10-أغسطس-2023
امرأة نازحة في الخرطوم جراء الحرب

نزحت العديد من الأسر هربًا من الحرب في الخرطوم (Getty)

هناك على حدود الأحياء القديمة في مدينة أم درمان غربي الخرطوم، بدت الاشتباكات أكثر ضراوة من ذي قبل بعد انقضاء أكثر من (100) يوم على الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الدائر منذ منتصف نيسان/أبريل المنصرم بحسب شهود عيان. القذائف العشوائية باتت شبحًا يهدد مواطني أحياء أم درمان القديمة. وبحسب شهادات مواطنين، انطلقت تحذيرات من جهات عسكرية للأهالي هناك لإخلاء هذه المناطق لأنها باتت منطقة عمليات، فما كان من المواطنين إلا أن حزموا حقائبهم ونزحوا سيرًا على الأقدام من أم درمان إلى أم درمان – تحديدًا إلى محلية "كرري" التي لم يجدوا لأنفسهم ملاذًا آمنًا غيرها، فانطلقت المبادرات الشعبية من مواطني محلية "كرري" لاستقبال النازحين من أحياء أم درمان القديمة؛ فتحت المدارس أبوابها على مصراعيها، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المبادرات الرامية إلى إيواء المواطنين في المساكن الفارغة بأحياء محلية "كرري". ليس ذلك فحسب بل انطلقت مبادرات تهدف إلى تأمين وجبات لهؤلاء النازحين في مشهد تكافلي سيسطره تاريخ السودان الحديث.

يصف خبير اجتماعي لـ"الترا سودان" ما يحدث في مدينة أم درمان بأنها "ملحمة تاريخية في الكرم والتكافل"، مؤكدًا أن هذا هو النسيج الاجتماعي الحقيقي للسودانيين

مبادرات شعبية

بدأت الأخبار تتسلل رويدًا رويدًا إلى حي "الجرافة" بأم درمان عن طلب جهات عسكرية من الأهالي بإخلاء منطقة أم درمان القديمة، وذلك من خلال العلاقات الأزلية التي خلقتها ميادين "الدافوري" بين الأهالي والعلاقات الأسرية بين المواطنين في مختلف الأحياء التي ظل مواطنوها محافظين على مبدأ "النفاج" حسب ما أفاد المواطن محمد صديق. ويضيف صديق أن المبادرة انطلقت بطريقة عفوية عندما أرسل أحد الأهالي على إحدى المنصات الرقمية الخاصة بالمنطقة مقترحًا بالترحيب بأهالي أم درمان القديمة في حي "الجرافة" فلاقى ترحيبًا كبيرًا من الأهالي.

وفي حي "الثورة" بالحارة الثامنة تحديدًا يقول المواطن سامي طلعت وهو ناشط من سكان الحي إنهم فتحوا مدرسة الحارة الثامنة التي آوت حتى الآن ما يقارب الثمانية أسر، بجهود الأهالي بالحي الذين تكفلوا بتأمين وجبات للوافدين، ولكن المدرسة ما زالت تنقصها بعض المستلزمات التي يسعون لتأمينها في قريبًا، بينما هناك مبادرات لنقل الوافدين إلى مباني مدرسة أخرى بالحي نفسه كونها أكثر حداثة في تنفيذ مبانيها، مما سيجعل هذه الأسر في مأمن من الأمطار خاصةً بعد حلول فصل الخريف.

https://t.me/ultrasudan

وعلى منصات تنسيقية لجان مقاومة "كرري" أصبحت الأمور أكثر تنظيمًا، فانطلقت المنشورات تباعًا على الفضاء الإلكتروني معلنةً عن المدارس التي جُهزت لإيواء الأهالي، فكانت الأمور تتطور سريعًا.. الجميع يريد أن يساعد، كل من لديه أسرّة إضافية، كل من يملك عددًا من المراتب، فيما أعلن المواطنون الذين نزحوا خارج الخرطوم عن استعدادهم لفتح منازلهم بصدور رحبة للمساعدة في حل مشكلة التكدس بالمدارس، بينما امتلأت المنازل بالأسر في ظل ظروف اقتصادية جعلت المواطن السوداني جالسًا على صفيح من النار، بالإضافة إلى الندرة التي تعاني منها أسواق الخضروات واللحوم بعد انتشار عمليات السلب وخوف التجار على أموالهم وأنفسهم.

وجبات مجانية

وفي محلية "كرري" لم تتوقف مبادرات توزيع الوجبات على الوافدين الجدد من أحياء أم درمان القديمة فحسب، بل إن هناك مبادرات نشأت منذ اندلاع الحرب وانهيار الوضع الاقتصادي بالبلاد. تقول سلمى عبدالباقي وهي من مواطني محلية "كرري" لـ"الترا سودان" إن هنالك مبادرات تقدم من عدد من النساء إحداهن هي سوهندا عبدالوهاب التي نظمت "مبادرة عملاقة" مُولت بالجهود الشعبية، تقوم من خلالها بتقديم وجبات مرتين في الأسبوع. وتزامنت هذه المبادرة مع وصول مواطني أحياء أم درمان القديمة إلى محلية "كرري". وقدمت السيدة سوهندا الدعوات إلى الناشطين لاستلام وجبات من المبادرة لصالح الوافدين الجدد.

ويصف الخبير الاجتماعي محمد علي لـ"الترا سودان" ما يحدث في مدينة أم درمان بأنها "ملحمة تاريخية في الكرم والتكافل"، مؤكدًا أن هذا هو النسيج الاجتماعي الحقيقي للسودانيين. وأشار إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانعدام الأمن الذي لم يسلم منه مواطن محلية "كرري"، ولكنه –مع ذلك– كان قادرًا على فتح ذراعيه لمن هو أكثر معاناة منه – بحسب تعبيره. وناشد علي السودانيين في جميع بقاع السودان وخارج أراضي الوطن بأن يحذوا حذو مواطني مدينة أم درمان حتى نخرج من هذه المحنة التي يرى أنها لن تطول.

وما زالت الاشتباكات الدامية تطال أحياء مدينة أم درمان القديمة، مخلفة وراءها عشرات القتلى والجرحى من المواطنين بحسب ناشطين، مما دفع المواطنين هناك إلى ترك منازلهم هربًا من الموت الذي قد يكون محققًا مع المقذوفات التي تتساقط هنا وهناك، ولا تفرق بين مدني أو عسكري، فاختاروا أن تكون رحلة نزوحهم من أم درمان وإليها.