08-يونيو-2020

ميدل إيست أونلاين

"من الذي قال إن مفاوضات السلام لن تقود إلى سلامٍ عادلٍ وشامل؟"

هكذا تساءل عضو تجمع المهنيين السودانيين إسماعيل التاج في المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقدته بعض عضوية السكرتارية القديمة، والذي كان الغرض الأساسي منه بحسب ما تم إعلانه، هو توضيح تفاصيل الخلافات التي تصاعدت مؤخرًا بين مكونات التجمع. ولكن قضية السلام برزت بقوة لتشكل إحدى محاور الخلاف الرئيسة بين الطرفين كما ظهر للعلن. كان عضو السكرتارية القديمة محمد ناجي الأصم من المتحدثين في المؤتمر الصحفي، والذي عقد بمقر وكالة السودان للأنباء، وقد وصف موقف سكرتارية تجمع المهنيين الجديدة من منبر التفاوض لمباحثات السلام بجوبا، بغير المنطقي وغير المتوقع قائلًا: "أي موقفٍ ضد عملية السلام هو موقف غير منطقي وغير متوقع ما دامت الأطراف المشتركة فيه متوافقة على المنبر وشروطه. من المنطقي نقد المنبر ومحاولة إصلاحه لكن دون رفضٍ كاملٍ له".

قد تشير السجالات والخلافات الحادة بين طرفي التجمع إلى وجود اختلافٍ كبيرٍ في وجهات النظر بينهما في موقفهما من عملية السلام بجوبا، ولكن  على أرض الواقع؛ هل يوجد ذلك الخلاف الكبير في قضية السلام بين الطرفين؟

أتت هذه التصريحات ردًا على بيانٍ كان قد نشرته السكرتارية الجديدة بالاشتراك مع تجمع القوى المدنية على صفحة تجمع المهنيين، حيث أعلنت فيه موقفها من شكل حكم الدولة وكذلك عن منبر التفاوض بجوبا. وعلى الرغم من أن موقف التجمع الذي أعلن فيه عن موافقته على علمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة هو الذي نال حظًا أكبر من الإثارة والنقاش بين القبول والرفض، إلا أن تصريحات الأصم والتاج  وهجومهما على السكرتارية الجديدة كان ردًا على الجزء المتعلق بموقف التجمع من مفاوضات السلام بجوبا، والذي جاء فيه أنه تم الاتفاق على أن عملية السلام الدائرة في جوبا حاليًا سوف لن ‏تفضي إلى سلامٍ عادلٍ ومستدام، فهي عمليةٌ جزئية كما ورد في بيان السكرتارية الجديدة، والذي قال أيضًأ إنه تم الاتفاق على عدم دستورية مهام المجلس الأعلى للسلام، كما أكد الطرفان على الموقف من رفض المشاركة فيه. كذلك اتفق الطرفان ‏على أن عملية السلام ينبغي أن تدار بواسطة رئيس الوزراء، وأن تكون شاملةً وعلى أساس القضايا وليس المسارات، وأن يتم العمل على صياغة ‏رؤية وطنية مشتركة للسلام يتم نقاشها مع جميع الأطراف.

اقرأ/ي أيضًا: خلافات تجمع المهنيين.. هل تخدم الحراك النقابي؟

حاول إسماعيل التاج في تصريحه تفنيد بعض حجج الرفض مؤكدًا أن تجمع المهنيين جزءٌ من منبر جوبا تلبية لرغبة الشارع، فكيف يرفض نفس المنبر بضربة لازب؟ وأضاف في رده على ضرورة أن تدار العملية بمجلس الوزراء، أن الحكومة موجودةٌ في المنبر بقياداتٍ حقيقية ووزراء مثل وزير رئاسة مجلس الوزراء ووزير الحكم الاتحادي ووكيله ووزير العدل ووكيل وزارة المالية، فأي حكومة تطالبها بعض الجهات بالمشاركة إذًا؟ 

قد تشير السجالات والخلافات الحادة بين الطرفين إلى وجود اختلافٍ وتباعدٍ كبيرٍ في وجهات النظر بينهما في موقفهما من منبر التفاوض في جوبا لدرجة أن يسمي أحدهما موقف الآخر بالتخريب الواضح وغير المسموح به، ولكن على أرض الواقع؛ هل يوجد  ذلك الخلاف الكبير في قضية السلام بين الطرفين؟ أو ما هو موقف السكرتارية القديمة المعلن من منبر التفاوض بجوبا؟

