16-يونيو-2020

مقاتل في دارفور (Getty)

خطاب الثالث من حزيران/يونيو، والذي دَّشن به رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية عبد الله حمدوك الذكرى الأولى لمجزرة القيادة، عاد إلى ماوراء الحاضر الثوري، مُستنجدًا بتواريخ عنف الدولة (أحداث حامية توريت 1955، حرب الجنوب، حروب دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ألخ ) لتزيين حواف هذا الحدث الدامي بمفاهيم العدالة والإنصاف، في الوقت الذي ظلت فيه حركة الشارع توحد قواها الشبابية الثورية التي تطالب بعدالة اللحظة الحاضرة الناجزة ومحاكمة من ارتكبوا الجريمة الأكثر فظاعة وبشاعة في تاريخ الانتفاضات السلمية في السودان.

أتى خطاب حمدوك محفوفًا بمحاولات فرض معادلات سياسية جديدة، بعد أن اختار الصادق المهدى أن يمضي خلف وهمه الكبير بأنه إمام الخلاص

كما أتى هذا الخطاب محفوفًا بمحاولات فرض معادلات سياسية جديدة، بعد أن اختار الصادق المهدى أن يمضي خلف وهمه الكبير بأنه إمام الخلاص الأبدي، كعادة نزوعه "اللا-حداثي" المنهزم والمضاد دومًا لخيارات الشرط السياسي الراهن ولحركة التاريخ، ملوحًا بوثيقة "العقد الاجتماعي الجديد"، بينما ذهبت الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال- بقيادة عبد العزيز الحلو إلى الاحتراز من مآلات التفاوض وعملية السلام الجارية التي قد تعيد إنتاج البنى المأزومة لجهاز الدولة القديم، بطرحها لصيغة "المبادئ فوق الدستورية".

اقرأ/ي أيضًا: السلام في خلافات تجمع المهنيين: أولوية أم كرت ضغط؟

 ولا يقل مُعطى انتخاب سكرتارية جديدة لتجمع المهنيين السودانيين، على الرغم من التشكيك في نزاهة عملية الانتخاب التي فرضت شكلًا من أشكال الإقصاء المقنع، تأثيرًا عن سابقيه على المشهد السياسي الراهن الذي يُرهص باصطفافاتٍ وانقساماتٍ جديدةٍ قد تسد الأفق أمام مسارات الانتقال وتؤدي من ثم إلى إجهاض التجربة الانتقالية الخامسة في تاريخ الحكم الوطني الحديث. 

وعلى النقيض من العودة الخطابية المزركشة بتواريخ العنف الما بعد كولونيالي وعبادة الأوهام المُجسَّدة في كل نزوعات الصادق المهدي التي تُعاني من ارتجاعات خياله السياسي الفقير، نجد أن حركة الشارع وقواه الثورية الشبابية ماضية في ترسيخ مناخات فعلها الثوري وخياراته القاعدية الأقرب إلى واقع الناس ولمشكلاتهم وقضاياهم الملحة. ولأن قوى الثورة الشبابية تستمد قوة فعلها وصلابته من الشرط التاريخي الراهن الذي أفرزه حاضر ثورة كانون الأول/ديسمبر، وهو حاضرٌ له تاريخه الخاص والمغاير لأزمنة وتواريخ عواجيز ما بعد الفرح الكولونيالي؛ حاضرٌ لا يتمشى وراء الماضي وإنما يمضي في اتجاهات أكثر جذرية وقاعدية لبلورة تجربة انتقال تاريخي يقطع مستقبله الطريق على عملاء عنف الدولة التاريخيِّين.

 إن أرض الحاضر الثوري تتسع شساعةً إثر شساعة، تنغرس وتُثمر، ولا تضيق كما تضيق رواقات بيروقراطية الوعود والاستدعاءات التاريخية والإرجاءات الحالمة لمفاهيم دولة القانون والمؤسسيِّة والحكم الرشيد. 

اقرأ/ي أيضًا: الفنون في زمن كورونا

فهل حقًا سنرى بأم أعيننا تجربة الانتقال الخامسة وهي تُجهض وتتحول من أرض الوداعات الحالمة الأخيرة لتواريخ العنف، إلى مقبرةٍ شاسعةٍ تلتهم كل من رأى الحاضر بعدسات الماضي المُعتمة؟

هل سيعود العسكر لدورتهم الانقلابية الجهنمية، مُزركشين في حللهم الزاهية ومُكللين بنجمة الخطيئة الخامسة التي سيختم بها المدنيون على أكتافهم 

وهل سيتعمق الفعل القاعدي للجان المقاومة ويزداد غورًا إثر غور في واقع الناس ومشاكلهم وهمومهم، أم ستتجدد الحيوية الشبابية بوصفها حدثًا مقاومًا لأي شكل من أشكال التقعيد التنظيمي السياسي، مفضلًا هذا الحدث التمدُّد الأفقي على "البناء السياسي-الجذري" داخل أجهزة الحكم المحلي؟

أم سيعود العسكر لدورتهم الانقلابية الجهنمية، مُزركشين في حللهم الزاهية ومُكللين بنجمة الخطيئة الخامسة التي سيختم بها المدنيون على أكتافهم إذا ما فشلوا في إحداث الانتقال الديمقراطي والمؤسسي الحقيقي؟

اقرأ/ي أيضًا

من سيغسل أيادي العسكر من دماء شهداء مجزرة القيادة؟

تقرير أوروبي: الإمارات والسعودية يجهزان حميدتي للحكم وأوروبا خذلت المدنيين