09-فبراير-2021

على الرغم من أن حزب الأمة القومي يعد أحد أكبر التنظيمات السياسية ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير وأكثرها معارضة للتطبيع بين السودان وإسرائيل، إلا أنه دفع بأربعة ممثلين لأربع حقائب وزارية في الحكومة الجديدة التي تمضي في مسار دولي يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. ومن أبرز قيادات حزب الأمة التي شغلت الحقيبة الوزارية، نائبة رئيس الحزب مريم الصادق المهدي، والتي عينت وزيرة للخارجية في التشكيل الوزاري المعلن مساء الإثنين.

جدد حمدوك رهن إنفاذ عملية التطبيع بين السودان وإسرائيل بموافقة المجلس التشريعي

ويُعارض حزب الأمة التطبيع مع إسرائيل منذ قمة عنتيبي في أوغندا التي جمعت بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك في شباط/فبراير 2020.

اقرأ/ي أيضًا: بالصور| إليك أبرز وزراء الحكومة الجديدة.. وحمدوك يعترف بتزايد الاضطرابات

لكن على مايبدو، فإن رحيل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام طائفة الأنصار -وهو الأكثر تشددًا في مناهضة التطبيع حتى بين الدول العربية وإسرائيل- أضعف التيار الرافض للتطبيع لدرجة أن الحزب لم يصدر بيانًا كما درج في التعليق على مجريات الأمور المتسارعة بين الخرطوم وتل أبيب، سيما وأن السودان استقبل قبل أسبوعين وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين.

الأمر الثاني، هو عندما عُقد بالخرطوم السبت الماضي ملتقى الأديان واللادينين وخاطب المؤتمر حاخام إسرائيلي عبر الأسافير، حيث تجاهل حزب الأمة الحدث واكتفى ربما بالبيان الذي أصدرته طائفة الأنصار والذي رفض المؤتمر، وسبقه في ذلك وزير الشؤون الدينية نصرالدين مفرح بمقاطعة المؤتمر، وهي من المؤشرات التي دفعت مكتب رئيس الوزراء إلى تصميم برنامج ينتظر التوافق عليه بين القوى السياسية والحركات والقوى المدنية التي تشارك في الحكومة الجديدة، ويشتمل على خمسة بنود رئيسية وهي العدالة والاقتصاد والإصلاح المؤسسي للقطاعين المدني والعسكري والسلام والعلاقات الخارجية، وفيما يتعلق بالأخيرة فإن البرنامج يضع التطبيع ضمن الأجندة المطروحة، أي أن القوى الموقعة على البرنامج التوافقي للحكومة الجديدة لن تعارض التطبيع طالما تواجدت في كابينة الحكومة.

وأعلن رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، أن الحكومة الانتقالية استفادت من الفترة السابقة من عمر الحكومة السابقة وخلصت إلى أهمية تأسيس برنامج توافقي لإغلاق الباب أمام التشاكس السياسي، سيما في ملفات الاقتصاد والعلاقات الخارجية.

لكن في ذات الوقت جدد حمدوك رهن إنفاذ عملية التطبيع بين السودان وإسرائيل بموافقة المجلس التشريعي المزمع تشكيله في نهاية شباط/فبراير الجاري، قائلًا إن قرار المجلس التشريعي حول التطبيع سيكون ملزمًا لجميع الأطراف، وهي محاولة على ما يبدو يتجنب فيها رئيس الوزراء الإقرار علنًا بالتطبيع مع إسرائيل.

وبتعيين مريم الصادق القيادية بحزب الأمة المناهض لعملية التطبيع، فإن وجودها بوزارة الخارجية يدفع المراقبين للشأن السياسي والحكومي إلى طرح تساؤلات عما إذا كانت ستتمسك بموقف حزبها الرافض للتطبيع مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: دبلوماسي: دعوة الاتحاد الإفريقي لمقاطعة إسرائيل أداة ضغط لحل القضية الفلسطينية

ويوضح رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة، محمد المهدي حسن، في حديث لـ"الترا سودان"، أن مريم الصادق في وزارة الخارجية ملزمة بقرارات مجلس الوزراء وليس بقرارات حزب الأمة.

الأمة: إسرائيل دولة مغتصبة و معتدية وغير ملتزمة بقرارات الأمم المتحدة 

وأضاف المهدي: "حزب الأمة يُناهض التطبيع بشكل سلمي ولا يلجأ إلى تعبئة الشارع، ومريم الصادق بوزارة الخارجية ملزمة بتوجهات الحكومة الانتقالية، أما إذا كانت في حزب الأمة فإنها ملزمة بقرارات الحزب".

