09-سبتمبر-2020

أعلنت الحكومة الانتقالية حالة الطوارئ لثلاثة أشهر نسبة لكارثة الفيضانات (Getty)

لم يتوقع أحد أن يثور النيل ثورته غير المسبوقة لهذا العام مخالفًا ما اعتاد عليه الناس، ليتخطف البنايات المتواضعة متمددًا بصورة لا نهائية ليلتهم كل ما يعترض طريقه.

لحظات قليلة وتحولت الأحلام التي نسجت داخل الجدران الفسيحة إلى ركام

لحظات قليلة وتحولت الأحلام التي نسجت داخل الجدران الفسيحة إلى ركام. عشرات الأسر أضحت مشردة وأخرى هجرت منازلها بحثًا عن الحياة، شكاوى عديدة من الإهمال وغياب السلطات الحكومية، مع تنبؤات بمستقبل أشد قساوة في ظل التدهور البيئي.

ما قبل الكارثة

المواطن ود نوري أحمد الخليفة من ولاية نهر النيل محلية أبوحمد وحدة الشريك الجزيرة، يشكو من الإهمال الحكومي عقب اجتياح السيول والفيضانات للقرى وتدمير عدد كبير منها  منذ أكثر من عشرين يومًا.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الري: الأمطار الغزيرة هي سبب الفيضانات وليس سد النهضة

 ويروي المواطن الواقعة لـ"الترا سودان" بقوله: "عندما بدأت المياه في محاصرة قريتنا غرب الشريك بالتحديد جزيرة كنسو الزومة، خرجنا لوضع الحواجز الترابية وظللنا نراقبها لفترة طويلة، تاركين أعمالنا لإنقاذ القرية من الفيضان، إلا أننا فوجئنا بتزايد المياه بصورة كبيرة لتتخطى المتاريس الترابية وتغمر المساكن والمزارع، حيث قامت المياه بتدمير القرية بالكامل وأتلفت البساتين ومزارع البرتقال، المنقة، التمور، وكافة المحاصيل".

أخرى تنتظر

ويقول الخليفة إن الفيضانات قامت بتدمير عدد من القرى المجاورة، بينما لا يزال بعضها محاصر بالمياه تنتظر مصيرها، واصفًا الأضرار بالكبيرة.

نزح الآلاف من بيوتهم التي غمرتها المياه
هدمت المياه عشرات الآلاف من البيوت

وشكى المواطن من غياب الحكومة بالكامل، ومضى يقول: "الحكومة غائبة عنا تمامًا، وقرانا هذه منسية منذ عهد النظام المباد، لم يسبق لمسؤول الوقوف على الأضرار التي تلحق بنا".

ويمضي المواطن على التأكيد بعدم  وصول أي مواد إغاثية، بيد أن بعض المتضررين ذهبوا بأنفسهم لمحلية "أبوحمد" وطلبوا الخيام والمعينات لإيواء بعض الأسر.

الصحة في خطر

ويروي ود نوري فصول المأساة اليومية التي يكابدونا، حيث أرغمت الفيضانات الحيوانات والحشرات القاتلة كالعقارب للعيش معهم في الأراضي اليابسة التي يقطنونها، بجانب توالد الذباب والبعوض وعدم توفر المراحيض ما اضطر المواطنين لقضاء حاجتهم في العراء.

وأبدى المواطن تخوفه من نذر الكارثة البيئية التي تتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة، ما يزيد من خطورة الوضع الصحي.

دمار الرياح

أحمد حسن يقطن في ولاية الخرطوم محلية أم درمان منطقة صالحة القيعة حي الشاطئ، يشير إلى أن المياه بدأت في غمر عدد من المنازل التي تقع بالقرب من محيط نهر النيل الأبيض منذ عشرة أيام، ما دعا المواطنين لوضع حواجز زاد ارتفاعها عن طول المتر من سطح الأرض بغية حمايتهم من تسرب المياه صوب بقية المنازل المجاورة، إلا أن الرياح العاتية التي اجتاحت العاصمة الإثنين المنصرم دفعت المياه بقوة لتجرف معها التروس وتغمر جميع المنازل وتبقيها حطامًا.

منازل مهجورة

ويقول أحمد إن تمدد الفيضان الأول تسبب في إسقاط جزئي لمنزله، حيث أدى لسقوط جزئي لسور المنزل بجانب إحدى الغرف، قبل أن يتم تلافي الوضع حينها باستنفار الجميع لتشييد حواجز لصد المياه، بينما تكفلت المياه التي دفعتها الرياح الإثنين المنصرم بإسقاط المنزل بالكامل وتلف كل الأثاثات بداخله.

