19-سبتمبر-2020

من الوقفة التضامنية بدير البلح - فلسطين (Getty)

يشهد السودان فيضانات سنوية لنهر النيل وروافده، يسقط الضحايا وتغرق القرى وتنهار البيوت. يعد فيضان  2020 الأسوأ منذ مئة عام، ارتفع منسوب النيل بشكل غير مسبوق، فسقط (121) قتيلًا و(54) مصابًا، وانهار حوالي (100) ألف منزل، حسب آخر تقارير المجلس القومي للدفاع المدني.

بفضل الإنترنت وبلاغة الصور، صار الفيضان على أعتاب بيوت عديدة في مناطق متفرقة من العالم

في الفيضانات السابقة، كانت الجهود الشعبية وأشهرها "مبادرة نفير"، تجمع التبرعات وتقف على الإجلاء، توزع المواد الغذائية والطبية، الخيام وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: فيضانات السودان بعيون الكاميرا

لكن هذا العام، وبفضل الإنترنت وبلاغة الصور والفيديوهات، صار فيضان نهر النيل على أعتاب بيوت عديدة في مناطق متفرقة من العالم، فظهرت حملات التبرعات، الوقفات التضامنية، والمبادرات الإنسانية لدعم السودان. 

"كله منفد على بعضه"

في فيلم "سيد العاطفي"، مشهد الوقفة الاحتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية في مصر، تسأل سيدة كبيرة في السن أم سيد قائلة: "هي المظاهرة دي عشان إيه يا ستي؟"

فتجيب: "عشان الإسرائيليين، والمصايب اللي عاملينها فينا يا حجة!"

 السيدة: "يا خسارة أنا بأفتكرها عشان المعاشات، أصلهم مغلبنا يا بنتي".

أم سيد: "كله منفد على بعضه يا حجة خليكي معانا"

 





طالبات وطلاب مدرسة الفضيلة الابتدائية في مدينة رفح الفلسطينية، يتبرعون بمصروفهم الشخصي لدعم ضحايا الفيضان في السودان، غزة المحاصرة بالاحتلال، بفيروس كورونا و بالهزائم المتلاحقة من الحكومات العربية التي تتسابق للتطبيع مع إسرائيل والخيانة. 

في الفيديو الذي يوثق لهذه الحملة المدرسية يتحدث هؤلاء الأطفال عن فيضانات السودان كأنها إصابة جديدة تضاف إلى جسد فلسطين والسودان الواحد. "فلسطين مع السودان" رغم الحصار، رغم ظروف الضفة التي لا يتوفر فيها سوى الأغذية والأدوية الأساسية فقط، "ورغم الجائحة قلوبنا هناك في الخرطوم، في السودان"  و " كله منفد على بعضه يا حجة!".  

أيضًا شهدت بلدية دير البلح وقفة تضامنية مع منكوبي الفيضان، عشرات من الرجال والنساء خرجوا حاملين اللافتات والأعلام تضامنًا مع الشعب السوداني في محنته،  لم يلتفت الفلسطينيون إلى اجتماعات البرهان مع نتنياهو، ولا إلى الأصوات العديدة التي بشرت بالتطبيع مع المحتل في الأوساط السودانية من منصات التواصل الاجتماعي في الأشهر القليلة الماضية، بفتاوى أنه عبر التطبيع سيتخلص السودان من قائمة الإرهاب وبالسلام مع إسرائيل يحتضنه العالم الأول، أصوات تتعامل مع كفاح  الشعب الفلسطيني كأنه من طفل مشاغب، يومًا ما سينسى ويهدأ ويطبع هو الآخر. 

سالمة يا سودان

"سالمة يا سودان" حملة أطلقتها جمعية قطر الخيرية بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري تضامنًا مع ضحايا الفيضان، سالمة يا سودان لاقت استجابة سريعة من الشعب القطري لتصل إلى السودان المساعدات العاجلة من الأغذية، والخيام، والناموسيات، والأغطية. 

وصلت قيمة التبرعات للحملة أكثر من (100) مليون ريال قطري، علق أحد السودانيين على هذه المبادرة "قطر تصالح الشعب السوداني الذي لم يخاصمها يومًا".

وفاء رغم الأذية

في 14 أيلول/سبتمبر دشنت الجالية اليمنية بالخرطوم، مبادرتها "الوفاء لأهل العطاء" في مرحلتها الأولى بتجهيز قافلة محملة بالمواد الغذائية والإغاثية إلى المناطق المتضررة بالفيضان.

الآن .. تدشين وانطلاق المرحلة الأولى من حملة " الوفاء لأهل العطاء " التي تنفذها الجالية اليمنية في السودان لإغاثة المتضررين من فيضان النيل. أهل العطاء .. أهل هذا البلد الطيب .. أهلنا في السودان الحبيب ----

Posted by ‎الاتحاد العام للطلاب اليمنيين في السودان‎ on Monday, September 14, 2020

وهم أبناء اليمن، اليمن الذي يرسل إليه الفريق أول محمد حمدان دلقو كل عام  آلافًا من كتائب الجنجويد ليفتك بشعبه ويذيقهم ويلات الحرب، والتي تجاوزت حصيلة ضحاياها (100) ألف قتيل منذ 2015، مجددًا تثبت الشعوب أنها بريئة من حروب الساسة وجنودهم.

دعم الموت

تعددت المبادرات واللفتات الإنسانية من شعوب العالم، أما الحكومات فتريدنا هكذا "غرقانين" منكوبين، ضحايا وأكثر فقرًا لتساوم بنا في السوق العالمي، نذكر هنا دعم عبدالفتاح السيسي لحكومة البشير أثناء الثورة السودانية المجيدة، طائرة محملة بالغاز المسيل للدموع والعصي الكهربائية لقمع المتظاهرين السلميين.

كذلك وعود الدعم التي أطلقتها السعودية والإمارات، أثناء فترة استفراد المجلس العسكري بالحكم في البلاد إبان الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، حيث قدمت الدعم للمجلس العسكري، (500) مليون دولار دفعة أولى من ثلاثة مليارات، لم يتم إرسال بقيتها لأن طموح الشعب السوداني في حكم مدني في البلاد لم يعجب رعاة الدكتاتوريات العسكرية والحروب في المنطقة. 

اقرأ/ي أيضًا: نهاية التعليم النظامي؟

وعدت السعودية وقتها المجلس العسكري بثلاثة مليارات دولار، يتم إيداعها لبنك السودان المركزي، وعد كان مشروطًا بسيطرة العسكريين على الحكومة الانتقالية لضمان استمرار إرسال جنود الجيش السودانين وأطفال الدعم السريع إلى اليمن، وغيرها من طموحات محمد بن سلمان في السودان. لكن قلبت مليونيات 30 حزيران/يونيو الموازين و طارت مليارات بن سلمان.

تدعم الحكومات بعضها بالموت وآلياته الثقيلة وجنوده المدججين بالسلاح

تدعم الحكومات بعضها بالموت وآلياته الثقيلة وجنوده المدججين بالسلاح. لكن المحن والكوارث مثل فيضانات السودان لهذا العام، توضح أن الشعوب تعرف "صليحها من عدوها"، إنها متحدة في وجدانها الإنساني وضميرها الحي الذي يتجلى في الأزمات، فهل نراها تنتصر على أزمتها الأكبر، تجار الموت على سدة الحكم؟

اقرأ/ي أيضًا

عالم ما بعد جورج فلويد

لطلاب العلوم الاجتماعية والإنسانية.. كيف تختار موضوعًا لبحث تخرجك؟