مرة أخرى يعود الحديث عن المفاوضات بين الجيش والدعم السريع إلى الواجهة، بعد أن تعثرت المحادثات مطلع كانون الأول/ديسمبر نهاية العام الماضي، وتعثر الطرفين في الوصول إلى اتفاق، كما أن الأمور التي زادت الأوضاع تعقيدًا فشل هدنة دعا إليها مجلس الأمن الدولي خلال شهر رمضان الحالي، ولم يبد الجيش والدعم السريع تجاوبًا حيال هذه المناشدات الأممية التي جاءت وفق قرارات غير ملزمة.
يحاول المبعوث الأمريكي إلى السودان تبني استراتيجية جديدة لدفع الجهود السلمية ووقف الحرب
من القاهرة أعرب المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيرليو عن أمله في استئناف التفاوض بين الجيش والدعم السريع، عقب شهر رمضان وفقًا لاتفاقات جدة المبرمة بين الجانبين، وقال إن الحرب يجب أن تتوقف.
وعبر بيريلو في مقابلة مع صحيفة "السوداني" الجمعة، عن أمله في استئناف محادثات السلام عقب شهر رمضان ومواصلة اتفاقيات منبر جدة، ويرى المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان والمعين حديثًا من الخارجية الأمريكية، ويجري جولة إفريقية وعربية وخليجية لبحث الأزمة السودانية، يرى أن مشاركة قادة أفارقة وخليجيين في المفاوضات عقب شهر رمضان بين الجيش والدعم السريع "ضرورة".
وتأتي تصريحات المبعوث الأمريكي بالتزامن مع جولته التي التقى خلالها منظمات المجتمع المدني من السودان والقوى السياسية، وقال إنه سيعقد لقاءات مع الجيش والدعم السريع.
وزار المبعوث الأمريكي إثيوبيا وأوغندا ومصر وفي طريقه إلى المملكة العربية السعودية، يأمل بأن يتمكن من وضع حد للحرب من خلال تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحاربين.
وكان معهد السلام الأمريكي حذر من تعمق الحرب في السودان خلال الفترة القادمة، ويرى المعهد أن الحرب قد تتحول إلى قتال أهلي عنيف جدًا ما لم تحاصر مبكرًا.
وقالت صحيفة "السوداني" إن المبعوث الأمريكي اشترط التعامل المباشر مع وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جانب حرية القرار في اختيار فريقه، وذلك بعد سلسلة من الخلافات بين المبعوثين السابقين والخارجية الأمريكية في الملف السوداني، لا سيما مساعد الوزير السيدة مولي في.
ومولي في سيدة ذات نفوذ في الملف السوداني خلال فترة ما قبل الحرب، وابتعثت إلى السودان لرعاية حوار بين القوى المدنية والعسكرية في فترة ما بعد الإنقلاب العسكري، الذي نفذه قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان متحالفا في ذلك الوقت مع نائبه في مجلس السيادة محمد حمدان دقلو والأعضاء العسكريين، وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك، حيث ترى أطراف مدنية سودانية أن السيدة مولي في، دبلوماسية أمريكية كانت تشاهد الحكومة المدنية وهي "ترتطم بالأرض" دون فعل شئ يذكر.
وتعتقد الخارجية الأمريكية التي رعت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع عبر منبر جدة بالمملكة العربية السعودية، أن أي تحرك نحو المحادثات يجب أن يكون وفق رغبة نابعة من الطرفين المتفاوضين أولًا، حتى يكونا على قناعة لوقف الحرب وإسكات البنادق ومنح الفرصة للحوار السياسي.
وبعد سلسلة من المحادثات التي عقدت في منبر جدة خلال الفترة بين أيار/مايو وحتى مطلع كانون الأول/ديسمبر 2023 أثمرت عن توقيع (14) هدنة بين الجيش والدعم السريع ولم تنجح سوى هدنة اليوم الواحد لمرة فقط.
وحال انعقاد المحادثات عقب شهر رمضان، وفقًا للمبعوث الأمريكي فإن الأجندة المتعلقة بالوضع الإنساني ستتصدر الطاولة بين الجانبين ورعاة المفاوضات، خاصة مع التقارير التي تحذر من مجاعة وشيكة في السودان، وبالفعل تفشت في بعض مخيمات النازحين في إقليم دارفور وبعض أحياء العاصمة الخرطوم، حيث دفن بعض الموتى في صمت، لأنهم تضوروا جوعًا دون غوث من أي طرف.
