11-أغسطس-2023
معلمة تدرس طالبات في أحد الفصول

تأثر قطاع التعليم جدراء الحرب في السودان (Getty)

أثار قرار وزارة التربية والتعليم الاتحادية بإلغاء امتحانات شهادة المرحلة الابتدائية وامتحانات النقل إلى مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي لهذا العام – أثار ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد للقرار ورافض.

جاء القرار الحكومي لمعالجة وضع التلاميذ في الخرطوم والمدن التي يستعر فيها القتال بين الجيش والدعم السريع، إذ قررت وزارة التربية والتعليم الاتحادية نقل تلاميذ الصف السادس إلى المرحلة المتوسطة دون الحاجة إلى إجراء الامتحانات، مراعاةً لظروف الحرب والآثار الاقتصادية والإنسانية التي خلفتها.

خبير في قطاع التعليم لـ"الترا سودان": الحرب وضعت عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات على المحك ولا سيما من نزحوا داخليًا مع عائلاتهم

ومع أن بعض الولايات أجرت الامتحانات لتلاميذ الصف السادس في مرحلة الأساس، لم تتمكن ولايات أخرى من تنظيم الامتحانات لأسباب أمنية واقتصادية إلى جانب عدم صرف رواتب المعلمين لأربعة أشهر.

في ولاية كسلا شرقي البلاد مثلًا أعلنت نتائج الامتحانات الأسبوع الماضي، وهي من الولايات التي جلس تلاميذها للامتحانات في منتصف حزيران/يونيو الماضي، ومع أنها لا تعد ضمن الولايات المتأثرة بالقرار، لكن هناك سؤال عن مصير التلاميذ الذين رسبوا في الامتحانات.

أزمة التعليم لا تقتصر على تلاميذ الصف السادس بالمرحلة الابتدائية، لأن مصير نصف مليون طالب كانوا يستعدون للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية الشهر الماضي، أصبح مستقبلهم متنازعًا ما بين انتظار حسم الحرب عسكريًا أو الوصول إلى اتفاق سلمي يسمح باستئناف نشاط مؤسسات الدولة والحياة العامة.

https://t.me/ultrasudan

يقول الخبير في قطاع التعليم أحمد وهبة لـ"الترا سودان" إن الحرب لا تساعد على اتخاذ القرار المناسب لأن التقييم يحتاج إلى تنسيق بين المؤسسات الحكومية في الولايات البعيدة عن النزاع المسلح، وحتى إذا حدث تنسيق فهناك ضعف في مؤسسات التعليم في الولايات لأنها مكاتب صغيرة في المحليات بميزانيات مالية شحيحة للغاية – على حد قوله، بالإضافة إلى أن التعليم الخاص في الولايات ليس واسعًا بسبب ظروف المواطنين – وفقًا لوهبة.

ويرى وهبة أن الحرب وضعت عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات على المحك، ولا سيما من نزحوا داخليًا مع عائلاتهم. وفي هذا الصدد يعتقد وهبة أن القضية تحتاج إلى تحرك جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني لاستفسار وزارة التربية والتعليم عن خطتها البديلة حال استمرار الحرب أشهرًا عديدة.

يقول وهبة إن المدارس الحكومية في الولايات غير مهيأة لاستقبال القادمين من العاصمة الخرطوم ولا يمكن التعويل عليها من دون خطة واضحة وتوسع في رقعة التعليم بالولايات مع منح ميزانيات مالية معتبرة ومكافأة المعلمين ماليًا. ويشير وهبة إلى إيواء النازحين في المدارس بالولايات التي استقبلت النازحين وتبلغ نحو (89) مدرسة يقيم فيها النازحون، لافتًا إلى ضرورة إيجاد مراكز إيواء بديلة وملائمة لهؤلاء النازحين.

مدرسة لإيواء النازحين في مدني
استخدمت العديد من المدارس في الولايات الآمنة نسبيًا ملاجئ لاستقبال النازحين جراء الحرب (Getty)

ويوضح وهبة أن دعم وكالات الأمم المتحدة مثل "اليونيسيف" للتعليم لا يمكن الاعتماد عليه لأنها تعمل في مجالات محددة وفي مناطق ساخنة، بينما هناك مئات الآلاف من التلاميذ يبحثون عن التعليم المنتظم ولا يجد الآباء تطمينات حكومية – على حد قوله.

وفيما يخص الدراسة الجامعية، هناك أيضًا مشاكل تواجه الطلاب والطالبات، فمثلًا أعلنت جامعة الخرطوم آب/أغسطس الجاري موعدًا لامتحانات الصفوف النهائية في بعض الكليات، فيما حددت أربعة مراكز، ثلاثة منها بالولايات في كل من ود مدني والقضارف وعطبرة، ومركز خارجي في القاهرة.

هذه التطورات فاجأت عائلات الطلاب، واضطروا إلى إرسال أبنائهم إلى هذه المراكز، والغالبية منهم كانوا يستفسرون على الشبكات الاجتماعية عن كيفية الحصول على السكن، فيما وصلت عروض إلى بعض الطلاب لتجهيز غرف فندقية بقيمة (1.2) مليون جنيه شهريًا في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي البلاد أي ما يعادل (1,400) دولار أمريكي من دون تكاليف الطعام والمصروفات الإضافية.

تقول ليلى وهي أم أرسلت ابنتها إلى عطبرة لتجلس للامتحانات التي أجرتها جامعة الخرطوم إن العائلة جمعت مبلغًا من المال ومنحتها لابنتهم حتى تتمكن من السفر. "لقد غادرت إلى هناك من مدينة دنقلا رغم ظروف نزوحها من العاصمة الخرطوم" – أوضحت ليلى.

