07-يوليو-2020

(Getty)

مع انتشار جائحة كورونا التي تخيم على معظم بلدان العالم، العديد من الدول التي تمتلك مقومات جيدة واصلت مدارسها وجامعاتها الدراسة أونلاين، لكن بعض الدول كالسودان وليبيا واليمن والعراق وسوريا وفلسطين ما تزال جامعاتها مغلقة، وربما حال استؤنفت الحياة أن يتم إدخال تجربة التعليم عن بعد في كل الجامعات أو معظمها مما يفرض تحديات جديدة خصوصًا بالنسبة لطلاب السنة النهائية في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية، إذ سيحرم التباعد الاجتماعي العديدين من التواصل المباشر لأخذ المشورة العلمية، في هذه السلسلة سيسلط "ألترا سودان" الضوء على طرق إعداد بحوث التخرج والخطوات العملية في مراحل انجازها.


يلجأ الطلاب للتواصل مع أساتذتهم أو من سبقوهم في الدراسة لاختيار موضوعًا مناسبًا، لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة لاختيار موضوع بحثي

هل من خطط بديلة؟

العديد من طلاب السنوات الختامية في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية "الآداب، الفلسفة، التاريخ، الاقتصاد، علم النفس، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، القانون، التربية للأقسام الأدبية والصحافة والإعلام" وغيرها من التخصصات التي تنضوي تحت هذا المسمى الكبير، يلجؤون إلى التواصل مع أساتذتهم أو من سبقوهم في الدراسة لاختيار موضوعًا مناسبًا لبحوث تخرجهم، وهو أمر جيد، إذا يفتح هذا النوع من النقاش والمشورة أذهان الطلاب على مواضيع وأسئلة جديرة بالبحث والتنقيب، لكن الاعتماد على هذه الطريقة وحدها لن يكون كافيًا لمن يريد أن يقدم بحثًا مميزًا.

اقرأ/ي أيضًا: دبلوم مجاني في صحافة البيانات باللغة العربية

ينطبق هذا على طلاب الماجستير كما طلاب البكالوريوس على حد سواء، فبحث التخرج بالنسبة لهؤلاء الأخيرين هو التطبيق العملي لمهارات البحث والكتابة العلمية التي تلقوها في سنوات دراستهم الجامعية.

البداية باختيار الموضوع لا العنوان

تكمن البداية الصحيحة للطلاب المقدمين على كتابة بحوث تخرجهم، في اختيار الموضوع الذي سيكتبون عنه، أما العنوان فسيكون هو المرحلة التالية لاختيار الموضوع.

في اختيار موضوع البحث نحن لا نذهب بعيدًا أبدًا، موضوع البحث الذي سنجريه كطلاب بكالوريوس أو ماجستير هو أقرب إلينا مما نتصور، إنه موجودُ في الكورسات التي ندرسها في السنة/الفصل الدراسي الأخير الذي بين أيدينا.

كل كورس ندرسه يتضمن جانبان، جانبُ نظري وآخر تطبيقي، ونحن إزاء هذا الوضع أمام خياران، إما أن نقوم باختيار واقعة/حالة/حادثة جرت في التاريخ القريب أو البعيد في بلدنا أو في بلد نحن نملك معرفة وإمكانية في الوصول لمصادر المعلومات فيه عن هذه الواقعة، ثم من بعد نقوم باختيار الإطار النظري الشامل الذي تم فيه تفسير ظواهر مشابهة للظاهرة المختارة، أو العكس، أن نقوم باختيار الإطار النظري الذي سنعالجه من خلال بحثنا ومن ثم نبحث عن الوقائع أو الحالات أو الحوادث التي يفسرها هذا الإطار النظري لنختار واحدة من بينها لبحثنا.

القراءة تسبق اختيار العنوان

علينا أن نتذكر دائمًا وأبدًا، أن القراءة تسبق صياغتنا للعنوان الذي سنقدمه للدكتور المشرف/مدير البرنامج الدراسي/ مجلس الأبحاث، أو غيرهم من المسميات، لإجازته، إلا في حالة واحدة، وهي أن نكون قد أعددنا أنفسنا وقرأنا بشكل كافٍ في وقت سابق، في هذه الحالة ستبرز العديد من الأفكار التي تزحم أدمغتنا، فقط علينا أن نقوم بكتابتها/تدوينها بجوار بعضها، ومن ثم نصيغ منها سؤالنا البحثي الأساسي –ما الذي نبحث عنه في هذا الموضوع- وسواء كنا سنتحقق/ندحض فرضية معينة ضمن الموضوع الذي سندرسه، علينا أن نطرح هذه الفكرة ضمن العنوان الذي نقترحه لاحقًا.

يجب أن نتذكر كذلك أن الأفكار الجيدة دائمًا ما تأتينا أثناء قراءتنا بشكل جيد ومُركز، هنا نحن سنفعل أمرًا مهمًا ونحن نقرأ، هو أمرُ إذا ما فوتناه فمن الصعب أن نحصل على فرصة استعادته مرة أخرى؛ بمجرد خطور فكرة محددة في أذهاننا ونحن نقرأ، علينا تدوينها كما خطرت لنا، وصياغتها وتهذيبها تعديلها كلما أمكن لتلائم الفكرة التي خطرت على بالنا ونحن نقرأ. ولن نعاود القراءة مجددًا ما لم نفرغ ونستنفذ كل حيلنا في صياغة هذه الفكرة في سطر أو اثنين أو أقل من ذلك.

