26-فبراير-2020

مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية -حينها- تتفقد موقع الانفجار في تنزانيا (Getty)

يوم الإثنين الماضي، استمعت المحكمة الأمريكية العليا لاستئناف أقرباء ضحايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام ضد السودان. وكانت القضية قد فتحت لأول مرة في عهد المخلوع عمر البشير ولكن حكومة النظام البائد لم تهتم بالأمر ولم تقدم محاميًا للدفاع عن السودان أمام المحكمة الأمريكية، لتعود وتستأنف الحكم لاحقًا بعد أن حكم قاضي المحكمة الدنيا لصالح أقرباء الضحايا بمبلغ مهول يفوق العشرة مليارات دولار.

الحجة الأساسية في قضية أقرباء الضحايا أن السودان كان يقدم عونًا وموئلًا لتنظيم القاعدة الإرهابي، وأنه بدون تلك المساعدة لم يكن بإمكان التنظيم تنفيذ العملية

وكان محامي النظام السابق قد احتج في الاستئناف بأن السودان كان منشغلًا بأوضاعه الداخلية، بالإضافة لتفصيل يتعلق بقانون لاحق استخدم بأثر رجعي في المحكمة، وهو ما جعل القاضي يسقط جزءًا كبيرًا من المبلغ لصالح السودان.

اقرأ/ي أيضًا: عربونها 80 مليون يورو..ألمانيا تعرض على السودان شراكة استراتيجية

الحجة الأساسية في قضية أقرباء الضحايا أن السودان كان يقدم عونًا وموئلًا لتنظيم القاعدة الإرهابي، وأنه بدون تلك المساعدة لم يكن بإمكان التنظيم تنفيذ العملية. ويحاجج المحامي الأمريكي أيضًا بأن المطالبة بحقوق الموظفين المحليين من مواطني الدولتين يوصل رسالة للأجانب العاملين في السفارات الأمريكية حول العالم أنهم تحت حماية الحكومة الأمريكية ويردع الإرهابيين ومعاونيهم.

تعتبر القضية فريدة من نوعها، إذ أنها تطالب ليس بحقوق الضحايا الأمريكان وحسب؛ وإنما أيضا بحقوق الضحايا من المواطنين الكينيين والتنزانيين الذين كانوا يعملون في السفارتين، وهو ما لم يكن ممكنًا لولا قانون أجيز في الكونغرس الأمريكي في العام 2008 وطبق بأثر رجعي على القضية.

الأحداث

في صباح السابع من آب/أغسطس 1998 وبينما الولايات المتحدة الأمريكية والعالم منشغلين بالفضيحة الجنسية للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكي، فجر انتحاريون يتبعون لتنظيم القاعدة وجماعة الجهاد الإسلامي المصري، شاحنتين محملتين بكميات مهولة من مادة تي إن تي شديدة الإنفجار، بالإضافة لمواد وتجهيزات أخرى تجعل المركبتين عبارة عن قنابل ضخمة. وكان قد تم إشعال فتائل الشحنتين بالقرب من مباني السفارتين الأمريكيتين في العاصمتين نيروبي ودار السلام ضمن عمليتين عرفتا داخليًا باسمي عملية الكعبة وعملية الأقصى تباعًا.

عملية الكعبة بنيروبي

في الصباح الباكر من اليوم الذي ابتدأ باردًا وعاديًا، قاد الانتحاري السعودي عزام الشاحنة من طراز تويوتا التي كانت تحت التجهيز لفترة طويلة قبل العملية، قادها بسرعة كبيرة عبر المنطقة الحيوية بقلب نيروبي ليصل لمبنى السفارة الأمريكية هناك، بينما كان يجلس بجانبه الإرهابي البريطاني السعودي محمد العوهلي، وخلفهما طن من المتفجرات.

حاول الإرهابيين أمر الحارس الكيني بفتح البوابة، وعندما رفض طلبهما؛ عاجله العوهلي بزخة من الرصاص، مطلقًا بعدها قنبلة صوتية صوب طاقم الحراسة، قبل أن يهرب من الشاحنة التي فجرها السعودي الآخر بعدها بلحظات.

