07-أكتوبر-2020

ياسر عبداللطيف (مواقع التواصل)

الثلاثاء الماضية، وبعد معاناةٍ لم تستمر طويلًا مع المرض، والعناية المكثفة، أسلم المخرج المسرحي ياسر عبد اللطيف روحه بعد حياة فنية عامرة بالتفكير للمسرح، وإنتاج الأعمال المفارقة للعادي. كان أمينًا لمشروعه الفني، حتى أيامه الأخيرة. وكانت آخر أعماله على خشبة المسرح، "تجنيد إجباري"، التي أعادت مسرحة الوثيقة السياسية. وبسببها رُفعت دعاوى في حقه، في قضية فارق الحياة ولم تفصل فيها المحكمة.

اغترب ياسر عبداللطيف في سوريا عقب فصله من المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالسودان

الخسارة الكبيرة، في رحيل المخرج المسرحي، ياسر عبد اللطيف، عبّر عنها الكثير من زملائه المسرحيين، وتلاميذه في مشاريعه المسرحية التي انخرط فيها في السنوات العشر الأخيرة في السودان، عقب مجيئه من غربته التي امتدت لعقودٍ طويلة. بدأت سنوات المغترب عقب فصله من المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالسودان، رفقة عددٍ من زملائه، لكنه غادر بعدها لإكمال دراسته في المسرح، بالمعهد العالي للفنون المسرحية بسوريا، الذي تخرج فيه في 1993م. وزامله بالمعهد العديد من المسرحيين السوريين، أمثال: باسم ياخور، قاسم ملحو، شكران مرتجى وغيرهم. بل ونتيجة لتفوقه على أقرانه أثناء دراسته بالمعهد تمّ تعيينه أستاذًا لمادة التمثيل، واستقرّ بسوريا لعشرين عامًا، بعدها غادر قافلًا إلى بلده السودان في 2009.

اقرأ/ي أيضًا: ناشطون يعتبرون النتائج التي كشفها المؤشر العربي بشأن السودان تقدمًا ملحوظًا

وطوال فترته التي قضّاها في سوريا، اندمج في المجتمع المسرحي السوري، مدرسًا لفن التمثيل، ومشاركًا بالتمثيل في عدد من الأعمال المسرحية والمسلسلات التلفزيونية. حيث ما يزال العديد من المشاهدين السوريين يذكرون له شخصياته التي أجادها. شخصيات مثل: ياقوت، في المسلسل التاريخي الزير سالم. وكذلك شخصيات مثل: شكازولو بسلسلة مرايا، وصلاح الدين، وذكريات الزمن القادم.

وفي السنوات التي قضاها ياسر عبد اللطيف عقب مجيئه من سوريا، اندغم سريعًا في التأليف والإخراج المسرحي. كان همه الشاغل الارتقاء بالمسرح السوداني، وإنتاج أعمال مسرحية تُساهم في رفع درجة الانتباه بالمسرح السوداني عقب سنوات من الإهمال المتعمّد والمقصود بتخطيط من جانب الدولة ذات التوجه الذي يعتبر المسرح حمولةً مجتمعية زائدة. وفي جانب آخر، أحد الأدوات المحرّضة على السلطة وتوجهاتها.

من باب الهم، تكتب هادية حسب الله، الأستاذة بجامعة الأحفاد للبنات، في تلويحاتها الأخيرة لوداع ياسر عبد اللطيف، وتصفه بالمنحاز للحق، وصاحب المشروع. تكتب هادية على فيسبوك: "قبل ثلاث سنوات، كان المرحوم ياسر عبد اللطيف، يقوم ببروفة مع طالبات الأحفاد استعدادًا لعرض مسرحي في احتفالات أسبوع المرأة. كان موضوع المسرحية يدور حول جرح كرامتنا، عندما سقطت معلمة تحت جدران حمام في مدرسة. وحدهم كانوا الشجعان يفكرون بعرض مثل عرضه بذلك الوقت، فكلاب الأمن كانوا يجوبون حولنا متشممين رائحة الثورة".

 

ودعناك الله يا ياسر، يا دفعة، يا فردة استعجلت في الرحيل، ولا نقول الا ما يرضي الله تعالى ،ربنا يرحمك يا ابو ماريا...

