18-مارس-2024
العاصمة الفرنسية باريس (iStock)

العاصمة الفرنسية باريس (iStock)

يعكف دبلوماسيون فرنسيون على عقد مؤتمر يناقش الوضع الإنساني في السودان، منتصف نيسان/أبريل القادم في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب، في هذا البلد المهدد بتفشي مجاعة وسط المدنيين بعد (11) شهرًا من القتال بين الجيش والدعم السريع.

لم يحدث توافق بين رعاة المؤتمر في باريس مع الصادق سمل، فالأخير يبحث عن الحل السوداني المنزوع من السياق الدولي 

يربط مراقبون بين نجاح المؤتمر في باريس بمشاركة منظمات دولية، وبين مرونة الجيش والدعم السريع فيما يتعلق بنقل الإغاثة عبر الحدود، حال تمكن المانحين من جمع قرابة الـ (4.5) مليار دولار، ضمن الخطط الموضوعة لمساعدة ملايين المدنيين في السودان وبلدان الجوار.

اعتذار سمل 

وفي رد فعل مغاير أكد الصادق سمل وهو والد الشهيد عبد الرحمن الصادق سمل أحد شهداء ثورة ديسمبر، أكد اعتذاره عن تلبية دعوة تلقاها من وزارة الخارجية الفرنسية للمشاركة في مؤتمر حول السودان منتصف الشهر القادم.

وسمل هو إحدى الشخصيات التي عملت خلال ثورة ديسمبر على إعلاء لغة التسامح بين السودانيين، وفي مقابلة تلفزيونية كان قد أقر بأنه على استعداد للصفح عن قاتلي ابنه إذا جاءوا إلى منزله وسردوا له ساعاته الأخيرة.

ورغم "مبدأ العفو"  الذي أعلنه سمل، لم يجد الاستجابة من رجال الأمن المتهمين بتصفية ابنه في أحد المعتقلات خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018، في الأسبوع الأول من اندلاع الثورة الشعبية في السودان، بينما لم يشعر سمل باليأس ومضى بين السودانيين مبشرًا بأهمية التسامح والعفو عند المقدرة لبناء وطن معافى من الانتقام.

وكتب سمل وهو والد الشهيد عبد الرحمن الذي قُتل على يد عناصر الأمن عقب اختطافه من جامعة الخرطوم، خلال الأيام الأولى لثورة ديسمبر على حسابه الشخصي في "فيسبوك" قائلا : "تلقيت دعوة من وزارة الخارجية الفرنسية للمشاركة في سمنار حول السودان في 15 نيسان/أبريل القادم في العاصمة الفرنسية باريس".

وأضاف: "اعتذرت عن تلبية الدعوة و أوضحت عدم رغبتي في المشاركة لأسباب كثيرة، أبرزها شعوري بأن أسس الاختيار الشخصي بأنني أمثل جهة ما معدومة و لا تنطبق عليّ".

وتابع سمل بالقول: "لا أرى أن هناك حلولًا في مكان ما في هذا العالم لإنجاز أي انتقال في بلادنا، ما لم تكن حلول تضم كل أهل السودان بلا استثناء،  وقال إن إيمانه دائمًا ما يردد بأن هناك حكمة ما للحل، وفي مكان ما على أرض  السودان و إن بدا غير ذلك.

وما بين مؤتمر باريس وتوجهات الصادق سمل، فإن الأخير ليس من أنصار الحلول الخارجية، وهذا ما دعاه إلى مقاطعة المؤتمر والاعتذار بلطف بائن كما جاء في محتوى الرسالة.

جاء متأخرًا 

ومؤتمر باريس المعني بالوضع الإنساني في السودان، يأتي برعاية فرنسية لتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية والحرب، وتشارك فيه أطراف من منظمات المجتمع المدني في السودان وأحزاب سياسية.

