على الرغم من التحذيرات الإنسانية والدولية من أي هجوم على مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، إلا أن المدينة التي تعد حاضرة الإقليم ما تزال تشهد عمليات حربية نشطة بين شتى الأطراف.
وتسيطر على المدينة القوة المشتركة للحركات المسلحة، بجانب الجيش السوداني. بينما تسيطر قوات الدعم السريع على العواصم الأربع المتبقية في إقليم دارفور. وانقسمت القوة المشتركة للحركات المسلحة على خلفية خروج حركات مناوي وجبريل وتمبور عن الحياد الذي أعلنته الحركات الموقعة على اتفاق السلام في جوبا، ودعمهم للجيش في معاركه ضد الدعم السريع.
تشهد مناطق غربي الفاشر منذ أيام معارك عنيفة بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المتحالفة مع الجيش السوداني
هجمات الفاشر
وتشهد مناطق غربي الفاشر منذ أيام معارك عنيفة بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المتحالفة مع الجيش السوداني، وسط مخاوف من استهداف على أساس عرقي يزكي نيران الحرب الأهلية التي لم تنطفئ تمامًا في دارفور منذ العام 2003.
وتتحالف مع قوات الدعم السريع في دارفور، مليشيات محلية من المكون العربي الذي يمثل عمود الظهر لهذه القوات التي يقول الجيش إنها قد تمردت عليه. وارتكب هذا التحالف الذي يطلق عليه أحيانًا المصطلح المثير للجدل "جنجويد"، ما يرقى إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في ولاية غرب دارفور في الأشهر الأولى للحرب، وقتلت والي الولاية قائد حركة التحالف السوداني المسلحة، خميس أبكر، ومثلت بجثته.
حاكم الإقليم مني أركو مناوي قال في تصريحات إن الغرض هجمات الدعم السريع على القرى الآمنة في غرب الفاشر، هو تهجير السكان لتطويق الفاشر بغية إسقاطها. وأشار إلى أن الهجمات تسببت في مقتل عدد كبير من المواطنين الأمر الذي دفع القوة المشتركة للتدخل.
ويتبادل قادة الحركات المسلحة المنقسمة على نفسها، الملاسنات على مواقع التواصل، ما يزكي المخاوف من الحرب الشاملة التي تطل برأسها في إقليم دارفور. وكان قائد قوى تحرير السودان، عضو مجلس السيادة السابق، الطاهر حجر، قد أصدر قرارًا بالانسحاب من القوة المشتركة القائمة، وإنشاء قوة مشتركة جديدة من الحركات التي تتبنى الحياد في الصراع بين الجيش والدعم السريع.
وتقول تنسيقية لجان مقاومة الفاشر إن "مليشيا الجنجويد"، تواصل سلسلة الانتهاكات بقري ريفي الفاشر. واتهمت التنسيقية قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بارتكاب "إبادة جماعية" في منطقة عمار جديد، ريفي غرب الفاشر بولاية شمال دارفور.
حرب دارفور
الدعم السريع تقول إن هجماتها في شمال دارفور تأتي "في إطار تحقيق العدالة"، وحذرت، أمس الإثنين، من وصفتها بـ"الحركات المنشقة عن الحق" من "تنفيذ أجندة النظام البائد". مؤكدة إنها بعد إعلان الحركات الخروج عن الحياد، ستتصدى لأي مناوشات عسكرية بـ"حسم وقوة".
وتستعيد هذه القوات إرث حرب العام 2003 التي أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان في دارفور، حيث تقوم بإشعال النيران في القرى ونهب وإتلاف ممتلكات المواطنين، والذين تمنعهم من الخروج وسط إطلاق نار كثيف وأعمال نهب واعتقالات، بحسب ما تنشر لجان المقاومة من الإقليم المنكوب. ويذكر أن مرصد الصراع السوداني الذي أنشأته الحكومة الأمريكية على خلفية منبر جدة للتفاوض بين الجيش والدعم السريع، كان قد قال في تقرير له في تموز/يوليو من العام الماضي، إن أنماط هجمات قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها تتطابق مع الفظائع والجرائم التي ارتكبتها الحكومة السودانية و"مليشيات الجنجويد" في عامي 2003 و2004، من خلال استهداف المجتمعات والبنية التحتية الضرورية للحفاظ على الحياة. وأضاف التقرير: "عادت قوات الدعم السريع إلى قواعد اللعبة التي استخدمها الجنجويد في 2003-2004". والجنجويد مصطلح مثير للجدل أطلق على مليشيات مسلحة انتشرت في دارفور أثناء صراع 2003 والأعوام اللاحقة. وتنسب إلى هذه المليشيات جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ارتكبت أثناء النزاع.
وجراء الهجمات على مناطق غرب الفاشر وريفي المدينة من قبل قوات الدعم السريع، تشهد مستشفيات المدينة وصول أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين، وسط نزوح جماعي من الأرياف إلى داخل المدينة فرارًا من المليشيات التي تُتهم باستهداف المدنيين على أساس عرقي وإثني.
وتنطلق المناشدات من المستشفى الجنوبي بمدينة الفاشر للتبرع بالدم وحشد الكادر الطبي في أحد آخر المستشفيات القليلة التي ما تزال تعمل هناك. ووصل أكثر من (60) مصابًا إلى المستشفى وتسعة من القتلى المدنيين.
