30-ديسمبر-2020

تعبيرية (PNG Egg)

برغم أن تعبير "بودكاست" لا يدلل حصرًا على التدوين الصوتي، بما يحتمل التدوين الصوتي المرافق لمواد بصرية، إلا أنه حصرًا أصبح يستخدم للدلالة على التدوين الصوتي.

وفي الأعوام الأخيرة، تصاعد بشكل لافت الاهتمام بالمحتوى الصوتي على الإنترنت، المبثوث عبر تقنية البودكاست بعد أن تراجع الاهتمام  بالمنتوج الصوتي بشكل عام على الإنترنت منذ نهايات العشرية الأولى من الألفية الجديدة، لحساب منصات الفيديو، ليحتل موقع مقاطع الفيديو الشهير، وأكبر المواقع على الويب زيارة، يوتيوب، حيث حقق هذا العام المركز الأول عالميا، بواقع (8.5) مليار زيارة خلال 2020.

 كان من اللافت، توجه عدد من المواقع الإعلامية العربية والعالمية مؤخرًا، في مشاريع إنتاج البودكاست

لكن، كان من اللافت، توجه عدد من المواقع الإعلامية العربية والعالمية مؤخرًا، في مشاريع إنتاج البودكاست، يعد أشهرها على المستوى العربي مدونات "ميدان"، موقع الجزيرة بودكاست التابعة للشبكة الجزيرة الإعلامية، الذي أطلق موقعه المخصص لبودكاست العام الماضي جهدًا مقدرًا للمنتوج الصوتي، بإطلاقه عددًا من قنوات البودكاست لعدد من الإعلاميين العاملين بالشبكة. كما كشفت شبكة الجزيرة مؤخرًا عن شراكة إستراتيجية ما بين الشبكة ومؤسسة "وندري" الصوتية، منفذين معًا أحد أميز سلسلات قنوات البودكاست العربية، التي أطلقت عليها سلسلة "حروب الأعمال" في نسخة عربية من السلسلة التي تنتجها الشركة الأمريكية، والتي تستعرض خفايا وأسرار أشهر الصراعات في مجال الهيمنة التجارية لأبرز العلامات التجارية في العالم، كالصراع المحتدم ما بين شركتي بيبسي وكوكا كولا الشهيرتين.

اقرأ/ي أيضًا: العلامات.. جينات المستحيل في العقل

نحاول في هذا المقال أن نستعرض أبرز الأسباب التي تجعل البودكاست خيارًا مناسبًا لرواد الإنترنت، مما قد ينبئ بعودة العصر الذهبي لهيمنة الصوت.

تكاليف منخفضة مقارنة بالفيديو

تختلف تكاليف تشغيل الإنترنت في مختلف دول العالم، لكن من الممكن القول إنه بالنسبة لقطاع كبير من سكّان العالم؛ تعد كلفة الإنترنت باهظة لدرجة ما، وخصوصًا بالنسبة للدول الإفريقية والدول ذات الدخل المتدني، مما يجعل تصفح الإنترنت، بشكل حر، أحد الأمور التي قد تصعب على سكّان هذه الدول.

مع سيادة الموقع العالمي "يوتيوب"، يجد الكثيرون أنهم محرومون من إشباع حاجتهم في مشاهدة المقاطع المنتشرة، أو متابعة اهتماماتهم على قنوات الموقع، نظرًا للتكلفة العالية لتشغيل مقاطع الفيديو على الإنترنت، ما لا يحدث بشكلٍ نسبي مع الاستماع للمقاطع الصوتية على الإنترنت، مما يجعل خيار البودكاست خيارًا معقولًا في حال استطاع تقديم محتوى ثري يواكب متطلبات متصفحي الإنترنت.

