09-نوفمبر-2019

زعيم إسلاميي السودان الراحل حسن الترابي بجانب المخلوع البشير في السنوات الأولى لإنقلاب 1989

من رحم الحركة الإسلامية خرجت تيارات وجماعات مختلفة ومتباينة، بعضها شريك رئيسي في السلطة البائدة إلى جانب حزب المؤتمر الوطني، وآخرين كانوا لفترة طويلة في خانة المعارضة مثل حزب المؤتمر الشعبي. مع اندلاع الثورة السودانية شارك فيها عددًا مقدرًا من شباب الإسلاميين في جميع مراحلها، وتعرضوا للإعتقال والإصابات المباشرة بالرصاص، وأستشهد بعضهم مثل الشهيد الأستاذ "أحمد الخير" الذي تعرض لتعذيب عنيف ومات على أثره.

بعد نجاح الثورة دفع عددًا كبيرًا من شباب الإسلاميين باستقالات عن أحزابهم وابتعدوا عن الممارسة السياسية

مشاركة شباب الإسلاميين في الثورة لم تكن بتوجيه من قيادات أحزابهم، بل كانت نتاج حس مشترك مع الشعب السوداني، أملته ضرورة تغيير الواقع وتحسين معاش الناس، ونتيجة رفض لسياسات الفساد والتمكين التي أتبعها النظام القديم. بعد نجاح الثورة دفع عددًا كبيرًا من هؤلاء الشباب باستقالات عن أحزابهم وابتعدوا عن الممارسة السياسية. فما هو مصيرهم وما أثرهم على الفضاء العام؟ هذه الأسئلة وغيرها هي محور التقرير الذي يسلط الضوء على مستقبل شباب الإسلاميين بعد الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: في خميس "البل".. تجميد حسابات لشركات شقيق المخلوع ونافع وحميدة وإعفاء مسؤولين

ما بعد السياسة.. انقلابات فكرية وتبدل مواقف

وصف القيادي الشاب بحزب المؤتمر الشعبي محمد صابر الترابي حال الشباب الإسلامي بالتشتت والتوهان، لأنهم محاصرين بوطأة الماضي الثقيل واخفاقات حزب المؤتمر الوطني التي طالت عضوية الإسلاميين غير المنتمين له، فهم يتحملون أخطاء لم يشاركوا في ارتكابها، لذلك هرب جزء كبير منهم من ساحة العمل السياسي وآخرين لايزالوا في حالة قطيعة مع الأحزاب لأنها لاتعبر عنهم. في الثورة بلغت الإستقالات ذروتها لأن عملية النضال السياسي مزدوجة بطبعها والإنتماء لحزب لايعني التلقي بل المساهمة واعادة البناء ورفد فروع الحزب بثقافة سياسية جديدة وكبح جماح الأيديولوجيا، خاصة وإن تاريخ السلطة في السودان كان ذا توجه أحادي، وهو الأمر الذي لم تستوعبه النخب الإسلامية في تعاطيها مع قضايا الشباب.

يصف صابر الترابي وضع الشباب الحالي بالقول: "يجوز أن نطلق عليها مرحلة ما بعد السياسة التي تتميز بعدم الثقة في الخطاب الإسلامي القديم التمركز حول الأنا الفردية، والتنكر للماضي ومحاولة التماهي مع اليسار أو مع أفكار لا يؤمنون بها، من أجل تبرئة الذمة، ومحاولة فتح صفحة جديدة دون محاكمة مع الذات. وحدث انقلاب فكري وسياسي لكثير من الشباب لأن أخطاء الماضي جاثمة على صدورهم. يمكن للإسلاميين أن يكون لهم بصمة قوية إذا أعادوا النظر في التجارب السياسية ككل وتجربة المؤتمر الشعبي خلال 10 سنوات، وطرح سؤال الديمقراطية والحكم. وهي أسئلة ستحدد الإجابة عليها شكل الخطاب الإسلامي الجديد".

اقرأ/ي أيضًا: جنوب كردفان والسيانيد.. القصة الكاملة لصناعة الموت والدمار

استراحة محارب

شدد الناشط الإسلامي زهير هاشم طه على ضرورة التمييز بين الفكر والتطبيق، حيث تصنف أحزاب مثل الأمة والاتحادي والجمهوريين كأحزاب إسلامية. والأحزاب في جوهرها وسائل لخدمة الشعب وليست غايات في حد ذاتها. ويضيف طه: "شباب الإسلاميين منهم من أعتقل وعذب ومات. وكانوا في المعارضة في وقت شاركت فيه أحزاب يسارية المؤتمر الوطني مقاعد الحكم". وفيما يخص المستقبل توقع زهير طه أن يتجه شباب الإسلامين للخدمة في العمل العام، من خلال منظمات ومبادرات ذات طابع فكري أو اجتماعي، لأنهم على درجة عالية من الوعي والحنكة السياسية. فمرحلة ما بعد الثورة مهمة للشباب للتفكير في طرق العودة للفضاء العام وهي استراحة محارب مطلوبة لأنه عند اندلاع الثورة كانت الأحزاب بمختلف توجهاتها في أضعف حالاتها، وهو الأمر الذي يدركه الشباب في ساحات العمل العام، أما التنظيمات الإسلامية القديمة بشكلها الحالي فلا مستقبل لها.