وفي الوقت ذاته يقوم الطيران الحربي التابع للجيش السوداني بإسقاط البراميل المتفجرة مدعيًا استهداف أهداف عسكرية، ولكن تصيب موجات القصف المواطنين جراء قيام العمليات العسكرية داخل المدن، وفشل البراميل التي تلقى من ارتفاعات عالية في إصابة أهدافها.
نزوح جماعي
الفاشر التي تستضيف بالفعل عشرات الآلاف من الفارين من الحرب الحالية، استقبلت في الأيام الماضية أعداد إضافية لا يمكن حصرها في ظل الأعمال الحربية القائمة، حيث تعرضت قرى بركة و أبوسنيط وجنجونات وأزباني وسرفاية وأم كتيرة وتوازين وتكيلات ودرماء وغالبية القرى الواقعة غرب مدينة الفاشر إلى هجمات عنيفة من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معاها. وتقول اللجان إن ذلك أدى إلى نزوح كل المواطنين من تلك القرى إلى الفاشر، وأم هجاليج وأبودقيس وجقي وشقرة وحلة الزين ومعسكر زمزم وباقي القرى القريبة من المدينة، وفق شهادات مواطنين نقلتها تنسيقية لجان المقاومة.
التقديرات الأولية لأعداد النازحين من ريفي الفاشر تصل إلى (40) ألف مواطن. وقالت تنسيقية المقاومة إن النساء والأطفال يصلون في حالة مزرية، مع تفشي الإسهالات وسوء التغذية وسط الصغار.
وبحسب طوارئ معسكر أبوشوك للنازحين، فقد أحرقت المليشيات معسكر جقي للنازحين بالكامل، كما شملت سياسة الأرض المحروقة فريق جرقا وقرية أم عشوش وحلة خميس وسرفاية ومجدوب ومقرن وتركنية وقرقف، وهي مناطق حرقت بالكامل وفق شهادات لجنة الطوارئ الشعبية.
ويعيش النازحون في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة جراء تكدس المعسكرات القائمة منذ العام 2003، وشح الإغاثة وانعدام الخدمات الأساسية. وكانت منظمات قد أكدت انتشار الجوع في شمال دارفور، وقالت أطباء بلا حدود إن طفلًا واحدًا يموت كل ساعتين بسبب سوء التغذية الحاد في معسكر زمزم للنازحين.
حرب شاملة؟
الناشط السياسي من إقليم دارفور، موسى إدريس، قلل من مخاوف اندلاع حرب شاملة في الإقليم. ويرجع إدريس في حديثه لـ"الترا سودان"، هجمات الدعم السريع والمليشيات في محيط الفاشر إلى أعمال النهب والسلب، قائلًا إن قيادة الدعم السريع لا تستطيع السيطرة على هذه المليشيات التي كان النهب سببًا في انضمامها للمجهود الحربي، مشيرًا إلى التحذيرات الدولية والأممية من الهجوم على الفاشر والتي تضغط قيادة الدعم السريع في اتجاه عدم التصعيد في الفاشر.
ويؤكد موسى أن الفاشر عصية على الاجتياح لاحتوائها بالفعل على أعداد ضخمة من منسوبي القبائل التي تستهدفها قوات الدعم السريع. ويجيد العديد من النازحين حمل السلاح في ظل انتشاره بالمنطقة، كما أنهم لا يملكون أي مكان آخر للنزوح إليه، ما يزيد من استماتتهم في الدفاع عن المنطقة حال قررت قيادة الدعم السريع اجتياحها بشكل رسمي.
ويحصر هذا الناشط السياسي الصراع بين الدعم السريع وبعض الحركات المنسوبة المجموعات الأفريقية في الإقليم المنقسم بين قبائل أفريقية وأخرى عربية. ويقول موسى إدريس إن العديد من الحركات بعيدة عن الصراع حاليًا، وعلى رأسها حركة عبدالواحد نور التي لم تتحالف مع أي من أطراف الصراع.
تحذيرات دولية
وكانت جهات دولية وأممية قد حذرت من الهجوم على الفاشر، لجهة أنها أصبحت بؤرة النشاط الإنساني والإغاثي في إقليم دارفور. وقال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، إن أي هجوم على الفاشر، "سيكون كارثيًا على المدنيين في دارفور، وسيصب الوقود على النيران المشتعلة في السودان"، بحسب تعبيره.
الأمين العام للأمم المتحدة: أي هجوم على الفاشر سيؤدي إلى "صراع مجتمعي شامل" في جميع أنحاء دارفور
الأمين العام للأمم المتحدة عبر أيضًا عن قلقه من الهجمات على الفاشر، وقال إن أي هجوم على الفاشر سيؤدي إلى "صراع مجتمعي شامل" في جميع أنحاء دارفور. لافتًا إلى أزمة المياه التي يواجهها النازحون إلى المدينة وسط مخاوف من سيطرة قوات الدعم السريع على مصدر المياه الوحيد.
ويحسب مراقبين، الهجمات على الفاشر تصب الزيت في نار الوضع السيئ والهش مسبقًا بالنسبة للمدنيين في الإقليم. وفي ظل الانتهاكات المروعة على أساس قبلي وإثني، والنزوح الجماعي، فإن الوضع قد ينفلت لحالة الحرب الأهلية الشاملة بين المكونات القبلية في إقليم دارفور الذي لم يُشف من جرح الحرب السابقة التي أودت بالآلاف وتسببت في معسكرات النزح الدائمة بالإقليم المضطرب منذ عقود.