22-فبراير-2020

مواطنون في انتظار الخبز بالخرطوم (Getty)

قرب مخبزٍ جدارنه من الألواح المعدنية (الزنك) بضاحية أمبدة غربي العاصمة السودانية يجلس شبان قضوا ليلتهم في مناوبة لجان المقاومة لمراقبة توزيع الخبز ومنع تسرب الدقيق إلى السوق السوداء ومنعًا لعودة طوابير الخبز في العاصمة السودانية فيما دفعت الولايات ثمنًا باهظًا بالاقتراب من مرحلة شح مخزون طحين الخبز ومضاعفة الأسعار.

في ولاية كسلا شرقي البلاد، حوالي 600 كلم تباع قطعة الخبز الواحدة بسعر 2.5 جنيهًا وفي إقليم دارفور غربي البلاد تباع القطعة الواحدة بخمسة جنيهات.

ولم تنه تعهدات بذلها وزير الصناعة والتجارة "مدني عباس" طوابير الخبز وهو الذي اعترف بعدم قدرته على إنهاء الأزمة لكنه أعلن عن استيراد نظام الكتروني تتبعي للقمح والدقيق والخبز وصولًا إلى المستهلك خلال شهرين.

اقرأ/ي أيضًا: الحزب الشيوعي يكشف تحديات الإصلاح الزراعي ويطرح حلوله

أما في الولايات فإن الأسعار تتضاعف كلما ابتعدت عن العاصمة السودانية، فمثلًا في ولاية كسلا شرقي البلاد، حوالي 600 كلم تباع قطعة الخبز الواحدة بسعر 2.5 جنيه وفي إقليم دارفور غربي البلاد تباع القطعة الواحدة بخمسة جنيهات.

ويسيطر مهربو الدقيق بحسب إحصائيات غير رسمية على 40% من طحين الخبز المعد من حبوب القمح المدعوم حكوميًا بواقع 1.3 ألف جنيه للجوال الواحد زنة 50 كيلو جرام، أي ما يعادل خمسة دولارات أميركية تدفعها الحكومة لمطاحن الغلال في القطاع الخاص عن كل جوال طحين.

وتستهلك العاصمة السودانية الخرطوم (85) ألف جوال من طحين الخبز يوميًا فيما تستهلك الولايات (40) ألف جوال لكن مسؤولين محليون في الولايات قلقون من اختفاء شحنات الطحين ونقلها إلى السوق السوداء ما يؤدي إلى مضاعفة أسعار الخبز.

النجاة من شرارة الخبز

وبعد أربعة أشهر من استلام الحكومة التنفيذية مهمامها بعد إبرام وثيقة اتفاق مع قادة الجيش في آب/أغسطس الماضي، تشعل أزمة الخبز الانتقادات للحكومة سيما وأن الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير اندلعت إثر شح الخبز وارتفاع الأسعار بمدينتي الدمازين وعطبرة.

اقرأ/ي أيضًا: كبرى الشركات الحكومية تقر بتراجع إنتاج الذهب ومديرها يكشف التفاصيل

ويقول مستشار وزير التجارة الأسبق في حكومة الديمقراطية الثالثة أحمد إبراهيم لـ"الترا سودان" إن المعلومات غير متاحة فيما يتعلق باستيراد القمح ويضيف، كم هي قيمة استيراد طن القمح؟ لأن الطن عالميًا يباع بـ(180) إلى (200) دولارًا أمريكيًا والعام الماضي أشارت تقارير حكومية إلى استيراد القمح بقيمة (300) دولارًا أمريكيًا، وبالتالي لا بد من توضيح قيمة الاستيراد.

ويستورد السودان حوالي مليوني طن من القمح سنويًا بقيمة (1.4) مليار دولار ويعتقد إبراهيم إن قمحًا بقيمة 600 مليون دولار تذهب عائدات المضاربة فيه إلى جيوب المهربين بالتالي فإن رفع الدعم عن الخبز ليس حلًا جذريًا لكن الحل هو في مراقبة الحدود وتفعيل الإجراءات القانونية وملاحقة شبكات التهريب.

