06-أغسطس-2020

مرضى وكادر طبي بمركز عزل (سوشيال ميديا)

منذ الإعلان الرسمي لأول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد كوفيد-19 في السودان في آذار/مارس الماضي، ظل مركز جبرة للعزل الصحي، أحد أكثر المراكز الصحية الخاصة بالجائحة قدرة على تقديم الخدمات للمرضى، فرغم ظهور أعضاء في مجلس السيادة في بذاتهم العسكرية، يقومون بتفقد مراكز كان من المفترض أن تكون مخصصة للعزل والحجر الصحي، ضمن "الحملة الإعلامية لإبداء الاستعدادات" إلا أن المركز الوحيد الذي ظل يظهر في التقارير الرسمية كان هو مركز "جبرة" بالخرطوم، إضافةً إلى بعض المستشفيات التي عملت بالتنسيق مع وزارة الصحة الاتحادية، مقدمة خدماتها العلاجية للمصابين بفيروس كورونا مجانًا، كمستشفى حاج الصافي بالخرطوم، والسلاح الطبي بأم درمان، وبعض المستشفيات الخاصة التي تطلب المال نظير استقبال حالات مشتبهة بفيروس كورونا.

في خواتيم حزيران/يونيو الماضي، توقف مركز جبرة عن العمل، لينتقل كادره ومرضاه إلى مستشفى المعلم، ثم مستشفى يونيفرسال

في خواتيم حزيران/يونيو الماضي، توقف المركز عن العمل، لينتقل كادره الطبي، برفقة مرضاه، إلى مستشفى "المعلم" بالخرطوم، ومن ثم إلى مستشفى "يونيفرسال" الواقع ضمن صلاحيات واستثمارات ما كان يعرف بجهاز الأمن والمخابرات الوطني سابقًا، جهاز المخابرات العامة حاليًا.

الرحلة إلى المعلم

ابتدأ نقل المرضى من مركز العزل الصحي جبرة، إلى مستشفى المعلم، في 20 آذار/مايو.

اقرأ/ي أيضًا: مأساة بوط.. تفاصيل انهيار السد ودمار أكثر من 700 منزل

وبحسب إفادات مصادر طبية وإدارية عُليا بالمركز، كان سبب التوقف ونقل المرضى، بسبب بعض أعمال الصيانة، كصيانة غرفة توزيع الأوكسجين المركزية، التي ظلت تعمل دون طاقتها الكاملة، وما ترتب عليه قطع مد بعض الغرف بالأوكسجين، لكن عندما بلغت نسبة شغل أسرة المركز (100)% مما شكل تهديدًا لحياة بعض المرضى، اضطرت إدارة مركز جبرة، لإيقاف العمل بالمركز، وترحيل المرضى على دفعات إلى مستشفى المعلم.

مستشفى جبرة
مستشفى جبرة

وصلت الدفعة الأولى من المرضى والكادر الطبي إلى مستشفى المعلم، لتفاجأ بأوضاع مزرية للغاية بحسب وصف كوادر طبية بالمركز، فالمستشفى لم يوفر أولًا استراحة للكادر الطبي، إضافةً إلى مظهر المستشفى غير الصحي، ولم تكن تلك هي المشكلة الأساسية التي عجّلت بمغادرة المرضى والكادر الطبي المرافق لمستشفى المعلم بعد أربعة أيام قضاها هناك.

فبالنسبة للممرض بمركز جبرة للعزل الطبي، والذي فضل حجب اسمه، فالمشكلة التي تمخض عنها وفاة عشرة حالات في يوم واحد في مستشفى المعلم، خواتيم أيار/مايو الماضي كانت هي المشكلة التي تسببت في الحاحهم على المغادرة.

يقول لـ"ألترا سودان": "أنا ومجموعة رأينا أننا نستحي أن نتقاضى مالًا نظير مريض يموت على أيدينا ونحن لا نستطيع أن نقدمه له شيئًا".

حينها قامت مجموعة من الكوادر الطبية من مستشفى جبرة ومستشفى المعلم، برفع مذكرة احتجاجية للمدير الطبي لمستشفى المعلم، على إثرها قام المدير الطبي بتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة.

