07-نوفمبر-2019

أطفال لاجئون سودانيون من دارفور بشرق تشاد (Getty)

في العام 2013 كان الطفل محمد أحمد يبلغ من العمر ثلاث سنوات، عندما هرب به والداه صوب مدينة نيالا من قرية "لبدو"، عقب هجوم من قوات الجيش والمليشيات الحكومية على سكان مناطق جنوب السكة الحديد بولاية جنوب دارفور.

رغم أن والده يعمل بالزراعة التقليدية، إلا أن عدم كفاية الدخل والظروف المعيشية الضاغطة بالمعسكرات دفعت محمد لترك الدراسة منذ الصف الأول

وكان محمد ووالداه من المحظوظين لأنها نجوا بحياتهما حتى وصلا تخوم المدينة وأقاما في المعسكر، لأن الهجوم الواسع على المنطقة حينها أدى إلى مقتل المئات، ونجم عنه إحراق لقرى وتشريد عشرات الآلاف، في هجمات وجدت تنديدًا واسعًا دوليًا وإقليميًا. استقر محمد وأسرته في معسكر "عطاش" بالقرب من مدينة نيالا، وتتكون أسرته حاليًا بجانب والديه، من ثلاثة إخوان آخرين يصغرونه. ورغم أن والده يعمل بالزراعة التقليدية، إلا أن عدم كفاية الدخل والظروف المعيشية الضاغطة بالمعسكرات دفعت محمد لترك الدراسة منذ الصف الأول، والعمل بسوق نيالا الكبير لإعالة والدته.

اقرأ/ي أيضًا: أوروبا تدعم المناطق المتأثرة بالحرب والنزاعات في السودان

الآلاف الأطفال يهجرون المدارس

وكحال محمد يوجد الآلاف كما يقول منسق معسكرات وسط دارفور شفيع عبدالله، الذي أوضح في تصريح لـ"الترا سودان" أن الظروف المعيشية والرسوم الدراسية أجبرت أسر النازحين على سحب أطفالها من المدارس، وأشار إلى أنه بنفسه اضطر إلى سحب اثنين من أطفاله من المدراس بسبب الرسوم الدراسية وعدم كفاية الدخل.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا دارفور: تسليم المخلوع للجنائية سبيل السلام بالأقليم

وتبلغ الرسوم السنوية في المدارس الثانوية بالمعسكرات مبلغ ثلاثة الآف جنيه، أي ما يعادل نحو ٤٠ دولارًا أمريكيًا، بينما للمرحلة الأساسية نحو ١٠٠ جنيه شهريًا، حوالي 1,50 دولار، لكن رغم ذلك يصعب على الأسر النازحة سدادها، خاصة تلك التي لديها أكثر من طفل بسبب انعدام الدخل.

تدني الاقبال على التعليم وعمالة الأطفال

وقال منسق معسكرات وسط دارفور، إن الظروف الحالية أجبرت مزيدًا من الأطفال على ترك الدراسة، وذكر: "من جملة ثلاث مدارس ثانوية في معسكر الحميدية بوسط دارفور، لا ينتظم حاليًا إلا تسعة طلاب فقط"، وأضاف "هذه أكبر نسبة لتدني الاقبال على التعليم في المعسكر منذ سنوات".

ونوه شفيع عبدالله، إلى أن أغلب الأطفال يذهبون إلى المدن من أجل العمل بالأسواق في أعمال هامشية، مثل (مسح الأحذية، قيادة "الدرداقات"، باعة متجولين، عمال بناء، عمال مطاعم)، حتى يتمكنوا من إعالة أسرهم وأنفسهم.

ولفت منسق معسكرات وسط دارفور، إلى أنه حتى أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى المرحلة الثانوية، يتركونها قبل دخول الجامعات ويذهبون للبحث عن العمل.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب الجوع.. معارضة جنوب السودان تترك معسكرات التدريب!