اقرأ/ي أيضًا: نساء تحت حصار الفيضان

ويؤكد المواطن على أن الفيضانات أدت لهدم عدد كبير من المنازل المجاورة له، وأضاف: "حتى من لم يسقط منزله تركه فارغًا وخرج منه لتوقعه سقوطه في أي لحظة، لتتحول المنازل لمنازل مهجورة تمامًا".

أسر مشردة

نفى أحمد حسن  تقديم أي مساعدات إنسانية لهم حتى الآن سوى الجوالات الفارغة منذ بداية تشييد الحاجز الترابي، بجانب تقديم مواد إغاثية قليلة متمثلة في عبوة تابعة لديوان الزكاة ولاية الخرطوم تحوي على "رطلين زيت، كيلو أرز، كيلو عدس، كيسين من الشعيرية، وباكت عبوة دقيق سيقا".

مواطن: جميع الأسر الآن مشردة تمامًا في ظل الغياب الحكومي

وأبدى المواطن رفضه لمواد الإغاثة التي تم توزيعها، مؤكدًا على أن حاجتهم الفعلية لمأوى كالخيام و"المشمعات" للم شمل الأسر، مشيرًا إلى أنه يعاني لعدم تواجد أسرته في مكان واحد، ومضى قائلًا: "الآن أولادي يقطنون في مكان وزوجتي في مكان آخر وأنا هنا وحيد، جميع الأسر الآن مشردة تمامًا في ظل الغياب الحكومي".

مبادرة نفير

العضو المتطوع بمبادرة "نفير" غازي الريح يقول لـ"الترا سودان"، إن المبادرة بدأت لأول مرة قبل هبة أيلول/سبتمبر 2013، عقب التقصير الحكومي في القيام بالواجب تجاه ضحايا السيول والفيضانات حينها.

غازي الريح: أول اجتماع عقد للمبادرة حضره خمسة عشر عضوًا فقط

مؤكدًا على أن أول اجتماع عقد للمبادرة حضره خمسة عشر عضوًا فقط، إلا أنه في اليوم التالي مباشرة وجدت المبادرة تجاوبًا منقطع النظير، ليلتف المئات من المتطوعين حولها، لتتمدد عضوية المبادرة لأكثر من تسعة آلاف متطوع.

تعامل مختلف

يشير عضو "نفير" إلى أن المبادرة تتشكل من عدة لجان لتنظيم العمل وتقديم الخدمات للمتضررين حسب مؤهلات الأعضاء وتخصصاتهم، من بينها لجنة المسح، التوزيع، التواصل مع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، العلاقات الخارجية، الفريق الصحي ممثلًا في الأتيام الطبية والصحية في المناطق المتضررة، الفريق الهندسي المسؤول عن المعالجات الهندسية، المتطوعون للتدريب، الدعم اللوجستي، واللجنة المالية التي تشرف على الحسابات البنكية وأرقام تحاويل الرصيد والتسليم المباشر بجانب التعاقد والشراء. مؤكدًا على هناك تقرير مالي أسبوعي يتم نشره يكشف عن حجم الواردات والمنصرفات لتحقيق مبدأ الشفافية. وعزا الريح أسباب نجاح المبادرة طوال السبع سنوات الماضية، إلى مشاركة الجميع ومساهمتهم.

ويعود الريح إلى الدوافع التي قادت مبادرة نفير للوهلة الأولى في ظل غياب تقديم المساعدات للمتضررين في العام 2013، إلا أن عضو المبادرة رأى أن الحكومة الحالية تعاملت معهم بشكل مختلف، حيث قدمت المساعدة عبر مجلس السيادة والبروفيسور صديق تاور، ومجلس الوزراء ممثلًا في وزير البنى التحتية  هاشم بن عوف في توفير الآليات، ووزير الصحة المكلف عصام عبدالرحيم، مشيرًا إلى أن حجم الكارثة الحالية أكبر بكثير من طاقة الحكومة، مؤكدًا عدم حدوث فيضان بهذا الحجم من قبل.

منزل علي عثمان

وقال غازي الريح إن لجنة تفكيك التمكين واسترداد الأموال المنهوبة خصصت منزل نائب الرئيس المخلوع، علي عثمان محمد طه، في شارع أوماك، لصالح المبادرة، بجانب تعاون حاكم ولاية الخرطوم أيمن خالد. منوهًا إلى تعاون قوات الدفاع المدني وتفاعلها مع المبادرة، ويضيف: "هناك تغيير كبير في طريقة تعاملهم معنا، ولأول مرة أداؤهم يكون مختلفًا، لدينا شركاء منذ انطلاقتنا الأولى، ولا يزالون معنا، مثل الكشافة البحرية والجوية".