وفق ما قالته مصادر طبية لصيقة بالحادثة، حدثت الوفيات، بحسب نتائج أولية للتحقيق، بسببٍ رجّحوا أنه مفتعل، في ضخ الأوكسجين المركزي للغرف، حيث اضطر الكادر الطبي العامل لاستخدام أدوات "التنفس الاصطناعي المساعد" عبر أنابيب الضغط اليدوي، دون توصيلها بالأوكسجين المركزي، مما ترتب عليه إزهاق عشرة أرواح من المرضى ممن لم يكن بالضرورة أن يتوفوا، لو توفرت أبسط بروتوكولات علاج كورونا؛ الأوكسجين.

مدينة المعلم الطبية
مدينة المعلم الطبية

بعد احتجاجات وتبرم من قبل الكادر الطبي، تم التواصل والتنسيق من قبل وزارة الصحة الاتحادية، مع إدارة مستشفى "يونيفرسال" بالخرطوم بحري، والتي تقع ضمن صلاحيات واستثمارات جهاز الأمن والمخابرات سابقًا، والتي تعد، بحسب مختصين، أكبر وأحدث مستشفى بالمنطقة وأفريقيا، والتي كان من المفترض أن يتم افتتاحها وبدء الاستقبال الرسمي للمرضى فيها من داخل وخارج السودان في آب/أغسطس الحالي، حيث أعدت المستشفى لتكون مقصدًا لطالبي العلاج من خارج البلاد.

في المستشفى "العالمي" "يونيفرسال"

بوصول الكادر ومرضى مركز جبرة للعزل، المحولون من مستشفى "المعلم" إلى مستشفى" يونيفرسال" بدأ فصل آخر في الحكاية التي رواها عدد من الكادر الطبي بمركز جبرة لـ"ألترا سودان".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| ريم عباس: الاتحاد النسائي منغلق وغير قادر على اكتساب عضوية شابة

فرغم استبشار الكادر الطبي بفخامة وجاهزية المستشفى، التي تضم فيما تضم، صالة سينما، بالإضافة لغرفة للكادر العامل، إضافة إلى غرف تفوق أفخم الفنادق العالمية، بالإضافة إلى السمة الأساسية للمستشفى العالمي، الجاهزية التقنية والطبية؛ رغم ذلك قُوبل كادر مركز جبرة، بحسب ما يصفون،بممارسات سموها بالتمييزية والاحتقارية تجاههم.

كادر طبي: تجربة مستشفى المعلم خلّفت إغماءات وسط زميلاتنا وبكاء وسط زملائنا جرّاء زهاق عشرة أرواح أمامنا في ظل عجزن

يحكي كادر طبي من مركز جبرة لـ"ألترا سودان": "في يوم وصولنا كانت الفرحة بادية في وجوهنا، حيث أحسسنا أخيرًا أننا باستطاعتنا تقديم رعاية طبية جيدة للمرضى، بعد تجربة مستشفى المعلم والتي خلّفت إغماءات وسط زميلاتنا وبكاء وسط زملائنا جرّاء زهاق عشرة أرواح أمامنا في ظل عجزنا".

يواصل: "الليلة الأولى قضينا فترات الاستراحة في كراسي صالة الاستقبال، رغم أننا كنا نتخيل أن غرف الاستراحة الخاصة بالمستشفى ستفتح لنا، لكن لم نتضايق كثيرًا، وواصلنا العمل. لكن في الليلة الثانية فوجئنا بأن الكراسي التي قضينا فيها فترات الاستراحة في الصالة أزيحت، مع تبقي كرسيين، لكن مع التنبيه أن هذه الكراسي خاصة بالمسؤولين وليست للكادر الطبي".

يتابع: "في اليوم الثالث، أصبحنا نقضي فترات الاستراحة في سلم خارج المبنى، لكن أيضًا فوجئنا بوضع شريط لاصق لمنعنا من التواجد في السلم".

