16-أغسطس-2023
نازحون من الخرطوم جراء الحرب

نزح نحو 4 ملايين شخص جراء الحرب بحسب تقارير الأمم المتحدة (Getty)

عندما سمع أصوات الذخيرة للوهلة الأولى اعتقد مازن الذي يقيم في حي "الامتداد" جنوبي العاصمة الخرطوم أن الأمر مجرد ألعاب نارية وستتوقف لا محالة، وواصل في نومه حتى استيقظ مرة أخرى على أصوات المدافع صبيحة 15 نيسان/أبريل الماضي بداية النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع. 

لم يترك انعدام الممرات الآمنة أمام الفارين من الحرب فرصة للعودة إلى الخرطوم وجلب الأغراض المهمة أو حتى إطعام الحيوانات التي كانت تعيش في منازلهم

لم يخطر في بال مازن (28 عامًا) أن التجهيزات العسكرية التي سبقت الحرب ونقل الآليات والمعدات الحربية في وضح النهار كانت إجراءات جدية في سباق التسليح من الجانبين منذ نهاية آذار/مارس الماضي.

كشفت تقارير سبقت الحرب جرى تداولها على الشبكات الاجتماعية أن قوات الدعم السريع نقلت قطع حربية وآلاف المقاتلين من إقليم دارفور خلال نهاية آذار/مارس ومطلع نيسان/أبريل، أي قبل الحرب بأقل من شهر.

يبدو أن مازن لم يكترث أيضًا بالاستعدادات العسكرية التي سبقت القتال بين الجيش والدعم السريع مثل غالبية السودانيين الذين كانوا يطردون الحرب من خيالهم، وبعد أربعة أشهر وجد هذا الشاب نفسه خارج البلاد مقيمًا في مصر.

قال مازن لـ"الترا سودان" إن الحرب كانت "عبارة غير موجودة في مخيلتنا". "ربما سمعت أو شاهدت في التلفاز الصراع المسلح في بعض مناطق إقليم دارفور، لكن في منتصف نيسان/أبريل عشت الحرب أمام عيني بعد أن كانت تطرق مسامعي منذ سنين" – يضيف مازن.

https://t.me/ultrasudan

عندما ترك الملايين من سكان العاصمة الخرطوم منازلهم ومقار إقامتهم لم يكن في خلدهم أن هذه الحرب ستجبرهم على الإقامة شهورًا ينتظرون توقفها وهم خارج العاصمة أو البلاد، واليوم تدخل الحرب شهرها الخامس مع انعدام اليقين بشأن نهايتها.

"أمل" التي تصطحب طفلتيها بمدينة "عطبرة" بولاية نهر النيل تقول إنها غادرت على عجل وفي بالها العودة بعد أسبوع أو أقل، لم تحمل مستنداتها الخاصة ولا حتى الأوراق الثبوتية، بما في ذلك جوازات السفر الخاصة بهم.

بعد شهرين ونصف تمكنت من إحضار الجوازات والقليل من الأغراض الخاصة من الخرطوم بحري بواسطة شخص يقدم مثل هذه الخدمات بمقابل مالي حصل على (150) ألف جنيه أي ما يعادل (200) دولار أمريكي. لأمل الأوراق الثبوتية تستحق المجازفة بهذا المبلغ.

"العودة إلى الخرطوم".. هذه الأمنية تراود مرام التي وصلت إلى مدينة كسلا تاركةً ملابسها ومقتنياتها الخاصة، وظلت على حالة من الشعور بالندم بحسب إفادتها لـ"الترا سودان".

نازحون جراء الحرب في السودان
فر نحو 4 ملايين شخص من منازلهم جراء الحرب في السودان (Getty)

لم يترك انعدام الممرات الآمنة أمام الفارين من الحرب فرصة للعودة إلى الخرطوم وجلب الأغراض المهمة من المنازل أو حتى إطعام الحيوانات التي كانت تعيش في منازلهم ونفقت العديد منها بسبب الجوع وفق الإعلانات المتداولة على الشبكات الاجتماعية مثل "فيسبوك" عن حاجة بعض الأشخاص إلى إطعام حيواناتهم.

القتال في السودان يصنف بأنه عنيف جدًا، ولم يترك الوقت أو المساحة أمام الملايين لالتقاط أنفاسهم أو ترتيب أمورهم لا سيما فيما يتعلق بالوضع المعيشي.

يقول الباحث في مجال الشؤون الإستراتيجية محمد عباس لـ"الترا سودان" إن القتال في الخرطوم عكس تمامًا استحالة تعايش المدنيين مع الحرب، لافتًا إلى لجوء قوات الدعم السريع إلى الاحتماء بالأحياء السكنية في الخرطوم في أعقاب قصف سلاح الطيران التابع للجيش معسكرات الدعم السريع في العاصمة. وأضاف: "بانتشار قوات الدعم السريع في الأحياء أخذ القتال في الخرطوم منحًى آخر ولا سيما بعد احتلالها للمنازل، ما يعني أن هناك من قرر البقاء رغم الحرب، ولكنه ترك منزله مضطرًا لأن الدعم السريع احتله".

وتابع عباس: "كان الأمر سيكون مختلفًا لو كانت معارك تقليدية مثل المواجهة العسكرية في مناطق غير مأهولة بالسكان، ربما في هذه الحالة كان بإمكان المدنيين البقاء في منازلهم وانخفضت حركة النزوح".

ويشير الناشط في منظمات المجتمع المدني بدر الدين أحمد لـ"الترا سودان" إلى إرهاصات الحرب بين الجيش والدعم السريع، ويقول إن "شواهد قوية" سبقتها، مثل إغلاق مصادر المعلومات من العسكريين وعدم تسريب المعلومات حتى "ساعة الصفر".

ويوضح أحمد أن هناك قصورًا في عمل الصحافة التي عجزت عن كشف استعدادات الحرب، ولكنه يعود ويقول إنها –أي الصحافة– عجزت عن ذلك لأن الفترة التي سبقت النزاع المسلح كانت "فوضوية للغاية"، وكان من الصعب تفادي الحرب من دون جهود سياسية كبيرة "لم تُبذل على نحو مناسب ومسؤول" – على حد قوله.

ويرى بدر الدين أحمد أن الحرب قد وقعت، لكن المخاوف من أن تسد أبواب العودة أمام السودانيين إلى بلادهم ومنازلهم، وذلك بإطالة الحرب وعدم التعلم من "التجربة المريرة" – بوصفه. وأضاف: "إذا توقفت الحرب فيجب أن تتوقف نهائيًا في جميع أنحاء البلاد، وذلك بإزالة مسبباتها مثل التهميش الاقتصادي والفقر وغياب العدالة".