رفع الدعم ليس حلًا جذريًا

وتدعم الحكومة الانتقالية القمح المستورد بمبلغ خمسة دولارات أمريكية للجوال الواحد إنتاج مطاحن الغلال المحلية، وكي تتمكن من الموازنة بين العرض والطلب لهذه السلعة فإنها ستضطر إلى رفع سعر الجوال إلى 1.5 ألف جنيه غير أن هذا الخيار بالنسبة لوزير الصناعة والتجارة مدني عباس غير مقبول لجهة الفرق الكبير بين السعر الرسمي والموازي بالتالي فإن اقتراب الأول للثاني يرفع سعر الخبز إلى 7 جنيهات للقطعة الواحدة وهو أمر مرفوض شعبيًا وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات سياسية.

ويسعى وزير التجارة إلى تشجيع القطاع الخاص لإنشاء مخابز مركزية في العاصمة السودانية لبيع القطعة بـ2.5 إلى 3 جنيهات وهو مقترح في نظره ينهي الطوابير لأن الأثرياء يمكنهم أن يحصلوا على الخبز من هذه المخابز التجارية وهي تجربة تشبه التقليص الجزئي للدعم الحكومي على الوقود التي ابتدرها الأسبوع الماضي بمحطات رئيسية بالخرطوم.

اقرأ/ي أيضًا: "أصدقاء السودان" يؤجلون إنقاذ اقتصاده لثلاثة أشهر

ويقول المستشار الأسبق لوزارة التجارة السودانية أحمد إبراهيم أن "أزمة الخبز معقدة لأنها تحتاج إلى إجراءات قانونية بالتوازي مع حملة إعلامية وتثقيف صحي بتغيير العادات الغذائية خاصة في مناطق عديدة معروفة بالثقافات الغذائية التي انتقلت من الذرة إلى القمح بعد تدهور الزراعة واندلاع الحرب الأهلية بالبلاد".

ولملاحقة مهربي الدقيق تعتزم الشرطة تشكيل شعبة متخصصة بحسب ما أعلن وزير الصناعة والتجارة مدني عباس عن أنه اتفق مع وزير الداخلية على اتخاذ إجراءات ملموسة لملاحقة مافيا الدقيق.

وتقول "مروة علي"  26 عامًا وهي طبية متطوعة في لجان مقاومة منطقة أمبدة غربي العاصمة السودانية لـ"الترا سودان" "منذ شهر ونحن نراقب المخابز بواسطة لجنة مقاومة الحي، نحن 30 عضوًا نتناوب على الرقابة الليلية لكن هذا الإجراء ليس حلًا نهائيًا للأزمة أخشى أن  نتعرض جميعنا للإرهاق ونتوقف عن المراقبة كما أن ملاك المخابز لا يفضلون التعامل معنا ويفتلعون الشجار دائما مع الشبان".

يوضح المتخصص في الثقافات الغذائية والاستهلاك ناجي إبراهيم "استبدال نمط غذاء المجتمع أمر سهل للغاية يتم عبر طرح منتجات بديلة للخبز في المتاجر خاصة في المدن الكبيرة

فيما يطرح خبراء اقتصاديات غذائية مقترحات بإنهاء زخم الخبز بالاعتماد على بدائل غذائية ينتجها السودان مثل البطاطس والذرة الشامية والسمسم والدخن ومراجعة الأنماط الغذائية للمجتمعات التي حلت حديثًا على القمح بسبب توسع المدن وتقلص الريف.

ويوضح المتخصص في الثقافات الغذائية والاستهلاك ناجي إبراهيم "استبدال نمط غذاء المجتمع أمر سهل للغاية يتم عبر طرح منتجات بديلة للخبز في المتاجر خاصة في المدن الكبيرة وهذا يقودنا إلى تفكيك المخابز التي تشكو من الأعباء التشغيلية. أعتقد أن مقترح المخابز المركزية فكرة جيدة بحيث توزع منتجاتها على المتاجر ونقاط البيع لتخفيف الزحام".

 

اقرأ/ي أيضًا

أبرز ملامح التنظيم الرقابي الجديد لضبط صرف الوقود ومشكلاته

أزمة الدقيق في السودان.. حلول حول الخبز من خبّازيه