تاريخ طويل من "كتيبة بنات"، وهي الفرقة العسكرية التي أسسها الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق التي كانت تضم المئات من النساء السودانيات المحاربات، وصولًا للحرب الحالية حيث تشارك العديد من النساء كـ"مستنفرات" في صفوف الجيش السوداني، ومقاتلات في صفوف الدعم السريع والحركات المسلحة في إقليم دارفور، لتنقسم الآراء حول حمل السودانيات للبندقية ومشاركتهن في القتال.
خلال معارك الفاشر الأخيرة ظهرت صورة مقاتلة بالزي العسكري وهي تحمل الكلاشنكوف، لتثير الجدل في الأوساط السودانية
وخلال معارك الفاشر الأخيرة ظهرت صورة مقاتلة بالزي العسكري وهي تحمل الكلاشنكوف ضمن صفوف حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، لتثير الجدل في الأوساط السودانية. ويقول الكاتب على منصور أن هذه الصورة المتداولة ترجع لسارة إسماعيل التي التحقت بحركة جيش تحرير السودان في العام 2004، وكانت في المكتب السري للحركة.
نساء السودان والبندقية
وأكد منصور لـ"الترا سودان" أن المقاتلة سارة أنجزت العديد من العمليات ذات الطابع السري، وأعلنت عن نفسها عقب معارك ارتكبت فيها قوات الجنجويد وقتها انتهاكات في منطقة لبدو التي تنحدر منها سارة، لتكسر بعدها حاجز السرية، فأعلنت عن نفسھا كجندية من جنود الحركة، وتدرجت حتى كلفت بمهام سكرتارية مكتب المرأة بالحركة، وانضمت إلى أكاديمية الحركة العسكرية، وأشهر معاركها صد الهجوم على منطقة لبدو في عام 2005م، حيث كانت في الصفوف الامامية.
فيما تقول القيادية بحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، اللواء عائشة النور إن مشاركة النساء في الحرب والقتال قديمة، والنساء في دارفور وحركة تحرير السودان مشاركات في القتال منذ تأسيس الحركة وبداية الحرب في 2003م. وأضافت لـ"الترا سودان": هنالك تجارب كبيرة في مشاركة النساء في المعارك، ولدينا مئات المقاتلات، وفقط صادف ظهور المقاتلة سارة في معارك الفاشر الأخيرة؛ لكن لا يعلم الكثير أن العديد من النساء في الصفوف الأمامية لمعركة الفاشر الحالية.
اللواء بحركة جيش تحرير السودان عائشة النور: وسنواصل القتال ضد الدعم السريع حتى النهاية، لأن ما يفعلونه ضد الإنسانية
وتضيف: "لا نعمل من أجل مصالح سياسية حاليًا، والهدف من قتالنا تخليص البلاد من الأعداء، وسنواصل القتال ضد الدعم السريع حتى النهاية، لأن ما يفعلونه ضد الإنسانية".
بعيدًا عن عدالة القتال لدى أي من الطرفين، يقول الباحث السر السيد في سردية الحرب وظهور النساء المقاتلات فيها، إنه طالما أننا ندعو لضرورة مشاركة النساء في العمل العام، فسيكون من الطبيعي وحق من حقوق النساء أن ينخرطن في القتال متى ما أردن ذلك، ما دامت لهن وجهة نظر في أن القتال يعبر عن مشاريعهن السياسية و الفكرية.
ويضيف السيد لـ"الترا سودان" مؤكدًا أن مشاركة السودانيات في القتال ليست بالأمر الجديد، ولم تظهر في هذه الحرب فقط، وإنما هنالك تاريخ قديم لمشاركة السودانيات في القتال، مثل الثورة المهدية ورابحة الكنانية التي أدت دورًا استخباريًا شهد على ذلك، وأيضًا في قوات التجمع الوطني والحركة الشعبية التي ضمت العديد من المقاتلات، بجانب عدد من الصراعات السياسية في السودان حتى الحرب الراهنة.