وتضيف لـ"الترا سودان" إن الإعلان عن الامتحانات جاء قبل وقت قصير، ولم يتمكن الطلاب من تدبير أمورهم المالية وحتى النفسية ومعروف أنهم تضرروا نفسيًا واقتصاديًا من الحرب.

وبينما نقلت بعض الجامعات الخاصة مقارها إلى بعض الدول مثل جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا التي نقلت مقرها إلى دولة تنزانيا شرق القارة، نقلت جامعة العلوم والتقانة بعض أنشطتها الأكاديمية إلى ولاية سنار.

بينما يظل مصير جامعات حكومية في الخرطوم والولايات غير معروف، ولا سيما مع استمرار أزمة الرواتب في القطاع العام وعدم وجود يقين لمعالجة حكومية مستدامة على ما تقول النقابات العمالية.

وقال مصدر نقابي سابق من الهيئة النقابية لجامعة الخرطوم لـ"الترا سودان" إن الصرف الحكومي على التعليم كان يشكل نسبة (0.1%) من الموازنة قبل الحرب، ولا يمكن أن نتوقع الأفضل في ظل الحرب وارتفاع خطاب التجييش والأولويات العسكرية والأمنية مع ضعف كفاءة الجهاز التنفيذي وما ينتظر التعليم "أسوأ بكثير مما حدث سابقًا" – بحسب المصدر.

وقال النقابي السابق إن جامعة الخرطوم اضطرت إلى وضع الامتحانات لأن الحرب قد لا تتوقف وقد لا تستقر الأوضاع قريبًا في الخرطوم. وفي الوقت نفسه هناك صعوبة للجامعة في استئناف نشاط بقية الكليات. "أعتقد أن ذلك لن يحدث بسهولة" – يضيف المصدر.  

فيما يعكس الخبير في قطاع التعليم أحمد وهبة صورة قاتمة لمستقبل التعليم في السودان. ويرى أن ملايين الأطفال سيجدون أنفسهم إما في عام دراسي مضطرب وفي مدارس سيئة بالولايات ما يزيد من نسب التسرب المدرسي بزيادة عمالة الأطفال ولا سيما في المدن الكبيرة المكتظة. وأضاف: "بعض النازحين  أولوياتهم الطعام والمأوى، إذا عثر الأطفال على فرصة عمل اضطراري فلن يرفضوا ذلك، بالنسبة إليهم المال هو الأهم، ومن المتوقع أن يؤثر تسرب الأطفال من المدارس على الشبكات الاجتماعية".

تقول منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) إن (14) مليون طفلًا في السودان يواجهون مشاكل الغذاء وصعوبات بما في ذلك مشكلة الحصول على تعليم منتظم.

وقال أحد موظفي "اليونيسيف" من الذين يعملون في مشاريع التعليم لـ"الترا سودان" مشترطًا عدم ذكر اسمه – قال إن دعم وكالات الأمم المتحدة لا يمكنه أن ينهي الأزمة في قطاع التعليم لأن التمويل الدولي أصبح في تراجع مؤخرًا – على حد قوله.

ويعتقد هذا المسؤول أن حل مشكلة التعليم في المجتمعات التي تشهد نزاعات مسلحة عادةً يواجه بتعقيدات، بما في ذلك أن يكون الأطفال ضمن صفوف المقاتلين في الحرب، وهو ما يعرف بتجنيد الأطفال قسريًا ربما أو بإغراء العائلات بالمال.

هناك بدائل يطرحها بعض الخبراء في قطاع التعليم مثل التوجه نحو تنمية التعليم في الولايات، لكن هذا مرتبط بمدى كفاءة الجهاز الحكومي وفق ما يقول مصدر من وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم – الولاية الأكثر تضررًا من الحرب في قطاع التعليم.

ويرى المصدر في حديثه إلى "الترا سودان" أن قضية التعليم بعد الحرب لم تصعد إلى السطح لأن النزاع المسلح بدأ في نهاية العام الدراسي، وحاولت بعض الولايات تدارك الأمر بتنظيم الامتحانات، لكن تبقى قضية جلوس طلاب الشهادة السودانية للامتحانات هذا العام "قضية معقدة" على حد قوله، لأن الخرطوم عادةً هي مركز صناعة القرار وتنظيم الامتحانات على مستوى البلاد – بحسبه.

وحسب المصدر، لا يمكن التفاؤل بشأن تحسن التعليم في ظل الحرب، وقال إن الحل الجذري هو توقف القتال وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتكوين حكومة قادرة على معالجة القضايا، بما في ذلك التعليم باعتباره أولوية، لأن هذا القطاع يعاني من التدهور منذ جائحة كورونا في العام 2020 – على حد قوله.

مسؤول في "اليونيسيف" لـ"الترا سودان": إذا لم تتوقف الحرب لا مفر سوى إقامة "منطقة خضراء" في الولايات للتعليم، لكنها بحاجة إلى إرادة شعبية ورسمية

 وقال إن التحدي الأساسي في قطاع التعليم ليس في التمويل المالي بل في ضمان كفاءة جهاز الحكومة في الولايات للصرف على التعليم وتأهيل المعلمين والمدارس، لأن التعليم الجيد هو أساس نهضة البلاد. وأضاف :"إذا لم تتوقف الحرب لا مفر من إقامة منطقة خضراء للتعليم (Safe Green Area For Education) في الولايات، لكنه مشروع يحتاج إلى معجزة أو إرادة شعبية ورسمية لإنقاذ (14) مليون طفل من خطر التشرد".