يجب أن يكون عنوان بحثنا بسيطًا وواضحًا ويعبر عن سؤالنا البحثي ويخدم عملية اختبار فرضيتنا ويكتسي بقوة حججنا التي نصوغها في المقدمة

هذه الأفكار التي نقوم بتدوينها أثناء قراءتنا في الأدبيات عن موضوعنا، ستساعدنا ليس فقط في اختيار عنوانًا مناسبًا لبحثنا، وإنما وقبل كل شيء، ستمكننا من طرح السؤال/الأسئلة الأساسية للبحث وصياغة فرضيتنا وحججنا العلمية، التي مِن دونها لا يمكننا أبدًا أن نختار عنوانًا أصيلًا لبحثنا، فاختيار العنوان هو آخر خطوة في القراءة. ويجب أن يكون عنوانًا بسيطًا وواضحًا وغير معقد ويعبر عن سؤالنا البحثي ويخدم عملية اختبار فرضيتنا ويكتسي بقوة حججنا التي نصوغها في المقدمة.

المزيد من فوائد القراءة

ما ذكرنا سابقًا من طرح السؤال البحثي بالطريقة الصحيحة واختيار الفرضية المناسبة وتحديد الإطار النظري الملائم لمعالجة بحثها ضمنه، وكتابة العنوان الصحيح للبحث الذي نجريه، هي ليست الفوائد الوحيدة التي نجنيها من القراءة التي نقوم بها، ولنسمها هنا "القراءة الأولية"، لأنها تلي اختيارنا لموضوع البحث وتسبق اختيار السؤال البحثي والفرضية والعنوان.

للقراءة من هذا النوع فوائد أخرى كثيرة، منها ما هو لصيق بما نحن مقدمين عليه، إذا سنطالع من خلالها كيف عالج باحثين/دارسين/كتاب مواضيعهم البحثية، وكيف طرحوا أسئلتهم، ولماذا اختاروا هذه الأسئلة دون غيرها، وكيف عرضوا حججهم، وكيف استعرضوا مواضيعهم المدروسة وكيف صاغوا نتائجهم التي توصلوا إليها. هذه السلسلة من الاستراتيجيات البحثية الهامة هي ما نظفر به من قراءتنا الأولية، وعلينا سريعًا أن نقوم بتعلم تقنياتها وإتقانها لأننا مطالبين بتطبيقها على بحوثنا أثناء عملية الكتابة التي سنقوم بها لاحقًا.

هذا النوع من القراءة هو كذلك جزءُ من تدريب عقولنا على التفكير المنظم والمنضبط والمنتج، فنحن لسنا في معرض القراءة من أجل التسلية، وإنما أمام لغز يجب أن يحل، بينما لا ندري أي جملة أو فكرة أو نص فيما نقرأه سيقودنا لفك عقدة اللغز الذي يشغلنا، التركيز فيما نقرأ سيكون أكثر ما يشغلنا، لكن متعتنا الحقيقية المدخرة ستأتي لاحقًا، حينما نجد ضالتنا أو ما نبحث عنه بعد طول قراءة شاقة، وحينما نقوم بتدوين فكرة هي ملك لنا في صياغتها النهائية، سنحس حينها إحساسًا جميلًا بالخفة والإنجاز والمتعة غير المتعلقة بلحظة أنية زائلة.

لنجد من نتحدث إليه

الآن، وأنت تعرف تمامًا موضوع بحثك للتخرج في هذا العام، لقد قرأت حوله بعناء حتى وجدته، واحكمت معرفتك بما تنوي الكتابة عنه واخترت عنوانًا لبحثك، هذه العملية كلها لن تستغرق منك أكثر من أربعة أسابيع لإنجازها إن لم يكن أقل، عليك إذن أن تطرحها للنقاش لتحصل على إضاءات للزوايا المظلمة التي فاتتك بكل تأكيد.

اختر أشخاصًا يفوقونك في المعرفة والمرتبة العلمية لتطرح عليهم فكرتك واسئلتك، على أن يكونوا شغوفين بالمعرفة ومشتغلين بها، تجنب اولئك الذين يقللون من مجهودات الآخرين، وبإمكانك الذهاب إلى مشرفك البحثي مباشرة لحجز موعد وتقديم مقترحك البحثي شفاهة بشكل غير رسمي، وعليك بكل تواضع أن تطرح أو تقدم مقترحك البحثي لتحصل على إرشاداته ونصائحه وتقوم بتدوينها في وقتها، لتعرف أي الجوانب عليك مراعاتها ومعالجتها وأنت تقدم مقترحًا بحثيًا لتخرجك. وهذه أولى خطواتك للنجاح في إنجاز بحث التخرج.

في حال قمت بجميع هذه الخطوات بشكل صحيح، ستكون أكثر شغفًا للبدء في إنجاز بحثك والانتهاء منه، وسيكون بحثًا مميزًا بكل تأكيد

التقديم الرسمي لمقترح البحث

إذا قمت بإنجاز مرحلة القراءة واختيار العنوان والسؤال البحثي والفرضية بنجاح، تأكد من أنك ستقدم مقترحًا بحثيًا مميزًا، ولن تحار وتلتفت يمنة أو يسرة حينما يجاز مقترحك لأنه وليد أفكارك وأنت من سهرت في إعداده ولم تجده جاهزًا، ستكون أكثر استعدادًا للإجابة على الأسئلة الصعبة التي تطرح عليك عند تقديمك لمقترحك بشكل رسمي أمام مجلس علمي أو في الصف أمام زملائك، وستكون أكثر شغفًا للبدء في إنجاز بحثك والانتهاء منه، وسيكون بحثًا مميزًا بكل تأكيد.

اقرأ/ي أيضًا

منح ماجستير ودكتوراه في جامعة فلندرز في أستراليا

دبلوم "جوجل لصناعة البودكاست" مع فرص لتمويل مشاريع الإنتاج المستقلة