لم تمنع درجات الحرارة العالية، آلاف المتظاهرين السلميين من الوصول إلى مقر مجلس الوزراء بالخرطوم اليوم الخميس، مرورًا بشوارع رئيسية بالسوق العربي وسط العاصمة في الذكرى الثانية لمذبحة القيادة العامة، والتي راح ضحيتها أكثر من (130) شهيدًا وعشرات المفقودين.
وتجمع الآلاف في محطة القندول للحافلات وسط السوق العربي، ورددوا هتافات تطالب بالعدالة والقصاص من قتلة شهداء الثالث من حزيران/يونيو 2019، ومن ثم توجه الموكب إلى مجلس الوزراء.
يُعد فض اعتصام القيادة العامة عاملًا من عوامل التوتر بين المدنيين والعسكريين
ويوافق اليوم الثالث من حزيران /يونيو، الذكرى الثانية لمذبحة القيادة العامة حيث داهمت قوات عسكرية مقر الاعتصام الذي كان يطالب بنقل السلطة إلى المدنيين قرب وزارة الدفاع، لكن العملية العسكرية خلصت إلى مجزرة أودت بحياة (130) شخصًا بحسب الأطباء وفقدان العشرات قسريًا حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل: الموسم الصيفي فشل والحكومة تتحمل المسؤولية
وتعد مذبحة القيادة العامة واحدة من عوامل التوتر بين القوى المدنية والعسكرية التي تتقاسم السلطة، ففي تلك الفترة كان يتولى المجلس العسكري الانتقالي السلطة قبل أن يتحول أعضاؤه بالكامل إلى مجلس السيادة الانتقالي، وهي سلطة عليا تتقاسم إدارة الدولة مع الحكومة التنفيذية.
وقبل ساعات من مواكب اليوم نشرت قوات الشرطة عناصر مكافحة الشغب وقوات الاحتياط المركزي قرب المراكز التجارية وأسواق الذهب في قلب السوق العربي، كما نشرت سيارات قرب مجلس الوزراء وجرى إغلاق مقرات الجيش منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس.
وتنوعت الهتافات التي رددها المتظاهرون السلميون ما بين إدانة قوات الدعم السريع وإدانة القوات النظامية، وهتف آخرون بإسقاط السلطة الانتقالية بالكامل بشقيها المدني والعسكري.
وهذه الاحتجاجات مدفوعة بسخط من المحتجين على السلطة الانتقالية جراء وقوع انتهاكات وقعت الشهر الماضي قرب القيادة العامة أثناء إحياء ذكرى مذبحة القيادة العامة في 29 رمضان، حيث قتلت قوات عسكرية اثنين من المتظاهريين واضطر الجيش إلى تسليم سبعة من عناصره إلى النيابة العامة اتهموا بإطلاق النار.
وذكرت رؤى خوجلي (30) عامًا وهي تهتف ضد السلطة الانتقالية في حديث لـ"الترا سودان"، أنه لا يمكن تحقيق التحول الديمقراطي دون عدالة.
وأضافت خوجلي: "إن كنت تود أن تقف على أرض صلبة لن تحقق ذلك قبل الإنصاف والعدالة، ومنذ عامين لم يتحقق شيء يذكر في الانتهاكات منذ وصول النظام البائد إلى السلطة مرورًا بالمجازر التي وقعت في عهد السلطة الحالية، ولم تحرز العدالة أي تقدم يذكر سوى وعود لا تنفذ".
ووضعت درجات الحرارة العالية بعض المتطوعين أمام تحد آخر، ولذلك استعانوا بالمياه لرشها على المتظاهرين بغرض تلطيف الأجواء، كما تطوع آخرون في إحضار المياه وتوزيعها وجرت مخاطبات جانبية تصدى لها قادة الحراك السلمي وهم من أعضاء المقاومة وركزت على العدالة والأوضاع المعيشية والعلاقات الخارجية والسلام، ولم تنجُ المحاور الإقليمية من هتافات الثوار فهي في نظرهم الأداة الرئيسية في عرقلة التحول الديمقراطي.
اقرأ/ي أيضًا: اتحاد المصارف يناشد المواطنين بالخارج عدم الالتفات للشائعات
وتتزامن هذه الاحتجاجات مع تدنٍ مريع لشعبية الحكومة الانتقالية التي تمثل المدنيين في السلطة لأسباب تتفاوت ما بين تأخر العدالة واستمرار الانتهاكات وتفاقم الأوضاع المعيشية والتوترات الأمنية في بعض الولايات.
وعادت الهتافات الرائجة في فترة الاعتصام إلى تصدر المواكب اليوم وترديد عبارة "المجلس كلو يسقط بس"، في إشارة إلى المجلس العسكري الانتقالي الذي كان يحكم البلاد في فترة ما بعد الإطاحة بالنظام البائد.
