25-أبريل-2024
الصحافة السودانية والحرب

واجهت الصحافة السودانية أكبر كارثة في تاريخها مع اندلاع الحرب في السودان شأنها شأن الشعب السوداني

الصراع المستمر في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لم يكن له تأثير فقط على المشهد السياسي والإنساني، بل أثّر أيضًا بشكل كبير على الصحافة السودانية. ومع انطلاق الرصاصة الأولى للحرب في العاصمة الخرطوم التي تعتبر معقل الصحافة السودانية التي تحتضن أهم مقراتها، توقفت جميع الصحف الورقية، وفقد معظم الصحفيين مصادر دخلهم، مما تسبب في انتشار البطالة بين الصحفيين السودانيين. بالإضافة إلى ذلك، تأثر القارئ الذي يعتمد على الصحف الورقية، واضطر الجمهور إلى اللجوء إلى الصحف الإلكترونية التي ظهرت حديثًا. ولم يقتصر تأثير الصراع على ذلك فقط، بل تعرضت الصحف والصحفيون لانتهاكات متكررة.

السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين لـ"الترا سودان": حوالي (90) بالمائة من الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية السودانية فقدوا وظائفهم مع اندلاع الحرب وفي الأشهر اللاحقة، وخاصة بعد توقف الصحافة الورقية

في هذا الصدد، يقول السكرتير  العام لنقابة الصحفيين السودانيين، محمد عبدالعزيز، إن حوالي (90) بالمائة من الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية السودانية فقدوا وظائفهم مع اندلاع الحرب وفي الأشهر اللاحقة، وخاصة بعد توقف الصحافة الورقية. أما الصحف التي استمرت في الصدور، بدأت تعمل إلكترونيًا وبطاقم محدود.

مأساة الصحفيين

وأوضح السكرتير  العام لنقابة الصحفيين السودانيين، في حديث مع "الترا سودان"، أن الكثير من الصحفيين يواجهون تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي والأمني، فضلًا عن الاعتداءات وحملات التضييق والاستهداف في مناطق النزاعات. ووصف عبدالعزيز التحديات التي يواجهها الصحفيون السودانيون بأنها "صعبة وقاسية جدًا"، مؤكدًا مقتل ستة صحفيين أثناء الحرب السودانية، منهم حالتان قتلا عمدًا، بجانب عشرات الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال والتوقيف. بالإضافة إلى ذلك، سجلت ثماني حالات اعتداء جسدي على صحفيات وصحفيين سودانيين.

ويقول محمد عبدالعزيز، إن الحرب بدأت بـ"قتل الحقيقة"، وكان الصحفيون ضحايا للانتهاكات، مشيرًا إلى وقوع (39) حالة توقيف واحتجاز لصحفيين وصحفيات، و(39) حالة تهديد سواء عبر الهاتف أو عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وهي أبرز الحالات المسجلة.

دار نقابة الصحفيين في الخرطوم
انتخبت نقابة الصحفيين السودانيين أثناء فترة الحكم الانتقالي عقب الثورة السودانية

وسرد أحد الصحفيين -فضل حجب اسمه- لـ"الترا سودان"، تفاصيل الانتهاكات التي تعرض لها في الأيام الأولى لاندلاع الحرب في الخرطوم. ويقول إنهم عادوا من مدينة الخرطوم في تمام الساعة الثانية عشر والنصف ظهرًا بعد أن اشتد الحصار عليهم وتكاثفت المقذوفات النارية من كل الاتجاهات، تفرقوا باتجاهات مدن العاصمة الثلاث، وبلغ عددهم حوالي (20) شخصًا، من بينهم أطفال وكبار سن. وأضاف أنهم مروا بحوالي (15) نقطة تفتيش، جميعها للجيش، بدءًا من أمام جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، وانتهاءً بتقاطع محطة سراج بالفتيحاب. وتابع: "التعامل كان محترمًا وراقيًا من قبل ضباط وأفراد الجيش".