خيار أقل جهدًا بالنسبة لمنتجي المحتوى الحر

من ناحية أخرى، هناك أمر آخر يحفز معدي المقاطع الصوتية لمد الشبكة العنكبوتية بمنتوج ضخم من المواد الصوتية، نسبة لأن إنشاء وإدارة قناة بودكاست خاصة لا يتطلب تخصصية وإلمام احترافي بمتطلبات الإنتاج التقنية، مقارنة بإدارة وإنتاج محتوى بصري لصالح الشبكة العنكبوتية الذي يتطلب معرفة متخصصة نوعًا ما ببرامج المونتاج وتقنياته، كما يتطلب إنتاج محتوى بصري أجهزة حاسوبية بمواصفات وبيئة محددة، تكلف أيضًا الراغبين في مد الإنترنت بإنتاجاتهم الخاصة، ما لا يحدث في حال التوجه لإنتاج المواد ذات الطبيعة الصوتية، مما جعل قنوات البودكاست تحقق نموًا وتنوعًا سريعًا في السنين الأخيرة الماضية.

بالرغم من أن موقع "ساوند كلاود" لم يحقق نجاحًا باهرًا كما كان يتوقع له، إلا أن معظم قنوات البودكاست الأخيرة بدأت وكأنها تسعى بشكل جاد لطرح نفسها كبديل لمواقع إنتاج الفيديو، حيث وصلت لمليون قناة بودكاست مسجلة عبر العالم، فلم تعد قنوات البودكاست تقدم محتوى صوتي صرف، فأثناء الأداء الصوتي، قدمت تجربة سلسلة حروب الأعمال، مادة صوتية منتجة تحت التأثيرات الدرامية، بوجود المؤثرات الصوتية والموسيقية، مع محاولة نقل المستمع إلى أجواء اللحظات التاريخية عبر الأداء الدرامي.

ربما تعد هذه النقطة، أحد النقاط التي تتفوق فيها القنوات الصوتية على قنوات مقاطع الفيديو التي تقدم مقاطع ذات ثراء بصري بما يخلق نوعًا من التشويش على الفكرة الأساسية للمنتج، يعزز هذا الافتراض أن معظم القنوات التي حققت نجاحًا على يوتيوب كانت تقدم محتوى ذا طابع شخصي أكثر منه معرفي أو متخصص، فيما لا تسجل معظم القنوات ذات الطبيعة التعليمية أو المتخصصة نجاحًا كبيرًا مقارنة بالقنوات الشخصية على يوتيوب.

محتوى أكثر تخصصية مع سهولة الوصول إليه

وعلى العكس تمامًا، يأتي التفوق في قنوات البودكاست، للمواد ذات الصبغة التعليمية والأكاديمية والمتخصصة، فيما تحل القنوات الشخصية في ذيل اهتمامات متابعي قنوات البودكاست.

اقرأ/ي أيضًا: "محاكمة سبعة شيكاغو".. التاريخ يراوح مكانه

يلحظ أيضًا اتجاه عدد من المنصات المرموقة ذات المحتوى الكتابي، إلى تحويل منتوجها إلى تدوينات صوتية، كمدونات "ميدان"، ما يجعله ملائمًا لفاقدي البصر، مما يخلق شمولية أوسع لمتابعي منتوج الإنترنت.

مقاطع الفيديو تناسب لحظات الصفاء المنزلي إلا أن الاستماع للتدوين الصوتي لا يكلف كثيرًا

في عالم متسارع، ومع ضغوط الحياة، يتطلب متابعة مقاطع الفيديو عبر الهاتف الشخصي أجواء خاصة، فهي لا تصلح للمشاهدة في المواصلات العامة مثلًا، كما أنها تتطلب عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي، مما يجعلها تناسب لحظات الصفاء المنزلي، إلا أن الاستماع للتدوين الصوتي، أثناء طريقك إلى العمل، أو حتى في المواصلات العامة، لا يكلفك كثيرًا، ولن يجعل احتمالية تعرضك لحادث سير -لا قدر الله- أثناء استخدامك لهاتفك أمرًا مرجحًا، بل ربما يعد ذلك نوعًا من الاستفادة من الزمن، كما تطرح عدد من قنوات البودكسات نفسها، كأفضل استغلال للحظات المهدرة.

اقرأ/ي أيضًا

هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الصحافة والصحفيين؟

"أنثى الأنهار" تكتسي بالذهب