وزاد: "الإسلاميون أكثر الفصائل التي لديها تنظير في مشاركة النساء في القتال، وأعتقد أنهم يستندون في ذلك للتجربة الإسلامية القديمة في مشاركة نساء في المعارك مثل نسيبة بنت كعب وخولة بنت الأزور وغيرهما؛ ولذلك قتال النساء أمر طبيعي، إلا إذا كان البعض يؤمن بتقسيم الأدوار بين النساء والرجال، ويريدون القول بأن "المرأة مكانها المنزل"، ولكن إذا كنا نؤمن بمشاركة المرأة في المجال العام سيكون مشاركة النساء في القتال أمرًا طبيعيًا".
باحث: الاندهاش من مشاركة النساء في القتال في غير محلها
ولفت في حديثه مع "الترا سودان" إلى ظروف الحرب الحالية، حيث تعرضت السودانيات لانتهاكات كبيرة، وإذا كن مسلحات، يستطعن الدفاع عن أنفسهن عند وقعت هذه الانتهاكات، ومشاركتهن في القتال يمكن أن تحد من هذه الانتهاكات. وأردف: "أنا لا أتحدث بشكل متطرف أو مجاني، ولكن هذه التصور بعيدًا عن عدالة القتال لأي من الطرفين".
وختم السيد حديثه بالقول إن الاندهاش من مشاركة النساء في القتال في غير محلها، وذلك لأن النساء السودانيات محاربات منذ القدم. وأضاف: "حتى على الصعيد العالمي النساء شاركن في المعارك، مثل الثورة الكوبية وحزب العمال الكردستاني"، مشددًا على أن من حق النساء أن يعبرن عن أنفسهن وفق الطريقة التي يرونها مناسبة، حتى وإن كانت عسكرية.
ضمان المشاركة
القيادية النسوية والسكرتير العام لمبادرة "لا لقهر النساء" تهاني عباس تقول إن مشاركة النساء في الجيش أمر معروف على الصعيد العالمي، وأن وجودهن في المؤسسات العسكرية مفترض أن يقلل من حدة النزاعات. مؤكدة أن النساء السودانيات لديهن تجارب في المشاركة في الجيوش، مثل الجيش الشعبي وقوات التجمع الوطني، وأن وجودهن في الفضاء المسلح قد يشكل حماية لهن من الانتهاكات، ويحفظ حقهن في المشاركة السياسية، مثل التفاوض وفرض أجندة السلام.
السكرتير العام لمبادرة "لا لقهر النساء" تهاني عباس: أشعر بالقلق من مشاركة النساء في الحرب الحالية لأنها حرب غير أخلاقية ولا يخضع طرفاها لقواعد وقوانين الأعراف عسكرية
وتضيف عباس لـ"الترا سودان": "أشعر بالقلق من مشاركة النساء في الحرب الحالية لأنها حرب غير أخلاقية ولا يخضع طرفاها لقواعد وقوانين الأعراف عسكرية، وليس بها معايير، وقد لا تحفظ الأطراف المتقاتلة حقهن لاحقًا في المشاركة السياسية". مشيرة إلى أن هنالك فرق بين النساء المقاتلات في فترة معارضة حكومة الإنقاذ والفترة الحالية من ناحية حقوقية، قائلة إنه قد حدثت موجات نسوية ووعي بحقوق النساء حتى المقاتلات.
وأشارت إلى أن النساء المنتميات لطرفي النزاع والموجودات في الصفوف الأمامية يمكن أن يقللن من حدة العنف الجنسي الذي يحدث خلال الحرب للنساء اللائي لم يحملن البندقية، ولكن عبرت عن قلقها عليهن، مرجعة ذلك "لعدم ثقتها بالأطراف المتحاربة".
وبعيدًا عن أجواء الحرب الحالية، تقول تهاني إن وجود نساء في المجموعات المسلحة عمومًا يساعد خلال التفاوض للسلام، حيث يعملن على فرض أجندة النساء في الحل السياسي، ووضع الدساتير.