من خلال البحث بين صفحات التجمع والمواقع الإلكترونية الموثوقة عن موقف السكرتارية القديمة لتجمع المهنيين من مفاوضات السلام في جوبا، نجد أن موقفها كان متذبذبًا بين الدعم الخجول خلال الفترة الأولى في بداية عمليات التفاوض، ثم المشاركة الصريحة، ثم علو أصوات الرفض الواضح لمنبر التفاوض في جوبا من قبل تجمع المهنيين. السمة العامة لموقف تجمع المهنيين في المرحلة الأولى التي استمرت حتى شباط/فبراير الفائت، كانت الإشادة ببعض ما تحققه المفاوضات من نجاحاتٍ وتقدم، وذلك من خلال تصريحات بعض أعضائها المشاركين في جلسات التفاوض مثل إبراهيم التاج نفسه، أو بنشر بيانات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير التي تشيد وتدعم منبر التفاوض في جوبا، ومن المعروف أن التجمع جزءٌ من هذا المجلس. فمثلًا البيان المنشور على صفحة تجمع المهنيين بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2020، يؤكد في الفقرة الثانية منه، على التثمين على التقدم الملحوظ في مفاوضات السلام الجارية في جوبا، والتأكيد على أن القضايا العالقة يمكن معالجتها بروح الثورة. كما أن بيانات وتصريحات وفد التفاوض كانت تؤكد على وجود توافقٍ تامٍ بين مكونات التحالف الحاكم حول عملية السلام. مثلًا نقرأ تصريحًا للمتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للسلام، في الثاني من شباط/فبراير المنصرم، يؤكد فيه الوصول لاتفاقٍ تام بين مؤسسات السلطة الانتقالية في المواقف حول القضايا التفاوضية الكلية. لم تغب أيضًا بعض محاولات النقد الخجولة لبعض ما تفتقت عنه جلسات التفاوض، ولكنها لم تتحول لموقفٍ رسمي.

اقرأ/ي أيضًا: سكرتارية تجمع المهنيين المنتخبة تتهم بعض القيادات برهن التجمع لمصالحها الخاصة

وعطفًا على مشاركة بعض أعضاء تجمع المهنيين المباشرة في جلسات التفاوض، يمكننا استنتاج أن الموقف العام كان داعمًا للمنبر. ولكن من ناحيةٍ أخرى لم تكن هناك حملة بائنة أو متابعة ملحة للمنبر تناسب أهمية عملية السلام كأحد أولويات الفترة الانتقالية بما يتوافق مع توقعات الكثيرين بأن يكون تجمع المهنيين هو قائد تحالف الداعمين لعملية السلام، بافتراض أن مصالح بعض القوى السياسية قد تتعارض أو تتقاطع مع عملية السلام ونتائجها لدرجة أنها قد تعمل بشكلٍ صريح على عرقلة عملية السلام. ويجب هنا الالتفات إلى أن الكثيرين من المهتمين بقضية السلام كانوا قد أشاروا لعدم إيلاء التحالف الحاكم لأمر السلام الأهمية المطلوبة. ولكن من بعد آذار/مارس، وخاصةً بعد إلحاق بعض أعضاء قوى الحرية والتغيير بالمجلس الأعلى للسلام وعلو الأصوات الرافضة للأمر وللمجلس الأعلى للسلام كبديلٍ لمفوضية السلام، بدا أن التجمع يغير من موقفه سلبيًا تجاه العملية كلها، وذلك إلى أن أعلن موقفًا رسميًا رافضًا لمنبر جوبا في رسالةٍ بعثها للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بتاريخ 30 آذار/مارس 2020، يبين محتواها أن موقف التجمع حينها لا يختلف عن الموقف المعلن من السكرتارية الجديدة حيث جاء في متن الرسالة: 

"لقد وصلنا إلى يقين تام بأن المنهج المتبع في مفاوضات جوبا لن يقضي الى ما ننشده من سلام دائم في بلادنا ولهذا قررنا ان نتقدم بهذه الرسالة"

 ثم حوت الرسالة أسبابًا لرفض المنبر لا تختلف كثيرًا عن التي أعلنتها السكرتارية الجديدة من رفض للمسارات ووجوب حل المجلس الأعلى للسلام.

من الأرجح أن الأطراف المتصارعة في تجمع المهنيين تستخدم قضية السلام كاداة للضغط والابتزاز المتبادل في الصراع فيما بينها

لم يثر حينها الأمر ضجيجًا داخل تجمع المهنيين كما ما تم إثارته الآن، على الرغم من تشابه الموقفين، مما يشير إلى أن الفتور من منبر جوبا وعدم التعامل الجاد مع عملية السلام كان ايضًا ملازمًا لسكرتارية التجمع القديمة بتأخير موقفه من ما تم الإعلان عنه لاحقًا أنه انتهاك للوثيقة الدستورية، بل وبالمشاركة في جلسات التفاوض المباشرة ثم العودة للانقلاب متأخرًا على موقفه المعلن. وإن افترضنا أن رسالة السكرتارية القديمة لمجلس قوى الحرية والتغيير كانت تعبر عن رأي جناح داخل تجمع المهنيين في سياق الصراع بينهما، إلا أن ردة الفعل الفاترة حينها وعدم الجهر برفض البيان يخصم من ادعاءات أعضاء السكرتارية القديمة بأن قضية السلام هي محور خلافٍ كبير، بل ويرجح أن تجمع المهنيين بكل أطراف صراعه لا يولى مسألة السلام مقامًا يليق بأهميتها، بل إن هذه الأطراف لا تتوانى في استخدامه كاداة للضغط والابتزاز المتبادل في الصراع فيما بينها.

اقرأ/ي أيضًا

من سيغسل أيادي العسكر من دماء شهداء مجزرة القيادة؟

متى كان "الصادق المهدي" مع الثورة؟