13-نوفمبر-2020

مظاهرة ضد التطبيع (العالم)

لا توجد معلومات تفصيلية عن زيارة وفد إسرائيلي إلى الخرطوم الأحد لإجراء مباحثات مع السلطة الانتقالية سوى بعض المعلومات الشحيحة الصادرة عن السلطة الانتقالية، التي تدير هذا الملف بتعتيم إعلامي، بحسب مراقبين يحذرون من أن التطبيع نفسه قد يضع التحول الديمقراطي في السودان على المحك.

محلل سياسي: مجموعة صغيرة في السلطة تتخذ قرارات جوهرية وخطيرة مثل التطبيع

في شباط فبراير 2019 التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي في ضاحية عنتيبي الواقعة خارج العاصمة كمبالا برعاية الرئيسي اليوغندي يوري موسفيني الذي حاول مساعدة نظام المخلوع أيضًا في التقارب مع تل أبيب، لكن الثورة الشعبية عجلت برحيل نظام البشير قبل إتمام الصفقة السياسية بين الخرطوم وتل أبيب.

اقرأ/ي أيضًا: مواجهات جديدة بين الجيش الحكومي وجبهة الخلاص الوطني جنوبي العاصمة جوبا

ويعتزم الطرفان السوداني والإسرائيلي الانخراط الأحد القادم في مباحثات هي الثانية من نوعها خلال شهرين حيث زار وفد إسرائيلي الخرطوم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ويرى المحلل السياسي كمال محمد الطيب في حديث لـ"الترا سودان" أن التطبيع الذي يجرى على قدم وساق بين السودان وإسرائيل قرار تم اتخاذه في الخرطوم بواسطة مجموعة صغيرة جدًا داخل السلطة الحاكمة، لأن المجموعة التي تسيطر على مراكز القرار تعتقد أنها يجب أن تقدم الحلول السياسية والاقتصادية بأقل تكلفة والحلول السهلة التي لا تبني الدول الخارجة من عهود حكم دكتاتورية.

ويرى الطيب أن المجموعة التي تقود عملية التطبيع مع إسرائيل تتعمد التعتيم الإعلامي لأن الشفافية تؤدي إلى معرفة الرأي العام السوداني بما يحدث في الغرفة المغلقة والتعبئة ضدها ورفضها وإفشالها.

ويضيف: "في الوقت الراهن المجموعة الحاكمة هي في سباق مع الزمن لإقرار التطبيع وإنجاز أكبر قدر من المكاسب حتى لا يتم التراجع عنها أو إفشالها ولذلك تتكتم على المباحثات".

ويردف الطيب: "إذا حصلت على شيء لا تملكه ولم تصنعه فإنك لا تعمل للحفاظ عليه وهو ما يحدث حاليًا للثورة وأهدافها"، فالمجموعة الحاكمة في نظر كمال محمد الطيب تسلك أقرب الطرق إلى النيوليبرالية عن طريق التطبيع مع إسرائيل وتطبيق سياسات البنك الدولي لأنها تعتقد أنها طرق توفر الحلول للأزمات وهذا اعتقاد خاطئ جدًا".

ويرى كمال محمد الطيب أن المجموعة الحاكمة تستغل عدم وجود مجلس تشريعي صلب وحقيقي وعدم وجود أحزاب سياسية فاعلة لتمرير التطبيع على وجه السرعة.

ويتابع: "هذه سرقة في الظلام وهم يعتبرونها فرصة ذهبية".

ويقول الطيب إن غياب الشفافية واتخاذ القرارات الجوهرية بواسطة مجموعة صغيرة لا يقل دكتاتورية عما كان يقوم به نظام المخلوع، وبالتالي إذا كانت الثورة الشعبية أطاحت بالبشير لماذا تكرر نفس أفعاله؟

اقرأ/ي أيضًا: حملت اسم "سلام".. أول مولودة بالسودان لفارين من الحرب الإثيوبية

ويعتقد المحلل السياسي كمال محمد الطيب أن التطبيع والهرولة إلى البنك الدولي يأتي عوضًا عن الحلول الداخلية، ومحاولة من هذه المجموعة الصغيرة تثبيت أركان الحكم القادم والذي قد يضع وحدة السودان على المحك.

ويحذر الطيب من أن الحديث عن مستقبل العلاقات بين السودان وإسرائيل ليس منطقيًا في ظل صعوبة التكهن بمستقبل البلاد نفسها ووجود ملامح الانقسام إلى دول أو حالة فوضى عامة لأن المجموعة الحاكمة تقدم تنازلات كبيرة والمستقبل قاتم جدًا.

فيما يشير الناشط في قضايا المجتمع المدني، حسام علي، إلى أن التطبيع بين السودان وإسرائيل لا يلتقي مع التحول الديمقراطي التي ينشدها السودانيون والتي من أجلها أطاح الشعب بالمخلوع.

ويضيف حسام علي: "ما هي مصلحة إسرائيل في قيام دولة ديمقراطية في السودان تعرقل مصالحها؟ الإجابة لا مصلحة لها في ذلك بالتالي كلما تحول التطبيع إلى واقع سياسي في مؤسسات الدولة كلما تأكلت حظوظ وآمال الناس في إحداث تحول ديمقراطي، وعلى القوى الثورية تحسس ديمقراطيتهم التي سعوا لها من خلال الثورة الشعبية".

