بالرغم من أن السودان استن منذ العام 1958، قانونًا يحرم التعامل مع إسرائيل، إضافة إلى أن السودان ظلّ أحد أكثر البلدان مساندة لقضية فلسطين، إلا أن السودانيين تفاجؤوا مساء الجمعة بتأكيد تطبيع العلاقات مع "إسرائيل". وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية كانت قد أكدت أن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، غير مرتبط بالتطبيع مع إسرائيل، كما صرحت جهات رسمية عديدة، إلا أن التطبيع جاء متزامنًا مع الخطوة، مما يرجح أنه كان أحد شروط إزالة السودان من القائمة، وربما لم تعلن الحكومة الانتقالية ذلك تخوفًا من الغضب أو الانتقادات من القوى السياسية والاجتماعية الممانعة للتطبيع.
لم يمنع غياب المجلس التشريعي الحكومة الانتقالية في السودان من اتخاذ الخطوة رغمًا عن تصريحات رئيس الوزراء السابقة
ولم يمنع غياب المجلس التشريعي الحكومة الانتقالية في السودان من اتخاذ الخطوة رغمًا عن تصريحات رئيس وزرائها ردًا على طلب وزير الخارجية الأمريكي في آب/أغسطس الماضي،قائلًا إن الحكومة الانتقالية غير مخولة للبت في أمر العلاقات مع إسرائيل، وأن قضية بهذا الحجم يمكن أن تبت فيها الحكومات المنتخبة فقط.
اقرأ/ي أيضًا: اصطفافات جديدة.. رفع الدعم على مواقع التواصل الاجتماعي
واستبق الإعلان الرسمي على الخطوة، مظاهرات غاضبة على مجمل الأداء الحكومي، ومن ضمن الشعارات التي ترددت في المظاهرات التي خرجت في ذكرى ثورة 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1964؛ شعارات مناهضة للتطبيع، كما تداول المتفاعلين، مقطعًا يظهر متظاهرين سودانيين يحرقون العلم الإسرائيلي ضمن الاحتجاجات على الأداء الحكومي التي قامت في العاصمة الخرطوم.
ونشط سودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، في النشر تحت وسوم "#السودان_ضد_ التطبيع" و "#سودانيون_ضد_التطبيع"، كما خرجت مظاهرات رافضة للتطبيع في بعض الأحياء السكنية بالخرطوم.
وتداول السودانيون على نطاق واسع، صورًا للجواز السوداني القديم، والذي كان يحمل ختم "كل الأقطار عدا اسرائيل".
وألمحت هبة الله، في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إلى أن خطوة التطبيع تمت تحت إهمال الحكومة لإرادة الشارع السوداني الرافض للتطبيع، مشيرة إلى أن الخطوة قد تهدد تماسك القوى السياسية التي قادت الثورة، كون أن أحزابًا لها ثقلها السياسي ترفض التطبيع.
وفي أول ردة فعل رسمية لحزب الأمة القومي، قام زعيمه الصادق المهدي بالانسحاب من مؤتمر تنظمه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، كما هدد بسحب اعترافه بالحكومة الانتقالية.
وكتبت الناشطة السياسية شاهيناز جمال معبرةً عن أن قرار التطبيع لا يتماشى وروح الثورة السودانية، وأن الموقف ضد التطبيع لا يستند فقط على أن القضية عربية، قائلةً إن رفض العلاقات مع إسرائيل يعود لأنها دولة محتلة، بغض النظر عن الدولة التي تحتلها.
ولا يستبعد أحمد محمد إبراهيم، أن تكون الحكومة الحالية قد تعمدت حالة استفحال الأزمة الاقتصادية بغرض تمرير خطوة التطبيع.
وأشار عمادالدين عيدروس، إلى أن الخطوة قد تجر على السودان تدخلات سياسية من قبل أمريكا وإسرائيل، تعمل على خلق نظام ديكتاتوري لضمان عدم الانقلاب على الاتفاقيات الموقعة.
وتساءل الكاتب والناشط أحمد الشريف، مطالبًا توضيح الآلية التي سيكون بها التطبيع تكريسًا لحكم العسكر
وكتب محمد حسبو تعليقًا على منشور أحمد الشريف، أن الخطوة ليست تكريسًا لحكم العسكر وإنما تكريسًا للطبقة الحاكمة بشقيها المدني والعسكري.
في جانب آخر، يرى الناشط السياسي والقيادي بحركة حق، خالد بحر، إن العلاقة مع إسرائيل بها جانب قانوني يستند على قرار الأمم المتحدة (181) الصادر في العام 1947 والذي، بحسب خالد، يمنح الشرعية لقيام إسرائيل، لكنه يرى أن الصراع مع إسرائيل يتمحور حول انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب النكسة 1967.
وعلى ما يبدو، فإن الخطوة التي أعلنتها الحكومة السودانية، سيكون لها ما بعدها، إذ ما زال النقاش محتدمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التغيّرات العديدة التي سيخلقها القرار في الأوساط السياسية والقوى الفاعلة، خصوصًا أن الحزب الشيوعي ذو الثقل السياسي أعلن مقاومته للخطوة بعدد من الوسائل، من ضمنها ما وصفه بالخطوات الثورية، كما أعلن حزب البعث السوداني مساء أمس السبت، سحبه لدعمه للحكومة الانتقالية، كما دعا لتكوين جبهة لمناهضة قرار التطبيع الذي تم اتخاذه بمباركة الشريكين في الحكم.
اقرأ/ي أيضًا: تلويحات أخيرة لروح المسرحي ياسر عبداللطيف
الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية ممثلة في قوى الحرية والتغيير منقسمة بالنسبة للموقف من مسألة التطبيع، وهو انقسام متوقع من التنظيمات السياسية في السودان، وأعلنت الأحزاب المناهضة لاتجاه الحكومة الانتقالية بالنسبة لهذه القضية، بأنها ستقوم بتكوين أكبر كتلة لمقاومة القرار.
ما تقوله هذه المؤشرات هو أن القرار الذي اتخذته الحكومة الانتقالية يتناقض واتجاهات الرأي العام في السودان
هذا بالنسبة للأحزاب السياسية، أما بالنسبة للرأي العام في السودان، فقد أكد المؤشر العربي للعام (2019 - 2020) أن الغالبية العظمى من السودانيين ترى أن القضية الفلسطينية هي قضيتهم ولا يعترفون بـ"إسرائيل"، وقال المؤشر والذي تم نشر نتائجه الثلاثاء 6 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، إن (79) % من السودانيين يرفضون الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، مقابل (13) % يؤيدون ذلك. ما تقوله هذه المؤشرات هو أن القرار الذي اتخذته الحكومة الانتقالية، يتناقض واتجاهات الرأي العام في السودان، وهو الأمر الذي سيكون له تبعاته على برنامج الانتقال الديموقراطي في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا