22-مارس-2024
ظل رافعات ميناء بورتسودان

ميناء بورتسودان

صعد الاهتمام الحكومي بإقليم شرق السودان في أعقاب الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف نيسان/أبريل 2023 ،ونقل مهام العاصمة من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر لتسيير مهام الدولة.

محلل: جهات تقف وراء إطلاق وسم منظم على الشبكات الاجتماعية لنقل الحرب إلى شرق السودان 

يتكون إقليم شرق السودان من ثلاثة ولايات هي البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهو إقليم مساحته تعادل دولة في قارة أوروبا، كما إنه يذخر بالموارد الطبيعية والثروة السمكية والغابات والذهب ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة، ومع ذلك فإن ثلثي سكان الإقليم يقبعون تحت خط الفقر وفقًا لدراسات رسمية.

مطلع العام الحالي زار الرجل الثاني في السلطة القائمة في بورتسودان مالك عقار دولة إرتريا، قائلًا إن السودان يحاول منع انزلاق الإقليم ضمن دائرة الحرب بين الجيش والدعم السريع.

تحرك استباقي 

جاءت زيارة عقار إلى أسمرة للإبقاء على نظام أفريقي ضمن الحلف المساند للجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع، في ظل تقاطعات إقليمية ودولية قد تؤثر على الحرب التي أفرزت واقعًا جديدًا في هذا البلد، وقد يستغرق وقتًا طويلًا أو يغير المعادلة إلى الأبد.

الحاكم المدني لولاية كسلا في عهد حكومة عبد الله حمدوك صالح عمار، كان قد حذر من نقل الحرب إلى شرق السودان، وفقًا لبيان حمل اسم تحالف شرق السودان في التاسع من كانون الأول/يناير الماضي، مشددًا على أهمية النأي بالإقليم عن الصراع المسلح والعمل على تمدين الحياة وعدم عسكرتها كما يحدث حاليًا.

وصالح عمار هو أحد الشباب الذين صعدوا للعمل وسط المجتمع المدني في إقليم شرق السودان، الذي يتنازع بين القبلية والصراعات الإثنية طوال الوقت ويهدد بتحوله إلى صراع عنيف طويل الأمد، وعُين صالح عمار حاكمًا لولاية كسلا، لكن قرار تعيينه لم يستمر طويلًا نتيجة مناهضة مجموعات قبلية أخرى لهذا القرار، واضطر حمدوك إلى تجميد الإجراءات في العام 2021.

قديم متجدد 

مناهضة قرار تعيين الوالي صالح عمار في العام 2020 كلفت ولاية كسلا مقتل ستة متظاهرين برصاص قوات الدعم السريع، عندما تظاهر الآلاف المؤيدين لتعيينه حاكمًا على الولاية.

في تلك الفترة صعدت الأحداث في إقليم شرق السودان إلى ذروتها، لولا خطوات التهدئة التي اتخذتها منظمات المجتمع والناشطون في الإقليم، لمنع انزلاقه إلى صراع أهلي مسلح وممارسة الضغوط من المدنيين على العسكريين للكف عن إضعاف الوضع الأمني في إقليم.

وكانت حادثة إلقاء قنبلة يدوية على أحد الأندية الرياضية في مدينة بورتسودان والتي أدت إلى مقتل مواطن على الأقل وإصابة آخرين، تحولًا في المشهد الذي اعترى الإقليم عقب سقوط نظام البشير، وفسرت هذه الحوادث في ذلك الوقت على أنها ذات أبعاد خارجية حسب ما نقل مسؤولون في الحكومة المدنية التي كان يقودها عبد الله حمدوك.

وفي خضم صراع قديم متجدد، أطلت حرب منتصف نيسان/أبريل 2023 لتعيد الإقليم إلى واجهة الأحداث، وهذه المرة وسط وضع متراجع للدولة نفسها، التي ومع تنامي مشاعر العاملون في المجتمع المدني في الإقليم من أن مكافحة الفقر وتحقيق تنمية وسط المجتمعات لا يجد اهتمامًا من الحكومة.