التجنيد العسكري للأطفال

من جانبه يعزو الباحث الاجتماعي ضرار آدم، أسباب التسرب المدرسي إلى البيئة الدراسية غير الجاذبة، وتدني مستوى المعيشة، بالإضافة إلى استخدام الأسر للأطفال في كسب العيش، بجانب التجنيد العسكري، وأشار إلى أن القوات الحكومية والأطراف المسلحة أيضًا تقوم بتجنيد الأطفال، معتبرًا ذلك أكبر الأسباب للتسرب المدرسي في ولايات دارفور.

ويرى آدم، أن علاج التسرب يمكن أن يتم بتنفيذ برامج، منها دعم أسر الأطفال وتهيئة البيئة الدراسية، ودمج الأطفال في المجتمع، وخلق مراكز للتدريب المهني لاستيعاب الطلاب.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب كردفان والسيانيد.. القصة الكاملة لصناعة الموت والدمار

أعلى نسب التسرب المدرسي

وحسب تقرير لمنظمة اليونيسف، فإن أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السودان في سن التعليم خارج المدارس، وتوجد في دارفور أعلى نسبة أطفال لا يذهبون إلى المدارس في السودان.

ويوضح ذات التقرير أن ٢٧% من أطفال ولاية جنوب دارفور في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدارس، بالإضافة إلى ٢٦،٩% من أطفال ولاية شرق دارفور، و٢٣% من أطفال شمال دارفور، وعزت المنظمة ذلك إلى النزاعات المسلحة وغياب الوعي بأهمية التعليم، بالإضافة إلى الرسوم الدراسية التي تمنع الأسر من إرسال أطفالها إلى المدارس، رغم سياسة مجانية التعليم المعلنة من قبل الدولة.

وطبقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، فقد شردت الحرب في إقليم دارفور نحو ٢،٧ مليون مواطن من قراهم ومناطقهم، ودفعتهم للإقامة في معسكرات على امتداد ولايات دارفور الخمس، ومقتل أكثر من ٣٠٠ ألف شخص.

وبدأت موجة النزوح في العام ٢٠٠٣، عندما شنت القوات الحكومية مدعومة بالمليشيات هجمات واسعة على مناطق وقرى المدنيين وقامت بحرقها ونهبها، بحجة مساندتهم للحركات المسلحة التي كانت تقاتل النظام.

اقرأ/ي أيضًا: طلب لرفع الحصانة عن عسكريي السيادي يثير الجدل في السودان

وبعد عامين من بداية الأزمة التي لقيت آنذاك اهتمامًا دوليًا، اعتبر مجلس الأمن أن الأوضاع بدارفور تمثل تهديدًا للسلام العالمي، قبل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات بالقبض على الرئيس السابق المشير عمر البشير، بعد أن وجهت له تسع تهم، منها الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

تمثل حالات الانفلات الأمني بولايات دارفور تحديًا كبيرًا للنازحين، وتمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية

وشهدت دارفور خلال الأزمة إبرام عدد من اتفاقيات السلام، أبرزها اتفاقية أبوجا بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، قبل أن تعود الحركة إلى العمل المسلح مرة أخرى، بالإضافة إلى اتفاق سلام الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، والذي أفضى لتكوين السلطة الإقليمية لدارفور برئاسة تجاني السيسي.

ويعتمد النازحون في غذائهم على المنظمات المحلية والعالمية، مثل برنامج الغذاء العالمي، بينما تمتهن الغالبية منهم مهنة الزراعة المطرية التقليدية في مناطق بعيدة من معسكراتهم.

وتمثل حالات الانفلات الأمني بولايات دارفور تحديًا كبيرًا للنازحين، الذين يشكون من إعاقة وسائل معيشتهم ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، في ظل الظروف المعيشية الصعبة.

 

اقرأ/ي أيضًا

النائب العام: سنحقق تطلعات الشعب ونحاسب قتلة الشهداء "قريبًا"

إجراءات قانونية بحق 100 سوداني رحلتهم ليبيا إلى "دنقلا"