وكان مندوب فرنسا في مجلس الأمن الدولي، لمح إلى أن بلاده قد لا تتمكن من حشد الموارد المالية في مؤتمر باريس، إذا لم تحدث هدنة خلال شهر رمضان في السودان بين الجيش والدعم السريع، وذلك في جلسة مجلس الأمن مطلع آذار/مارس الجاري.

وتقول الباحثة في منظمة إنسانية بالسودان سوسن عبد الكريم لـ"الترا سودان"، إن مؤتمر باريس جاء متأخرًا قياسًا بالأزمة الإنسانية في السودان، والتي تجاوزت مرحلة حرجة وصلت حد الموت جوعًا.

وقالت سوسن عبد الكريم إن العالم يحاول تقديم نفسه بشكل مختلف، لاعتقاده أن السودانيين عاجزين عن الحلول التي تجلب السلام والرخاء إلى بلادهم، وفي هذا الصدد تعتقد هذه الباحثة أن القوى المدنية وجميع الأطراف لم تتعلم من درس الحرب.

وقالت إن مؤتمر باريس لن يقدم شيئا للملف الإنساني في السودان، لأن الثقة منعدمة بين الجيش والدعم السريع، إلى جانب اتساع حدة الخلافات بين الأطراف المدنية، ويسود خطاب الكراهية في السودان، وفي هذه الحالة نحن نتوجه بسرعة الصاروخ إلى الحرب الأهلية.

المأمول لم يحدث 

فيما يقول دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية لـ"الترا سودان"، إن مؤتمر باريس منتصف الشهر القادم يتطلع إلى جمع نحو (4.5) مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية في السودان.

وأردف: "المؤتمر الإنساني بعد قرابة العام من الحرب فيه استخفاف بأزمة السودانيين، لأن المأمول كان مؤتمر إعادة إعمار ما دمرته الحرب لو ألقى المجتمع الدولي بثقله في الحرب، وأوقفها من الشهور الأولى دون أن يتفرج عليها حتى الآن".

ويرى الدبلوماسي بأن الفاعلين في الشأن السوداني لا يتحدثون بشكل صارم مع المبعوثين الدوليين، يجب أن يسمعوا أحاديث قوية عن رؤية العالم لوقف الحرب في السودان، الآن تشعر أن المجتمع الدولي لا يملك أدوات كافية لوقف القتال في السودان، إلا من خلال الحفاظ على مصالح دول أخرى.

مؤتمر باريس جاء عقب حصول الخارجية الفرنسية على موافقة البرلمان، وستشارك منظمات دولية رفيعة في المؤتمر لبحث الوضع الإنساني في السودان وتقدير الاحتياجات وكيفية نقل الإغاثة.

النجاح رهين بالطرفين 

وتشارك اللجنة الدولية للصليب الأحمر وزارة الخارجية الفرنسية في تنظيم المؤتمر الإنساني حول السودان، ولا يستبعد الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السودانية، وجود تأثير سياسي في المؤتمر، وقد تلجأ فرنسا إلى تقديم الدعوة للفاعلين في الشأن السوداني، إضافة إلى قيادات سياسية من مختلف الأطراف.

بينما يقول عضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) معتز محمد صالح لـ"الترا سودان"، إن مؤتمر باريس جاء عقب حصول الخارجية الفرنسية على موافقة البرلمان، وستشارك منظمات دولية رفيعة في المؤتمر لبحث الوضع الإنساني في السودان وتقدير الاحتياجات وكيفية نقل الإغاثة.

ويرى صالح أن باريس لديها تأثير على مناطق غرب إفريقيا، خاصة تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا، ويمكن أن تساهم في نقل الإغاثة بطرق آمنة لضمان وصولها إلى المتضررين من الحرب في السودان.

وقال صالح إن فرنسا سبق وأن نظمت مؤتمر باريس الذي كاد أن يشطب جزء كبير من ديون السودان، لولا الانقلاب العسكري الذي أوقف البرنامج الخاص بإعفاء ديون السودان البالغة (59) مليار دولار.