسة في الأساس وبدرجة كبيرة محلية. فالسياسة، وهي أحد أكبر ممكناتنا لتغيير الواقع، تبقى –في التحليل النهائي– مرهونة وبدرجة قصوى بالحد الأعلى لشروطها المحلية؛ فبقدر اتساع مساحات الخلاف وشدة حدته في الداخل، بقدر ما نفتح لشروط الخارج مساحات للتدخل والفاعلية. وهذا يعني فيما يعنيه أن أي محاولات للتدخل لتوطين أجندة خارجية بالداخل محتومة الفشل، ما لم تلاقِ التهيئة السياسية الداخلية، كان ذلك بقصد أو دون قصد. ويشهد أكثر ما يشهد السودان منذ سنين، هذه التهيئة المغرية بالتدخل الخارجي. ولذلك، فحرب اليوم، بقدر ما هي بنت تاريخنا السياسي الداخلي، بقدر ما هي بنت الأجندة الدولية والإقليمية ومطامعها غير المشروعة (وأحيانًا انتقاماتها ردًا لتدخلات سابقة في شؤونها)، وعلى وجه الخصوص ما نشهده اليوم من تدخل سافر لدولة الإمارات التي أتت بغيًا وطغيانًا، لكن دولة الإمارات لا تتحرك منفردة للتدخل في تهديد أمن دولة السودان ومصيرها الوجودي، بل تعمل بسند وتنسيق تامين مع دول من الإقليم.

إن الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وقيامها بواجباتها في الحماية، لا بمفهومها المتصل بالمؤسسات الأمنية فقط، إنما أيضًا بمفهومها الاجتماعي المتصل بسد حاجات الناس من المأكل والمشرب والمأوى والصحة والذي غايته في التحليل النهائي تعزيز جوة حيوات الناس، رغم كون كل ذلك يأتي بحسبانه ضرورة لإنهاء الحروب (وحرب اليوم ضمنها)، فهو ربما يكون –مع كل أسف– غير كافٍ لتجنب الحرب المقبلة، ولا حتى تبني التوجه التنموي الشامل في السودان (أعني داخل حدوده فقط) رغم كونه ضرورة في ذاته، إلا أنه –وعلى الأرجح– لن يكون كافيًا أيضًا لإيقاف الحرب المقبلة، فالعوامل الخارجية للحرب، وهي مما لم تتناوله هذه الكلمة، أصبحت اليوم ذات أثر كبير وفارق. لذلك، وعلى غرار ما اقترحته ورقة الجزولي وتوماس من ضرورة ربط نضالات الحضر بالريف، لا بد من موقع مهم في أجندة تنظيماتنا السياسية (الحزبية منها والقاعدية) ومؤسسات تفكيرنا في السياسة، نوسع به حدود النقاش السياسي عندنا بما يتناول وعينا بالإقليم وموقعنا فيه، ونجيب فيه عن سؤال كيفية ربط نضالات الشعوب الأفريقية من أجل الحرية (الحرية التي تبدأ حيث تنتهي الحاجة الملحة والعوذ) أو الربط بين تنمية تلك الشعوب إن شئت، وأن يضعه ضمن آفاقها الأساسية. إلى مثل هذا المعنى يحيلنا فرانسيس دينق في كتابه: (Bound by Conflict: Dilemmas of the Two Sudans) أو ما يمكن تعريبه إلى "رابطة الصراع: معضلات السودانيْن"، عندما يشير إلى أن استقلال جنوب السودان عن السودان، لم ينهِ الصراع بين البلدين، فبدلًا عن الصراع داخل السودان الموحد، ظلت السلطة في البلدين تغذي أحد أطراف الصراعات الداخلية في البلد الآخر. لذا، فهو يقترح رابطة بديلة لرابطة الصراع. هذا بالضبط ما نحتاج إليه ضمن آفاقنا التي لا نساوم عليها، سمها أممية، أو أفروعمومية، سمها خلافة إسلامية أو ما طاب لك من الأسماء.. المهم أنها رابطة للنماء. ولتتذكر، أنك لن تعيش آمنًا مطمئنًا ومحيطك يغلي ويتفجر. والأهم أنك لن تسلم أبدًا من الانتقام عندما يكون لك سهم أصيل في زعزعة محيطك، باعتقاد أنه ستنبسط لك السلطة عليه ويستتب لك الأمر. ربما هذا يحدث لبعض الوقت، لكنه لا يدوم. فإن كانت البادئة لك، ستكون العاقبة عليك. وهو ما نشهد طرفًا من فاجعته التي وقعت على السودانيين بحرب المليشيا عليهم اليوم.