ويرى المحلل الدبلوماسي عمر عبد الرحمن، أن كل المؤشرات تؤكد أن المحادثات بين الجيش والدعم السريع ستنطلق مطلع أيار/مايو القادم أو نهاية نيسان/أبريل القادم، خاصة وأن مؤتمر باريس الذي يعقد في منتصف نيسان/أبريل القادم بشأن الملف الإنساني سيضع مقررات واضحة حول ضرورة وقف الحرب لإفساح المجال لغوث ملايين المدنيين في السودان وفي دول الجوار.
ويقول عبد الرحمن لـ"الترا سودان"، إن فشل الهدنة التي دعا إليها مجلس الأمن الدولي مطلع شهر آذار/مارس الجاري بمناسبة شهر رمضان، سيضاعف من الضغوط الدولية على الجيش والدعم السريع للذهاب نحو التفاوض.
ويعتقد عمر عبد الرحمن أن التقدم الذي أحرزه الجيش مؤخرًا في أم درمان، يتيح له الارتياح السياسي والذهاب إلى المفاوضات عكس الجولات السابقة، حيث كانت القوات المسلحة في وضع ميداني متأخر.
وأردف: "الأجواء العامة تشير إلى أن الجيش وضعه ميدانيًا أفضل نسبيًا، خاصة من الناحية السياسية عكس الدعم السريع، التي تورطت في انتهاكات ضد المدنيين بولاية الجزيرة، قبل أن تغادر ورطة المقابر الجماعية في غرب دارفور، كل هذه العوامل أحدثت متغيرات حتى في غرض التفاوض".
وكان الجيش استرد مبنى الإذاعة والتلفزيون، وأحياء أم درمان القديمة منتصف هذا الشهر، بعد معارك ضد قوات الدعم السريع استمرت قرابة الشهر، كما يعتزم الجيش شن هجمات برية على ولاية الجزيرة لاستعادتها من الدعم السريع.
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، والذي تنحى من منصبه نهاية العام وغادر السودان عقب الحرب مضطرًا نتيجة ضغوط حكومية، قال إن الجيش والدعم السريع يعتقدان أن كل طرف بإمكانه تحقيق نصر عسكري، لذلك لا يضعان الحلول السلمية في الاعتبار.
المفاوضات التي قد تنطلق خلال نهاية نيسان/أبريل القادم حال موافقة الجيش والدعم السريع مجددًا، لا يمكن أن توقف الحرب دون إرادة داخلية قوية لكلا الطرفين، وأن يصلا إلى قناعة أن الحسم العسكري لم يعد مجديًا
ويقول الباحث السياسي مصعب عبد الله لـ"الترا سودان"، إن المفاوضات التي قد تنطلق خلال نهاية نيسان/أبريل القادم حال موافقة الجيش والدعم السريع مجددًا، لا يمكن أن توقف الحرب دون إرادة داخلية قوية لكلا الطرفين، وأن يصلا إلى قناعة أن الحسم العسكري لم يعد مجديًا، وأن السودان في طريقه إلى التفكك بـ"تدويل الحرب".
وتابع عبد الله: "الدعم الخارجي في حرب السودان بدأ بثقب صغير، ومن ثم اتسع، وإذا تطاولت الحرب تتزايد مبررات الحسم العسكري، وكل طرف سيجر الطرف الإقليمي والدولي المساند له تحت هذه المبررات، وللسودان ألف عدو خارجي يطمع في رؤيته منهارًا للإجهاز على موارده وسط إقليم مضطرب، وتعاني شعوبها الفقر".
ويرى مصعب عبد الله أن سياسية الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة الحلول السلمية لوقف الحرب في السودان فشلت تمامًا، كما إنها عاجزة عن وقف تدفقات السلاح إلى البلاد، لذلك عليها وضع استراتيجية جديدة، وعليها أولًا أن ترفع السودان ضمن أولويات البيت الأبيض.
وأردف: "هناك نقطة ضوء عبر وثيقة المنامة، لكنها أيضًا قابلة للتقويض من دعاة الحرب، رغم أنها وثيقة قد تقوض الحكم الديمقراطي في السودان إلى الأبد مقابل وقف الحرب".