النساء المستنفرات
وخلال الحرب الحالية في السودان، فتح الجيش السوداني العديد من المعسكرات المخصصة للنساء، حيث يطلق عليهن اسم "المستنفرات". وانتشرت المعسكرات التي تدرب النساء والفتيات على الفنون القتالية في العديد من المناطق، مثل نهر النيل وكسلا والبحر الأحمر بجانب النيل الأزرق.
وانقسمت الآراء حول حمل السودانيات للبندقية، حيث تقول إسراء حسن المستنفرة في إحدى المعسكرات بالولاية الشمالية، إنها أقبلت للتدريب من نفسها رغبة في الاستعداد لحماية الأهل والعرض. وأضافت لـ"الترا سودان": "بعد الاغتصابات التي قامت بها قوات الدعم السريع في الجزيرة ضد النساء، لم يعد لدينا خيار سوى الانخراط في التدريب العسكري استعدادًا لحماية أنفسنا".
وكانت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل "حكومية" قالت في تقرير لها، إن عدد حالات الاغتصاب والعنف الجنسي الموثقة منذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بلغت (136) حالة.
الكاتبة إحسان عبدالعزيز: تاريخ النساء المحاربات يختلف عن الاستنفار الذي يحدث الآن للنساء، والذي توجد به عوامل كثيرة تقلل من قيمة المرأة السودانية وتاريخها في الكفاح المسلح
الناشطة السياسية والكاتبة إحسان عبدالعزيز التي عايشت تجربة العمل العسكري للتجمع الوطني المعارض لحكم الإنقاذ، ووثقت تلك التجربة في كتاب "نساء في مرمى البندقية"، قالت إن هنالك اختلاف كبير بين المقاتلات في فترة التسعينات والوقت الحالي، لأن النساء المنخرطات في القتال وقتها يذهبن بطوعهن للمشاركة في الحرب للدفاع عن حقوقهن ومناطقهن، ولقد كان هنالك عددًا كبيرًا من النساء المنضمات للجيش الشعبي، وكانت توجد "كتيبة بنات" تقاتل في جبهة جنوب السودان.
وأضافت لـ"الترا سودان": "تاريخ النساء المحاربات يختلف عن الاستنفار الذي يحدث الآن للنساء، والذي توجد به عوامل كثيرة تقلل من قيمة المرأة السودانية وتاريخها في الكفاح المسلح". وزادت: "في حملة نساء ضد الظلم استطلعنا وسط النساء، ووجدنا أن أغلبهن تم إدخالهن بأجندة حماية أنفسهن ضد انتهاكات العنف الجنسي والنوع الاجتماعي/ ولكن إنها كلمة حق أريد بها باطل؛ ولماذا النساء يحملن السلاح لحماية أنفسهن وهو دور مفترض أن يقوم به الجيش السوداني"، حد قولها.
وأردفت بأن معظم المجموعات النسوية ترفض تسليح النساء باعتبار أن المستنفرات تُسْتَغَلّ احتياجاتهن المادية وإثارة خوفهن من الانتهاكات التي يمكن أن تحدث لهن، لذلك نحن كمجموعات نسوية نرفض تسليح الشعب السوداني من حيث المبدأ. ومضت إحسان عبدالعزيز بالقول: "الاستنفار زاد رقعة الحرب والمقصود منه تمجيد الحرب. هذه الحرب بين مليشيات، ولا تحمل أهداف الشعب السوداني، وإقحام النساء فيها أمر غير مقبول لأنهن أكثر الفئات تضررًا منها، والمرأة رمز للسلام".
وختمت حديثها بالقول: "إذا كانت هذه حرب ضد عدو خارجي هاجم البلاد كنا سوف ننادي بتجنيد النساء، ولكن هذه الحرب تتقاتل فيها مليشيات وأنصار النظام السابق، ولا مصلحة للشعب السوداني فيها"، حد قولها.