ويحذر علي من أن التطبيع في أي دولة خاصة في الدول الفقيرة ينتج دولة قمعية لأن العلاقة تكون بين مجموعة صغيرة حاكمة وبين الكيان الصهيوني المحتل، وفي نظر حسام علي، الشعوب لا تكترث للتطبيع لأن إسرائيل نفسها تعاني من عدم اعتراف الشعوب بها.

ويتابع: "بالنسبة لواقع السودان هناك دولًا بعينها تريد فرض نموذج النيوليبرالية بالتطبيع مع البنك الدولي والولايات المتحدة وإسرائيل ومع تقدم هذا النظام السياسي الجديد سيتم فرض قوانين مقيدة للحريات السياسية مع إتاحة الحريات الاجتماعية وتخفيف القيود التي فرضها النظام البائد على المجتمع".

ويرى حسام علي، أنه بالرغم من أن هذا النظام الجديد قد يتعامل بشكل مرن مع المجتمع لكنه سيضيق الخناق السياسي على المجتمع المدني والسياسي المهتم بالتحول الديمقراطي، وهذه الإجراءات ماضية الآن وهو ما نراه من بلاغات كيدية ضد أعضاء لجان المقاومة من مؤشرات دالة على تحول إلى دولة قمعية.

اقرأ/ي أيضًا: لجنة التحقيق: المقبرة الجماعية تحرسها الشرطة ولم نبدأ أعمال النبش بعد

ويتوقع حسام علي تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية على غرار بعض الدول التي تتحالف حاليًا في الإقليم ونفذت هذه الإجراءات مؤخرًا.

 ورأى حسام علي، أن السودان سيسير على نفس الطريق وهو إجراء يتماهى مع التطبيع نفسه.

حسام علي: التطبيع والنظام الجديد الذي يجري تصميمه برعاية دولية من أسباب مغادرة الشيوعي للتحالف الحاكم

ويضيف علي: "الحزب الشيوعي شعر بقرب هذا النموذج الذي تم تصديره إلى السودان من دول الإقليم وقرر مغادرة قوى الحرية والتغيير بناءً على الإجراءات المرتقبة لأنه لا يمكن أن يكون في حاضنة سياسية لحكومة لديها علاقة مع إسرائيل ومع البنك الدولي والولايات المتحدة ودول خليجية يراها معادية للديمقراطية في السودان".

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق لمنظمة دولية يسلط الضوء على جرائم الإمارات ضد سودانيين وحربها بالوكالة

وتلقت الحكومة الانتقالية، خاصة الشق المدني انتقادات كبيرة على خلفية إدارتها لملف التطبيع بالكتمان وعدم تمليك الرأي العام المعلومات عن الخطوات التي اتخذت وعما إذا كانت الحكومة قد حصلت على تفويض من الحاضنة السياسية، حيث تعارض أحزاب سياسية الخطوة وتعتبرها ردة عن المبادئ وشعارات الثورة.

وتقول الصحفية والناشطة الحقوقية والمدنية ويني عمر لـ"الترا سودان" إن التطبيع يتعلق بمسألتين أساسيتين الأولى هي التطبيع نفسه حيث تعمل إسرائيل وحلفائها على خلق قبول أكبر لها في المنطقة حتى ولو كان ذلك عبر الابتزاز والضغط بملفات أخرى.

وترى ويني عمر أنه مهما كان  العائد من خطوة التطبيع، فإنه مرفوض ولن تغير من حقيقة أن إسرائيل هي: "كيان استعماري استيطاني ومسؤول عن ارتكاب جرائم وإبادات جماعية وتمييز وفصل عنصري ضد الشعب الفلسطيني ويمارس ضده العنف بشكل يومي.

وتضيف ويني عمر: "هذه حقيقة يجب أن نضعها نُصب أعيننا وعلى الحكومة الانتقالية أن تفكر فيما إذا كانت تريد أن تدعم كيانًا ذو توجهات عنصرية".

وتلفت ويني عمر إلى أن اسرائيل تخطط لمصالحها فقط، معربة عن مخاوفها من استغلال إسرائيل للأوضاع الاقتصادية والتعقيدات في السودان لفرض علاقات تجارية قائمة على استغلال واستنزاف الموارد الطبيعية والبشرية في البلاد.

ويني عمر: العجز الذي تظهره الحكومة الانتقالية يحدث تأثيره السالب على مجمل مسار الانتقال الديمقراطي

وتردف ويني: "المسألة الثانية تتعلق بالطريقة التي أدارت بها الحكومة الانتقالية هذا الملف من انعدام الشفافية التي صاحبت مسألة التطبيع وتضارب التصريحات بخصوصها يكشف عن التناقضات الموجودة داخل الحكومة الانتقالية".

وتشدد ويني عمر على أنه خلال المباحثات التي جرت بين السودان وإسرائيل لا يوجد أي توجه من الحكومة الانتقالية الانفتاح نحو مستوى أفضل من الشفافية وإشراك المواطنين في القرارات التي تُتخذ.

وتحذر ويني بالقول أن: "العجز الذي تظهره الحكومة الانتقالية يحدث تأثيره السالب على مجمل مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد".

اقرأ/ي أيضًا

المقابر الجماعية وقضية المفقودين هل تكسر الصمت لدى شركاء الحكم؟

ضحايا شركة "بلاك شيلد" الإماراتية يعتزمون رفع دعوى قضائية ضدها وبقية الأطراف