وبالتزامن مع تنامي مشاعر الظلم التي تسيطر على سكان الإقليم خاصة الناشطين في المجال السياسي والحقوقي إلى جانب مجموعات سياسية، هناك مخاوف من تمدد الحرب إلى الإقليم وتغيير المعادلة وفقًا لأحمد الطيب الباحث في مجال فض النزاعات، والذي يقول إن اقليم مثل شرق السودان لم يغادر محطة الصراعات القديمة، ويعاني من نقص مريع في التنمية ويتفشى فيه الفقر، فإنه "أرض خصبة" للانسياق إلى صراع مسلح، ما لم يحدث "عقلنة للمطالب" بالنظر فيها بعين الاعتبار بواسطة قادة الدولة.

وأردف: "علينا أن نكف أن نتعامل على أن الأمور ستمضي كما هي، بعض الدول لديها مصلحة في إشعال الوضع في شرق السودان للهيمنة على الموانئ والموارد الطبيعية، يريدون الحصول على الموانئ السودانية مجانًا، هذا أمر مثير للسخرية".

ويرى أحمد الطيب أن الوضع ليس مواتيًا لرفع مطالب ذات أبعاد سياسية، في هذا الوقت ينبغي التركيز على تمرير المطالب الضرورية، لأن قضايا الخدمة المدنية وتوظيف أبناء الإقليم بحاجة إلى النظر من مؤسسات حكومية لديها مصداقية وقدرة على التفاعل مع هذه المطالب.

جهات خارجية 

وتتعدد العوامل التي قد تثير التوترات في هذا الإقليم بدءًا من تفشي الفقر المدقع وسط المجتمعات، إلى جانب صعود خطاب القبلية في السودان خلال الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع، ومع ذلك فإن المطالب قد تبدو عاقلة ومنطقية إذا وجهت إلى "الجهة الصحيحة" في الوقت المناسب حسب ما يقول المراقبون.

في نظر المحلل في قضايا شرق السودان خالد محمد نور فإن "الهاشتاج" المتداول على الشبكات الاجتماعية مثل "فيسبوك" و"توتير" عمل "غير عفوي" وتقف وراءه جهات تسعى لجر الإقليم إلى الحرب.

ويقول نور لـ"الترا سودان" إن مطالب "الاستوزار وقسمة الحصص الخاصة بأبناء الإقليم في الخدمة المدنية مطالب قديمة لكنها تجددت في "الوقت الخطأ". وقال نور إن الدولة في حالة شبه انهيار وتدير الوضع من الحد الأدنى، ولا يمكن الحديث عن هذه المطالب في هذه الظروف، والوسم المنشور على الشبكات الاجتماعية عمل منظم من جهات لديها مصلحة في دخول شرق السودان إلى دائرة الحرب وخلق انهيار للدولة.

إقليم شرق السودان محل مطامع لبعض الدول لموقعه "الجيوسياسي" والموارد الطبيعية والموانئ، لذلك عادة عندما يصعد الصراع والتوتر إلى السطح في الإقليم فإن أيادي خارجية غالبًا هي التي تفعل ذلك.

ويرى نور أن الحرب إذا وقعت في الإقليم ستكون مختلفة ستكون الحرب الكل ضد الكل مع انهيار تام للدولة التي حافظت على بنيتها على الرغم من الضعف من خلال المؤسسات الموجودة في بورتسودان.

ويقول نور إن الوسم الذي أطلقته جهات على المنصات الاجتماعية مثل "فيسبوك" و"إكس"، تزامنت مع تخريج قوات عسكرية مقاتلة وهو اقتران لم يأت من محض الصدفة.

ولفت نور إلى أن إقليم شرق السودان محل مطامع لبعض الدول لموقعه "الجيوسياسي" والموارد الطبيعية والموانئ، لذلك عادة عندما يصعد الصراع والتوتر إلى السطح في الإقليم فإن أيادي خارجية غالبًا هي التي تفعل ذلك.

وفي كانون الأول/ديسمبر  2022 وقعت الإمارات اتفاقًا مبدئيًا مع الحكومة التي كان يهيمن عليها العسكريين، عقب الانقلاب العسكري ونص الاتفاق على منح امتياز إنشاء موانئ "أبي عمامة" على ساحل البحر الأحمر بواسطة مجموعة دال المملوكة لرجل الأعمال السوداني أسامة داؤود بقيمة لا تتجاوز ستة مليار دولار، وفي ذلك الوقت قوبل الاتفاق بالمعارضة من بعض مكونات الشرق لأنه يأتي على حساب موانئ بورتسودان.