وقال إن ما أثر عليه هو التعامل الحاد مع شخصه دون البقية، ففي بعض النقاط يُسمح للمارة بالعبور دون تفتيش إلا هو، وفي كل نقطة تفتيش كان أفراد الجيش يُصرون على أنه ينتمي لقوات الدعم السريع، ويخضع لتفتيش دقيق ويسمع عبارات مُسيئة على شاكلة: "رميت الكاكي بتاعك وين يا دعامي؟ جدعت الكلاش وجريت صاح يا جنجويدي؟".

وتابع: "المصيبة الكبرى في التفتيش قبل الأخير، وجد أحدهم أثناء تفتيش هاتفي مجموعة من الصور لقوات الدعم السريع في مكاتب العسكريين بمجلس السيادة، شمس الدين كباشي وياسر العطا، بجانب فيديوهات لمنسوبي الدعم السريع وهم يحتفلون بالسيطرة على بعض المناطق؛ فقال لي: "وكمان محتفل؟ الليلة بديك طلقة وألحقك أهلك الجنجويد!"، ثم تحسس مسدسه وأنا نطقت الشهادتين".

 وأوضح أنه كان برفقة مصور صحفي وعمل أيضًا في الإعلام العسكري، وعندما شعر بالخطر تحدث إليهم وكشف لهم هويته العسكرية، فسمحوا لهم بالمرور، لكنهم لم يقتنعوا.

كارثة الصحافة السودانية

وبشأن أوضاع الصحفيين، أشار هذا الصحفي الذي ما يزال مقيمًا داخل السودان، إلى أنهم يمرون بوضع صعب جدًا منذ بداية الحرب في 15 نيسان/أبريل من العام الماضي، حيث توقفوا جميعًا عن العمل في القنوات الحكومية والخاصة والإذاعات الخاصة والصحف الورقية.

وأضاف أنهم أصبحوا عاطلين تمامًا عن العمل، وأنهم يواجهون وضعًا مأساويًا جدًا، مشيرًا إلى أن هناك صحفيين الآن في مناطق الصراع، وبعضهم نازحون في الولايات الآمنة، وبعضهم في مراكز إيواء. ويرى هذا الصحفي أن وضع الصحافة السودانية مأساوي تمامًا، مثله في ذلك مثل الشعب السوداني عمومًا.

وترى رئيس قسم التحقيقات بصحيفة الانتباهة، خديجة الرحيمة، أن وضع الصحفيين يعتبر مزريًا جدًا، خاصة الصحفيون الذين يعيشون في مناطق النزاعات ولم يتمكنوا من مغادرة منازلهم لأسباب مختلفة. وقالت: "أصبحوا مكبلين وليس لديهم سوى الاستسلام لهذا الوضع. بعضهم لا يملك حتى قوت يومه، ويواجهون الفقر الشديد. ويعاني البعض الآخر من عدم توفر العلاج اللازم". وتجزم الرحيمة أن السودان هو البلد الوحيد الذي لا يعطي كل ذي حق حقه.

وأضافت خديجة في حديثها لـ "الترا سودان"، أن الصحفيين أصبحوا يعملون برزق اليوم، وحتى الصحفيون الذين غادروا البلاد يواجهون ظروفًا قاسية للغاية، ويتجهون نحو العمل الحر لكسب لقمة العيش. وتصف وضع الصحفيين بـ"الكارثي".

وبالنسبة لتوقف الصحف الورقية وانتشار الصحف الإلكترونية؛ ذكرت رئيس قسم التحقيقات بصحيفة الانتباهة، أن المهنية قد انعدمت في كثير من الصحفيين، والذين قالت إنهم "يسعون وراء مصالحهم الشخصية". وأشارت خديجة الرحيمة إلى أن نقل المعلومات بمصداقية قل كثيرًا عن ما كانت عليه الصحافة السودانية في الماضي. وزادت بالقول: "في الصحف الورقية يوجد من ينقل المعلومات دون مصداقية، ولكن في الصحف الإلكترونية، فإن انعدام المصداقية أكبر بكثير، حيث يسعى الجميع لنقل المعلومات بسرعة دون مراعاة مصداقيتها"، بحسب تعبيرها.