عبء السلطة وسؤال الحكم

وصف المدون الإسلامي مصعب حسين تخلص الإسلاميين من السلطة بالنعمة وأستطرد "مثلت السلطة عبءً كبيرًا على الأحزاب الإسلامية، والجدير بهم الآن التفرغ لتقديم مشروع إسلامي حديث. يتعرض شباب الإسلاميين في الوطن العربي ككل بعد الربيع العربي لحالة ضغط دولي وداخلي رغم تصدرهم للمشهد العام. أما التنظيمات الإسلامية السودانية فلابد أن تتجدد على ضوء القيم الأولى، والحركة الإسلامية بثوبها القديم أصبحت عبء على الواقع المعاصر، وعليها قبل ذلك يجب أن تجيب على سؤال كيفية التعامل مع السلطة".

اقرأ/ي أيضًا: الظروف الاقتصادية الصعبة تجبر أطفال النازحين في دارفور على هجر التعليم

وتوقع حسين أن ينحصر دور الشباب خارج المنظومات الحزبية في الوسط الشبابي والجامعات والطلاب، دون أن يرتقي إلى بناء سياسي واضح المعالم لأنهم من خلفيات إسلامية متباينة، فلا صعوبة مع شكل التعامل الفردي بين أشخاص من نفس الفئة العمرية. وأوضح حسين أن المشاكل مع النخب القديمة وتدرج الشباب في الهياكل التنظيمية هي حالات عامة تعاني منها كل الأحزاب السودانية.

ورثة الحركة الإسلامية السودانية

تشهد الساحة قيام تيار إسلامي يستند على الأصول وتيار آخر يتبنى مفاهيم الحداثة. جميع التيارات أمام تحديات كبرى لبناء مستقبل جيد

رسم عضو جماعة "الإحياء والتجديد" هشام أحمد شمس الدين، أكثر من سيناريو للمستقبل، ويرى أن هناك مجموعة من الإسلاميين ابتعدت عن العمل التنظيمي لكنها متمسكة بالأصول، هؤلاء سيتجهون إلى بناء تيار إسلامي واضح. أما التيار الآخر وهم المعجبون بفكرة الحداثة سيجدون أنفسهم في ورطة، لأن رؤيتهم للحداثة غير واضحة، وسيكونون عاجزين عن استقطاب مناصرين لأفكارهم، لأن مفاهيم الحداثة لايزال الجدل حولها مستمر وغير مكتمل ولها ظروفها التاريخية التي نشأت فيها، سيعانون من التشويش وعدم تقديم طرح واضح المعالم يستند إلى مرجعيات فكرية محددة، خصوصًا في حالة الاستقطاب الحاد التي تعيشها البلاد. ويضيف شمس الدين "التيار الأول سيرث الحركة الإسلامية، ويعتمد نجاحه وفشله على مقدرته الذاتية في تجاوز تحديات الواقع. أما الشباب الذين لايزالون داخل الجماعات فهم الأكثر حيرة، هل سيكونون قادرين على تحمل تركة (30) عامًا من الفشل وأخطاء لم يشاركوا فيها؟. إلى جانب خوفهم من تحدي الخروج وبدء رحلة البحث عن بديل، أو الانتماء لكيانات مختلفة عنهم فكريًا. جميع تيارات الأصوليين والحداثويين هم الآن في مواجهه كيانات تتقدمها قيادات تاريخية غير قادرة على التنحي لفتح الباب أمام عمل إسلامي جديد".

ويؤكد شمس الدين أن شباب الإسلاميين كانت بينهم مراجعات فكرية قبل اندلاع الثورة، ومتفقين على فشلهم في إدارة الحكم والتعامل مع قضايا الحريات، لكن كل مجموعة منهم كانت تنطلق في المراجعة الفكرية من مدرسة مختلفة، ومستقبل هذه المجموعات سيتحدد بناء على طرح الأفكار والتحليل للأحدث الذي جرى قبل الثورة.

 

اقرأ/ي أيضًا

النائب العام: سنحقق تطلعات الشعب ونحاسب قتلة الشهداء "قريبًا"

ضحايا دارفور: تسليم المخلوع للجنائية سبيل السلام بالأقليم