Posted by Hadya Badraldin Mohamed on Wednesday, September 30, 2020

 

يترصّد ياسر عبداللطيف، لحظات منفعلة بالإنسانية من حيوات السودانيين اليومية، فيُحوّلها إلى أعمال مسرحية. فعل ذلك في حادثة وفاة احدى المعلماتْ، قبل أعوام، حيث انهدّ عليها حائط جُدران المرحاض المدرسي. وفعل ذلك مستلهمًا حادثة غرق عدد من مجندي الخدمة العسكرية الإجبارية، أثناء هروبهم من المعسكر بسبب المعاملة القاسية من العسكريين المشرفين على المعسكر، فحوّل هذه الحادثة إلى مسرحية، أسماها: "تجنيد إجباري". ومباشرة عقب المسرحية، رُفعت ضده دعوى اشانة سُمعة، من أحد قيادات الإسلاميين، الذي يتردد وقتها أنه له صلة بمعسكر العيلفون الذي دارت فيه الأحداث.

يصف طلال عفيفي، الكاتب والمهتم بالسينما في السودان، ما قدّمه المسرحي ياسر عبد اللطيف، السنوات التي قضّاها في الفعل المسرحي في السودان، كونه يفعل ذلك كأنّه "جسر من جسور المسرح السوداني للعبور". ويُضيف عفيفي على فيسبوك، تعليقًا على حادثة المسرحية، ومقاضاة المسرحي ياسر عبد اللطيف: "حتى وفاته، كان ياسر عبد اللطيف قيد المحاكمة التي بدأت في 10 آذار/مارس 2020، وتمت تسميته متهمًا في بلاغ مدون ضده من السفير كمال حسن علي، تحت المادة (159) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 "إشانة السمعة". وكان المخرج ياسر عبد اللطيف قد اتهم السفير في مسرحيته "تجنيد إجباري" والتي عرضت بالمسرح القومي بأم درمان، بمسؤوليته عن حادثة معسكر العيلفون للخدمة الوطنية، والتي راح ضحيتها عدد من المجندين غرقًا في النيل أثناء عملية هروب جماعي من المعسكر".

 

ياسر عبد اللطيف: في نعي الفتى الذي لم نُحسن وفادته: ::::: وياسر! سوداني عارم، وكأن الدنيا والجينات إنتخبته ليكون...

Posted by Talal Afifi on Wednesday, September 30, 2020

 

ويستدعي معتصم سيد أحمد، المسرحي، وزميل دراسة ياسر عبد اللطيف بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، أول علاقته به، فيكتب على فيسبوك: "مسرحية للمخرج العراقي، جواد الأسدي، أعدها عن قصة العنبر رقم ستة، للكاتب العالمي أنطون تشيخوف، كانت هذه المسرحية بداية تعرفي على الممثل العالمي ياسر عبد اللطيف التجاني. في واحد من معارض الكتاب، في منتصف التسعينات، وجدت نسخة مصورة للمسرحية، وصور من العرض، وإفادات حول المسرحية، وكلمات الممثلين حول العرض. كان من بين الممثلين شاب اسمر جميل غمرت قلبي سعادة فائقة عندما عرفت أن هذا الشاب الجميل هو الممثل السوداني ياسر عبد اللطيف الذي كان يدرس بنفس الكلية التي أدرس بها".

 

تقاسيم على العنبر مسرحية للمخرج العراقي جواد الأسدي أعدها عن قصة العنبر رقم ستة .. للكاتب العالمي انطون تشيخوف .. كانت...

Posted by Mutasim SidAhmed on Wednesday, September 30, 2020

 

اقرأ/ي أيضًا: مسح: الغالبية العظمى من السودانيين يعتبرون فلسطين قضيتهم ولا يعترفون بإسرائيل

يُضيف معتصم: "التقينا في العام 2013 بعد عودتي من غربتي لنترافق في شوارع الخرطوم ونسهر ونضحك ونتناقش ونتشاجر. حكيت لياسر عن تقاسيم على العنبر وأخبرته أنني ما زلت أحتفظ بذلك الكتاب المجلة، طلب مني أن يستعيره فكنت أعده فأنسى، ثم رحل ياسر عبد اللطيف وأنا لم أوف بوعدي له، وما زال الكتاب المجلة قابعًا في ركن مظلم في مخزن أمي الصغير الملحق ببيتها الكائن بالحاج يوسف".

تلويحات الوداع لروح المسرحي الراحل لم تقتصر على محبيه في السودان وإنّما انفتحتْ بذات القدر بيوت العزاء في سوريا

التلويحات على روح المسرحي ياسر عبد اللطيف، لم تقتصر على محبيه في السودان، وإنّما انفتحتْ بذات القدر بيوت العزاء في سوريا التي أحبها ودرس فيها وشارك في العديد من أعمالها الناجحة. وهي دليل على وثوق تجربته، وقيمتها. ودليل على همّه ومحبته الشغوفة بالمسرح.

اقرأ/ي أيضًا

المؤشر العربي.. أضخم قياسات الرأي العام بالمنطقة العربية

أصداء عالمية لحادثة سجن عضوية مجموعة "فيد" للفنون