أدى الانفجار المهول لتهديم جزء من مبنى السفارة والمباني الملاصقة، وأصابت قوة الصدمة واللهيب أعدادا كبيرة من المواطنين الكينيين، بينما لقي إثني عشر أمريكيًا حتفهم بالإضافة للمئات من السكان المحليين.

اقرأ/ي أيضًا: بحسب خبير اقتصادي.. هكذا سيستعيد السودان أمواله المنهوبة

 

عملية الأقصى بدار السلام

قدم المواطن المصري ذو الشعر الأشقر المميز حمدين خلف الله لتنزانيا قبل العملية بأيام قليلة فقط، ولكن لم يكن لأحد أن يظن بأنه كان جزءًا من مخطط إرهابي من الدرجة الأولى، مخطط يعد لحظة مهمة في تاريخ الإرهاب العالمي، ممهدًا الطريق لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن وبالتزامن مع الأحداث في كينيا، كان حمدين يقود شاحنة أخرى بشحنة مشابهة من المتفجرات مع اختلافات طفيفة عن قرينتها في نيروبي. وبسبب شاحنة مياه عرقلت طريقه؛ فشل حمدين في الوصول لأبواب السفارة الأمريكية، ولكنه فجر شحنته على أي حال، موديًا بحياة أحد عشر شخصًا من السكان المحليين، دون أن يحدث أضرارًا كبيرة على مبنى السفارة أو المباني المجاورة، خصوصًا أن السفارة في دار السلام كانت على عكس نيروبي؛ تقع في منطقة طرفية في أقاصي المدينة.

 

موقع الانفجار في نيروبي (Getty)

الحكومة الانتقالية والعقوبات الأمريكية

مسألة العقوبات الأمريكية على السودان هي الشغل الشاغل للحكومة الانتقالية في الملفات الخارجية. الوضع الخارجي للسودان هو من أثقل التركات التي خلفها النظام البائد بمواقفه الرعناء وسياساته الفاشلة على جميع الأصعدة. ويبدو أن السودان سيعاني الأمرَّين قبل أن يعالج ولو جزءًا بسيطًا من تركة نظام المخلوع.

ولكن في الفترة القصيرة الماضية قامت الحكومة الانتقالية وعلى رأسها الدكتور عبدالله حمدوك برفقة بعض من أعضاء مجلس الوزراء بزيارات خارجية متعددة للضغط والتحشيد باتجاه رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تعطل تدفق المساعدات والقروض في وقت هو أحوج ما يكون إليها.

تكللت الزيارة للولايات المتحدة بنجاح مهم في هذا الجانب، إذ أن الحكومة الإنتقالية كانت قد تعهدت وحققت جل مطالب الحكومة الأمريكية لرفع اسم السودان من القائمة، وكان ما تبقى فقط هو تعويضات أسر الضحايا في قضية تفجير المدمرة الأمريكية كول وتفجيرات السفارتين.

وكانت وزارة العدل السودانية قد أصدرت قبل فترة قصيرة بيانًا أوضحت فيه أنها قد توصلت لتسوية مالية مع أسر ضحايا تفجير المدمرة كول، مما يعني أن قضية السفارتين هي من أواخر ما تبقى في هذا الملف.

المحكمة العليا قد تعيد الحكم لحدود العشرة مليار دولار السابقة، مما سيشكل ضربة قاسية لجهود السودان في ملف العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب

لم توضح الحكومة السودانية موقفها بعد من قضية السفارتين أمام المحكمة العليا، ولكن التصريحات السابقة لرئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك بعد زيارته التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية؛ تشير إلى أن الحكومة تميل نحو التسوية، وهو ما أكده تسوية قضية المدمرة كول.

على أي حال الملف عاجل ولا يحتمل التأجيل ويجب على الحكومة أن تكون مرنة ويقظة في تقييم خياراتها، لأن المحكمة العليا قد تعيد الحكم لحدود العشرة مليار دولار السابقة، مما سيشكل ضربة قاسية لجهود السودان في ملف العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا:

قضية المدمرة كول وانتصار جديد لحكومة حمدوك

كابوس العقوبات الأمريكية على السودان