ضربة موجعة

ويقول رئيس صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، إن الصحافة السودانية تعرضت لضربة موجعة بسبب الحرب، حيث تم احتلال دورها منذ اليوم الأول للصراع، وتوقفت تمامًا عن الصدور الورقي، ويعمل بعضها حاليًا عبر مواقعها الإلكترونية.

وأشار ميرغني في حديثه مع "الترا سودان" إلى أن غالبية الصحفيين تعرضوا للتشرد بعد فقدان وظائفهم وممتلكاتهم وبيوتهم. لافتًا إلى أن الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والصحفيات كبيرة، تراوحت بين القتل والإصابات الجسيمة، والتشرد للغالبية العظمى.

رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني: الصحافة الإلكترونية تقوم حاليًا بدور كبير وفعّال

ويصف رئيس صحيفة التيار، وضع الصحافة السودانية بـ"الصعب"، نظرًا لغياب عدد كبير من الصحفيين عن العمل بسبب الحرب، مما يعطل قدراتها التحريرية ويفقدها عوائدها الاقتصادية التي تساعد على استمرارها. ويعتبر ميرغني الصحف الإلكترونية البديل الفوري للصحافة الورقية بعد تعطل المطابع واحتلال دور الصحف.

وبشأن تأثر الصحف الإلكترونية بانقطاع خدمات الإنترنت في السودان، يقول ميرغني إن الصحافة الإلكترونية تقوم حاليًا بدور كبير وفعّال، مضيفًا أن خروج شبكات الإنترنت عن مناطق كثيرة بالسودان أدى لحالة انعدام شامل عطل قدرات الصحافة في الوصول إلى مصادر الأخبار أو التواصل مع القراء.

تاريخ الصحافة السودانية

صدرت أول صحيفة وطنية سودانية في العام 1919، بتدشين رئيس التحرير حسين الشريف "جريدة الحضارة"، والتي تعرضت للعديد من المضايقات من سلطات الاستعمار.

ويعود تاريخ أول قانون للصحافة السودانية إلى العام 1930، وازدهرت بعد ذلك الصحافة السودانية، والتي ظهرت معها الأحزاب السياسية والأجسام الفئوية من المتعلمين والعاملين في المجال العام، فانطلقت الصحافة بقوة في سماء السودان، لتصدر العديد من الصحف الورقية، أبرزها صحيفة الأيام لعميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح، والصحف الحزبية مثل جريدة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي السوداني.

وتطور العمل الصحافة السودانية مع تطور الإعلام في العالم، وظهرت الصحف الإلكترونية وغيرها من الوسائط المتخصصة في العمل الصحفي والإعلامي.

تأثرت الصحافة السودانية بالصراع الدائر في البلاد وأثرت فيه، ليكون التأثير المتبادل ملموسًا وشاملًا

وتأثرت الصحافة السودانية بالصراع الدائر في البلاد وأثرت فيه، ليكون التأثير المتبادل ملموسًا وشاملًا. فبالنظر إلى دور الصحافة كوسيلة لنقل الأخبار وتوجيه الرأي العام، فإنها تلعب دورًا حيويًا في تشكيل الوعي وإبراز القضايا المهمة. إن توقف الصحف الورقية عن الصدور وتشرد الصحفيين وتعرضهم للانتهاكات يؤدي إلى تقليل قدرة الصحافة على تغطية الأحداث بشكل فعال ونقل الحقيقة بشكل كامل. وهذا يؤثر سلبًا على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات الصحيحة، وبالتالي يقلل من الشفافية والمساءلة.

ومع ذلك، تظل الصحافة السودانية تلعب دورًا مهمًا في نقل الأخبار والتوعية، على الرغم من التحديات التي تواجهها مثل توقف المطابع والتوزيع بسبب الحرب، وانقطاع خدمات الإنترنت والقيود على الحريات. وتوفر الصحافة الإلكترونية وسيلة للتواصل ونقل الأخبار بشكل سريع ومباشر، وتساهم في الحفاظ على حوار عام ومناقشة القضايا المهمة في المجتمع.