ويرى حسام الزين في حديث لـ"الترا سودان"، أن الآلاف لبوا دعوة الاحتجاجات اليوم، وهو دليل على أن الثورة مستمرة وصولًا إلى التحول الديمقراطي رغم العوامل الإقليمية والمحلية التي تعرقل عزيمة السودانيين على حد تعبيره.
الذكرى الثانية لمذبحة القيادة العامة تعتبر الفرصة للسلطة الانتقالية لتحقيق العدالة
وتابع حسام: "المواكب فرصة لممارسة الضغط لتحقيق العدالة وهي في اعتقادي فرصة في الرمق الأخير، إذا لم تنتهزها السلطة الانتقالية خلال الفترة القادمة ستخسر الشارع نهائيًا".
جميع الشوارع المحيطة بمجلس الوزراء مقر الحكومة التنفيذية تحولت إلى مواكب سلمية بوصول المئات على التوالي إلى محطة "القندول"، وهو الموقع الذي حددته لجان المقاومة مسبقًا نقطة للتجمع ومن ثم التوجه إلى مجلس الوزراء.
التدابير الأمنية التي اتخذتها الشرطة يبدو أنها خضعت إلى تعليمات مشددة من وزارة الداخلية بعدم اللجوء إلى العنف، سيما وأن اللجنة الأمنية لولاية الخرطوم انخرطت في اجتماعات متواصلة برئاسة الحاكم أيمن نمر، والذي شدد على ضرورة الحفاظ على سلامة المشاركين في المواكب.
وتشير خنساء أحمد (27) عامًا والتي شاركت في المواكب في تصريحات لـ"الترا سودان"، إلى أن الآلاف الذين شاركوا اليوم في الذكرى الثانية لمذبحة القيادة العامة أثبتوا أن الشارع لن يتراجع عن مطلبه بتحقيق التحول الديمقراطي.
وتضيف: "عبر البعض عن مخاوفه من تسلل عناصر النظام البائد، لكن جسارة المتظاهرين السلميين أثبتت أنه لا يمكن اختراق وفرض أجندة سياسية خفية عليهم".
وفرض الشهيد محمد اسماعيل الشهير بـ "و دعكر" شعاره المحبب إليه وهو اللون الأصفر على مواكب اليوم، وشوهد العشرات وهم يحملون صورته وهو يتزيأ بالأصفر إلى جانب حمل الأعلام الصفراء.
وقُتل الشهيد ودعكر في نيسان/أبريل الماضي على يد مجهولين، فيما اتهمت لجان مقاومة الجريف التي ينتمي إليها؛ الأجهزة الأمنية بتصفيته على خلفية مشاركته الفاعلة في جداريات الشهداء في الثالث من نيسان/أبريل الماضي، وهو آخر يوم شُوهد فيه.
عزز أيضًا مقتل عثمان أحمد ومدثر مختار اللذان استشهدا قرب القيادة العامة في أيار/مايو الماضي أثناء إحياء ذكرى مذبحة القيادة العامة في نهاية شهر رمضان، من مشاركة المئات في المواكب التي وصلت مجلس الوزراء اليوم وهم يرفعون صورتيهما.
وفي ظل تكليف نائب عام جديد عقب استقالة النائب العام السابق تاج السر علي حبر في شهر أيار/مايو، يحمل المحتجون النيابة العامة مسؤولية تباطؤ العدالة وعدم تسريع وتيرتها.
اقرأ/ي أيضًا: البنك الدولي يخصص 70% من المنحة التي قدمها للسودان لمناطق الحرب
ويقول علاء الدين محمد نجيب لـ"الترا سودان" إن المطالبة بالقصاص لا يمكن أن تستمر عامين، وإما أن تعترف السلطة الانتقالية بالعجز بسبب بقاء أجهزة النظام البائد في مفاصل الدولة، أو هي متواطئة، لا توجد منطقة وسطى.
يعتقد عضو المقاومة أن السلطة الانتقالية على استعداد لارتكاب الانتهاكات
ويعتقد هذا الشاب أن السلطة الانتقالية على استعداد لارتكاب المزيد من الانتهاكات، حتى المواكب اليوم خرجت في ظل مخاوف عالية من تكرار سيناريو القيادة العامة الشهر الماضي.
وكان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ألمح إلى أن العدالة تواجه تحديات بسبب عدم وجود تعاون مع الأجهزة الأمنية بحسب بيان نشره أمس الأربعاء في الذكرى الثانية لمذبحة القيادة العامة.
وبدأت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع على تجمعات المحتجين بالقرب من مجلس الوزراء ومنطقة السوق العربي، كما طاردت مركبات قاذفات الغاز المسيل للدموع، المحتجين بالسوق العربي.
اقرأ/ي أيضًا
"أوتشا": الجنينة تحولت إلى مدينة أشباح وارتفاع في الاستقطاب العرقي
عائشة موسى: قيادات "قحت" تزور العسكريين في القصر ولا تدخل مكاتبنا