بعد رحلة نزوحه إلى بورتسودان يعمل المواطن الطيب (29 عام) في أحد المطاعم الشعبية في المدينة، حبات العرق التي تتلألأ في جبينه تنبئ عن عدم اعتياده على العمل في مثل هذه المهن، فالطيب والذي كان يعمل في إحدى الشركات المرموقة بالخرطوم، كان لديه مكتب مجهز بالكامل ليكون بيئة خصبة للإبداع، ناهيك عن خطة محكمة يسير عليها في إطار النمو المهني والبحث دائمًا عن الأفضل حتى اندلاع حرب ال15 من نيسان/أبريل الماضي والدائرة حتى الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتهدم كل الخطط والأحلام التي رسمها الطيب الذي تبدلت حياته بين ليلة وضحاها، فأصبح يعمل في أحد المطاعم نهارًا بينما يعمل ليلًا سائق أجرة على سيارة والده ليؤمن منصرفات السفر التي أصبحت باهظة جدًا على شاب في مثل سنه.
خبير لـ"الترا سودان": ارتفعت أسعار تذاكر الطيران لتعطل حركة الملاحة الجوية في البلاد
يقول الطيب نورالدين لـ"الترا سودان" إنه يرغب في السفر إلى أي دولة في الخليج العربي يمكنه فيها أن يواصل مسيرته المهنية بشكل طبيعي، ولكن مع ارتفاع أسعار تذاكر الطيران والتي تتراوح بين (500) إلى (850) دولارًا لرحلة ذهاب فقط بلا إياب إلى وطن مزقته الحرب، صعبت عليه تأمين منصرفات الرحلة بشكل سريع، بحيث سيتطلب الأمر أشهرًا من العمل والادخار حتى يؤمن هذا المبلغ، مضيفًا أنه لا يملك خيارًا آخرًا في ظل الركود الاقتصادي الذي يعاني منه السودان، ونقل عدد من الشركات نشاطاتها لدول الجوار، الأمر الذي أدى بدوره إلى ندرة في فرص التوظيف.
وفي ذات السياق يصف يوسف محمد (32 عامًا) أسعار التذاكر بـ"الجنونية"، والذي وصل حديثًا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن كلفته الرحلة أن يضحي مع زوجته بالحلي الذهبية التي قدمها مهرًا لها في زواجهما الذي أقيم قبل عام من الآن. ويضيف يوسف أنه اتجه إلى الإمارات ليبحث عن عمل ويؤسس حياة جديدة بعد أن فقد وظيفته بالخرطوم، مؤكدًا أنه ما زال يطمح في تحقيق الكثير.
وأرجع الخبير الاقتصادي محمد عمر ازدياد الأسعار لتعطل حركة الملاحة الجوية في البلاد، الأمر الذي أدى إلى اقتصار العمل على عدد من الشركات التي واجهت بدورها ظروف سيئة جراء الاشتباكات التي دارت في مطار الخرطوم في الأيام الأولى للحرب، والتي خلفت عليها خسائر طائلة. ويضيف عمر أنه وبعد مرور أربعة أشهر على الحرب، لا يرى مبررًا لاستمرار ارتفاع أسعار التذاكر، وإنه لا بد من تدخل السلطات لوضع قيود على أسعار التذاكر لتسهيل حركة السفر خاصة على المواطنين الذين يسافرون بغرض العلاج.
وبحسب منشورات لمواطنين على منصة لينكدإن المختصة في التوظيف، يعاني عدد من السودانيين ممن شدوا الرحال للبحث عن فرص عمل خارج السودان من الاستغلال، والذي يأتي على شاكلة عروض عمل غير منصفة مقارنة بسوق التوظيف خاصة في دول الخليج العربي، وذلك نسبة لعلم أرباب العمل لحاجة أبناء السودان لهذه الفرص في ظل الظروف الاقتصادية التي خلفتها الحرب.
يقول هشام محمد (34 عامًا) إنه وبعد عدة أشهر من البحث عن وظيفة في دولة مصر العربية تحصل على عمل براتب وقدره أربعة آلاف جنيه مصري، ووصف هشام العرض بأنه لا يتناسب مع إمكانياته بعد أن كان يعمل في إحدى الشركات العملاقة بالبلاد، فيما اكتسب سنوات من الخبرة ولديه عدد من الشهادات المهنية التي تمكنه من الحصول على عروض أفضل لولا الأزمة التي تمر بها البلاد - بحسبما أفاد في حديثه لـ"الترا سودان".
والجدير بالذكر أن هنالك مبادرة أطلقت في جمهورية مصر العربية لإسناد السودانيين المتأثرين بالحرب، بحيث كشفت الدكتورة أميرة الفاضل -وهي عضو في المبادرة- عن توفير فرص عمل من خلال التعاون مع ثلاث جهات مصرية، والتي ستقدم وظائف عمالية لعدد كبير من السودانيين اللاجئين هناك، فيما أشارت لإقامة دورات تدريبية لتأهيل الشباب السوداني للعمل في السوق المصرية.
منذ اندلاع الحرب في السودان يعاني المواطن السوداني في إيجاد سبل لتوفيق أوضاعه بعد نزوح الملايين
ومنذ اندلاع الحرب في السودان يعاني المواطن السوداني في إيجاد سبل لتوفيق أوضاعه بعد نزوح الملايين، إضافة إلى توقف معظم المؤسسات عن العمل الأمر الذي زج بالمواطن السوداني في طريق البحث عن مخرج، فكان السفر هو الحل الأمثل للبحث عن فرص عمل في الخارج، ليجد المتاريس تنتظره على هيئة ارتفاع مهول في أسعار التذاكر، وعروض عمل غير مجدية، فأصبحت الحرب واقعًا يطارد السودانين إلى الخارج.