وواجه السودان ضغوطًا مكثفة من الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة لحمله على قبول التطبيع مع إسرائيل، حيث تم ربط مغادرة لائحة الإرهاب بالتطبيع بين الخرطوم وتل أبيب وفي آب/أغسطس 2020، ودعا رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى فصل مساري الإرهاب والتطبيع، حيث أبلغ المسؤول الأمريكي الذي زار الخرطوم لبحث عملية التطبيع بالدرجة الأولى قبل الانتخابات الأميركية بشهور قليلة، أن التطبيع متروك للمجلس التشريعي.

وتمضي عملية التطبيع بين السودان وإسرائيل بشكل متسارع، سيما مع زيارة وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين الخرطوم قبل أسبوعين، لكن في نفس الوقت لا تفضل الحكومة الانتقالية الانخراط في علاقات دبلوماسية طبيعية وواضحة، وتنتظر إنفاذ الوعود التي بذلت أمام مسؤولين سودانيين في أبوظبي في أيلول/سبتمبر الماضي، حيث عقد مسؤولون أمريكيون وإماراتيون مباحثات مع الجانب السوداني للانضمام إلى "اتفاقات أبراهام" ورغم أن الخرطوم صادقت عليها في كانون الثاني/يناير المنصرم، لكنها لا تزال تنتظر "عونًا دوليًا" نظير هذه الاتفاقية لم تستجب له الولايات المتحدة الأميركية والإمارات، وربما ربطت إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل بتقديم حوافز اقتصادية للسودان المتعثر اقتصاديًا.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا موهت سلطات الاحتلال صورة أحد أعضاء وفدها الذي زار السودان؟

ويرفض مساعد رئيس حزب الأمة اسماعيل كتر في تصريحات لـ"الترا سودان"، الربط بين وجود ممثلين لحزب الأمة في الحكومة الجديدة ومناهضة حزب الأمة للتطبيع، لافتًا إلى أن حزب الأمة جزء من تحالف عريض يشكل الحكومة الانتقالية ولا يمكن أن يفرض رأيه على الجميع.

حزب البعث القومي: الأمر الوحيد المتفق عليه بشأن هذه القضية هو أن موضوع البت في العلاقات مع إسرائيل متروك للمجلس التشريعي

وأضاف كتر: "حزب الأمة عندما يتم تفويضه عبر الانتخابات يمكنه أن يفرض برنامج الحزب الرافض للتطبيع " . مشيرًا إلى أن حزب الأمة يناهض من منطلق أن إسرائيل "لا تنفذ قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية ولا تحترم الأسرة الدولية".

ووصف كتر إسرائيل بالدولة المغتصبة و المعتدية وتابع: "نحن ليس لدينا مشكلة مع اليهودية لكن مشكلتنا مع الدولة المغتصبة". 

وأردف مساعد رئيس حزب الأمة اسماعيل كتر: "ممثلو حزب الأمة في الحكومة الجديدة هم تروس في حكومة ولا يمكن أن تدور بشكل معكوس، وعمومًا التطبيع مربوط بالمجلس التشريعي ولم يصبح نافذًا حتى الآن".

من جانبه، جدد حزب البعث القومي، وهو أحد أحزاب قوى الحرية والتغيير، في بيان له صباح اليوم على خلفية التشكيل الحكومي الجديد اطلع "الترا سودان" على نسخة منه -جدد رفضه للتطبيع "دون الرجوع إلى الشعب صاحب الحق الأصيل والموقف التاريخي من الكيان الصهيوني".

اقرأ/ي أيضًا: من يُدير ملف التطبيع في السودان؟

وقال الحزب في بيانه، إن الأمر الوحيد المتفق عليه بشأن هذه القضية هو أن موضوع البت في العلاقات مع إسرائيل متروك للمجلس التشريعي، في إشارة للموقف السابق للحكومة الانتقالية والذي أعاده رئيس الوزراء بالأمس على الرغم من مضي الحكومة قدمًا في خطوات التطبيع والتوقيع على اتفاقات أبراهام الشهر الماضي.

بحسب استطلاع "المؤشر العربي"، فإن الغالبية العظمى من السودانيين يقفون ضد التطبيع مع دولة الاحتلال

وتظل قضية التطبيع مثار جدل في السودان، وهو محل رفض وسط تنظيمات سياسية منضوية تحت راية تحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم وتنظيمات خارجها، كما أنه وبحسب أوسع مسح للرأي العام في العالم العربي، فإن قطاعات واسعة من الشعب السوداني ترى أن القضية الفلسطينية هي قضيتها وترفض التطبيع أو الاعتراف بدولة الاحتلال، وعلى الرغم من ذلك، تمضي الحكومة الانتقالية في هذا اتجاه التطبيع، استجابة لضغوط خارجية وأطماع داخلية من مكونات داخل الحكومة الانتقالية. 

اقرأ/ي أيضًا

حوار| خبير: التفريط في الفشقة تتحمله الإنقاذ

مفاوضات "سد النهضة".. إلى أين؟