استغلال حكومي

ويتهم عضو مبادرة نفير، الحكومة البائدة باستغلالهم لجهة تعاملها معهم بأنهم جسم يمثل الخطر عليها، لتنتهج التعامل الأمني معهم، متمثلًا في توقيف المتطوعين واعتقالهم، بجانب عدم تقديم أي مساعدات لهم. مؤكدًا على أن حاكم الخرطوم الأسبق عبدالرحمن الخضر، أصدر توجيهات مباشرة بتسليم كل المعونات الخاصة بالمبادرة لمخازن غرفة الطوارئ الحكومية.

اقرأ/ي أيضًا: ولاية الخرطوم تقرر تخفيض الرسوم الحكومية

وعزا التعامل معهم بهذا النهج إلى أن عملهم التطوعي كان يؤدي لتعرية النظام الحاكم حينها، مشددًا على أن خوف الحكومة من عودة هبة أيلول/سبتمبر 2013، قادها للتعمل بهذا النهج، خاصةً عقب استشهاد اثنين من أعضاء المبادرة، وهما الشهيد صلاح سنهوري والشهيد بابكر في منطقة  شمبات ببحري.

عضو مبادرة نفير: المبادرة رفضت المساعدات من الأحزاب السياسية وذلك لضمان حياديتها

ونفى الريح تجيير المبادرة لصالح أي عمل سياسي، فقط كان هدفها تطوعيًا، مؤكدًا على أن عدد من الأحزاب السياسية طلبت منهم مساعدتهم بمنحها مقرًا للمبادرة، إلا أنها وجدت الرفض من قبل المتطوعين لضمان حيادية المبادرة.

وقال غازي الريح، إن تجمع مجموعة كبيرة من الشباب في جسم كمبادرة نفير كان يمثل مهددًا للنظام وأجهزته الأمنية، لجهة أن الدافع وطني ويبث الوعي وسط المواطنين.

الكارثة أكبر

وشن عضو المبادرة هجوما على وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي لغيابها عن المشهد، حيث اكتفت فقط بالتبرع بـ(30) خيمة للمبادرة، بجانب التعاطي الفاتر مع الأمر. إضافةً لمفوضية العون الإنساني، وقال إنهم تقدموا بطلب لوزارة الرعاية لتوفير سيارات نقل مواد إغاثة وأخرى لتسهيل الحركة، إلا أن الرد جاء بعدم  توفرها لديهم، وكذا المواد الغذائية.

سجلت مناسيب المياه ارتفاعات غير مسبوقة منذ بدء تسجيل المناسيب
سجلت مناسيب المياه ارتفاعات غير مسبوقة منذ بدء تسجيل المناسيب

ويقول عضو نفير أن هناك  حاجات كبيرة لدى المتضررين تتمثل في خيام، مشمعات، ناموسيات، مواد غذائية، إلى جانب سيارت نقل خاصة للمبادرة بغية نقل المساعدات، وزاد بالقول: "هناك إغاثات وصلت البلاد، ولكننا حتى الآن لم نشاهدها توزع على المتضررين على أرض الواقع".

اقرأ/ي أيضًا: "طوكر تغرق" بعيدًا عن الأضواء

ووصف الكارثة بأنها أكبر بكثير من ما يشاهدونه في وسائل الإعلام،  وما تم عكسه لا يمثل سوى (25)% من الواقع الكارثي، داعيًا الجميع لتضافر الجهود لمساعدة المتضررين ومكافحة  الأوبئة، وحث الحكومة على ضرورة إسراع وتيرة التعامل مع هكذا أوضاع، بجانب تحمل المسؤولية الكاملة والتدخل الحاسم والصارم، مع ضرورة توجيه وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ومفوضية الشؤون الإنسانية لأداء دورها على الوجه الأكمل.

حاول "الترا سودان" التحصل على تعليق من وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي إلا أنها أحجمت عن الرد

وفي ذات السياق سعى "الترا سودان" للتواصل مع وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي لينا الشيخ، للحصول على تعليق منها بخصوص كارثة الفيضانات وحديث عضو مبادرة نفير الشبابية، إلا أن الوزيرة أحجمت عن الرد واكتفت بعدم التعليق.

اقرأ/ي أيضًا

ترتيبات لإعادة مهاجرين غير شرعيين سودانيين عالقين في ليبيا

الفيضان في شندي.. انهيار مئات المنازل وعدد من الوفيات وشح في الآليات