يونيفيرسال
يونيفرسال

ولم يكن الإهمال تجاه الكادر الطبي هو الشيء الوحيد، فقد كان الأمر مقدورًا عليه بحسب مصدر إداري بمركز جبرة للعزل، فحتى عدم وجود وجبات للكادر الطبي؛ تمت تغطية ذلك من قبل مخزون مركز جبرة الغذائي، مع مساهمات بالوجبات من لجان مقاومة جبرة. لكن بحسب المصدر الإداري، فإن التقصير والإخفاء المتعمد للمعدات الطبية بمستشفى "يونيفرسال" كان مشكلة يمتد أثرها للمريض، هذا بالإضافة إلى مخالفة بروتوكولات علاج كورونا، حيث شهد المركز وجود حالات مشتبهة، جنبًا إلى جنب مع حالات أكيدة، إضافة لأن قسم الطوارئ ظل يشهد عمليات "زرع أنبوبة التنفس الاصطناعي"، وهي عملية من المعروف مدى صعوبتها وخطورتها، حيث ظلت تقام أمام أنظار المرضى الذين لا تستدعي حالتهم ذلك، مما أدخل الخوف والذعر في نفوس أولئك المرضى.

إضافة إلى أن المعمل المجهز بأحدث التقنيات العلمية والمختبرية، ظلّ مغلقًا أمام متطلبات البروتكولات العلاجية لـ"كورونا" والتي تقتضي فحوصات روتينية دورية، ففحوصات كفحوصات وظائف الكُلى الروتينية، ظلّت تقام في معامل خارجية عبر ترحيل العينات بعد أخذها عبر عربة "بوكس" وفرتها وزارة الصحة، بالإضافة إلى أنه أحيانًا يقوم الأطباء والعاملون باستخدام سياراتهم الخاصة لإجراء فحوصات عادية.

وأشار أحد الكوادر الطبية بمركز جبرة إلى أنه دائمًا ما كانت تفسُد العينات المأخوذة من المرضى نسبة للزمن الذي يستغرقه أخذ العينة حتى وصولها للمعمل.

اقرأ/ي أيضًا: من يصنع الشائعات؟

وبحسب إفادة كوادر طبية تتبع لوزارة الصحة الاتحادية؛ بررت إدارة المستشفى "العالمي" إغلاقها للمعمل في وجه الكادر العامل بالجائحة، نسبة لأن المعمل مجهز بأحدث التقنيات العالمية، والتي تبلغ كُلفة تشغيلها (56) ألف يورو شهريًا، وهو ما تكفلت به وزارة الصحة، في شخص الوزير السابق د. أكرم علي التوم، ما لم يتم أيضًا.

أطلق الكادر الطبي بمركز جبرة للعزل، نداءً عبر "ألترا سودان" إلى "لجنة تفكيك التمكين وإزالة الفساد" لوضع مستشفى يونيفرسال موضع النظر

وأطلق الكادر الطبي بمركز جبرة للعزل، نداءً عبر "ألترا سودان" إلى "لجنة تفكيك التمكين وإزالة الفساد" لوضع المستشفى موضع النظر، إذ قالوا إن المستشفى ظل طوال فترة تشغيله لاستيعاب حالات الإصابة بكورونا، يقدم أفضل خدماته لعناصر النظام البائد، متمثلة في خضوع القيادي في النظام المُباد علي عثمان محمد طه، ورفيقه أحمد هارون، لعناية فائقة بالمركز، بالإضافة إلى عشرات المنتسبين لجهاز الأمن السابق، وقياديين بالنظام المُباد، وهو ما برر فتحه قبل ميعاده الرسمي بحسب وجهة نظرهم، إذ ظل المستشفى الفخم يستقبل حالات لمنسوبي النظام البائد حتى دون تأكد اصابتهم بالفيروس المستجد.

وعاد مركز "جبرة" للعزل والرعاية الطبية للعمل منتصف شهر تموز/يوليو المنصرم، بعد اكتمال أعمال الصيانة، ليفتتح فيه معملًا للأحياء الجزيئية، متضمنًا أخذ وفحص عينات للمشتبهين بالاصابة بـ"كورونا" ليشكل سندًا للمعمل المركزي القومي "استاك".

اقرأ/ي أيضًا

فتيات التدريب المهني.. من عراقيل المجتمع إلى الحاجة لإثبات الذات

مقترح لإلغاء امتحانات الشهادة نهائيًا.. والقرّاي: لا يمكن تنفيذه إلا بعد قرون