أصابت الحرب الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نيسان/أبريل 2023، الصناعة السودانية في مقتل، حيث تتركز مصانع السودان في العاصمة الخرطوم، والتي شهدت دمارًا شاملًا لم تشهده في تاريخها، حيث تدور المعارك بالأسلحة الثقيلة في شوارع المدينة، وسط حالة من الانفلات الأمني الشامل وأعمال النهب والسلب التي فككت مصانع بأكملها لبيعها في ما صار يعرف بـ"أسواق دقلو"، وهي الأسواق التي تباع فيها المسروقات خلال حرب السودان.
جراء انهيار القطاع الصناعي، وتوقف معظم الإنتاج المحلي، نشطت التجارة الحدودية في تزويد المواطنين بحاجتهم من السلع الاستهلاكية
وجراء انهيار القطاع الصناعي في السودان بسبب الحرب، وتوقف معظم الإنتاج المحلي، نشطت التجارة الحدودية في تزويد المواطنين بحاجتهم من السلع الاستهلاكية، والتي يكلف نقلها أموالًا طائلة تقع جميعها على عاتق المواطن، كما صار التهريب واستيراد السلع منتهية الصلاحية، مصدر من مصادر الثراء السريع.
وأبادت اليوم السلطات الصحية بإقليم النيل الأزرق، أكثر من (15) طنًا من السلع الغذائية منتهية الصلاحية، وقال الأمين الطيب مدير الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس بإقليم النيل الأزرق فى تصريحات، إن الإبادة تمت بحضور اللجنة المختصة المكونة من المباحث المركزية ومباحث التمويل والأمن الاقتصادي والشؤون الصحية بمحافظة الدمازين، لافتًا إلى أن اللجنة معنية بترقية الأداء والتوعية والمحافظة على حماية المستهلك. وأوضح أن المواد أبيدت لانتهاء صلاحيتها أو لسوء التخزين بسبب الرطوبة العالية.
وناشدت اعتدال عبدالله بابكر مدير الخدمات الصحية بمحافظة الدمازين، التجار بمراجعة مواعين الحفظ بصورة روتينية، والعمل على التخلص من السلع التى تبقى على فترة صلاحيتها شهر أو شهرين ببيعها بأسعار مخفضة أو التبرع بها لأصحاب الحاجة.
ويساهم الركود الكبير وشح السيولة في يد المواطنين جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت بها الحرب، حيث توقفت الأعمال الكبرى وتعطل جهاز الدولة وتقطعت السبل بالملايين من النازحين والمجتمعات المضيفة.
تجار ومستهلكون
ويقول تاجر المواد الغذائية بسوق كسلا محمد عثمان، إن أسعار المواد الغذائية زادت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، ويؤكد انتشار سلع منتهية الصلاحية في الأسواق، ويقول إن أرباحها تغري التجار وأسعارها تغري المستهلكين. ويضيف لـ"الترا سودان": "البعض لا يبالي ما إذا كان المنتج منتهي الصلاحية إذا تمكن من الحصول عليه بأسعار منخفضة".
الطبيبة مواهب إدريس قالت إن تناول الأغذية منتهية الصلاحية قد يؤدي إلى التسمم الحاد والغثيان والقيء والإسهال والحمى. وفي بعض الحالات قد يؤدي ذلك إلى فقد السوائل ومن ثم تدهور وضع المريض وربما حتى الموت.
ولكن المواطن محمد عزالدين من ولاية كسلا يقول إنه لا يبالي إذا ما كانت السلعة منتهية الصلاحية تبدو جيدة وصالحة للاستهلاك، ويؤكد أنه تناول منتجات منتهية الصلاحية من قبل ولم تؤثر عليه -حد قوله- ولكنه عبر عن مخاوف من آثار ذلك على المدى الطويل.
حبوب غير صالحة للاستهلاك الآدمي
السلع غير الصالحة للاستخدام الآدمي في السودان لا تتوقف على المنتجات منتهية الصلاحية، فقد كانت وزارة الصحة الاتحادية قد نشرت في كانون الثاني/يناير الماضي تحذيرات من بذور قمح غير صالحة للاستخدام الآدمي نهبتها قوة مسلحة من مخازن شركة خاصة في شرق النيل.
شركة "هارفست" قالت إن قوة مسلحة في شرق النيل، الواقعة في العاصمة الخرطوم، بنهب (1500) طن من بذور القمح المعالجة كيميائيًا من مخازنها بالقرب من مقابر البنداري شمال شرق الحاج يوسف.
وأكدت وزارة الصحة حينها أنها أجرت تحقيقًا حول الإعلان الصادر عن شركة "هارفست" وتحققت من صحة ما ورد في بيانها حول نهب القمح وتداوله في الأسواق للاستخدام البشري.
وحذرت من استخدام هذا القمح المعامل كيميائيًا، والذي يختلف عن لون القمح العادي ويتميز باللون الأحمر البني.وشددت الوزارة على أنه يجب تجنب استخدامه بشكل مطلق، لأنه يستخدم فقط كتقاوي.
العالقون والنازحون في حرب السودان
وقد لا يملك الكثير من المواطنين في السودان ترف اختيار ماذا يتناولون أو التحقق من الصلاحية، فالأوضاع التي تسببت بها الحرب "كارثية" بحسب ما تقول المنظمات الأممية، ويعيش ملايين المواطنين في معسكرات النزوح واللجوء يفتقرون لأبسط مقومات الحياة، في ظل تكدس كبير في ظروف غير صحية.
الأزمة الإنسانية في السودان تسببت في أوضاع جوع طارئ لأكثر من نصف السكان
كما علق ملايين السودانيين في مناطق الاشتباكات التي تنقطع عنها الإمدادات لفترات طويلة، ولا توجد بها حياة عادية يمارس فيها الناس أعمالهم لكسب العيش، ويعتمد العديد من المواطنين في المناطق التي تشهد معارك نشطة على مدخراتهم والمساعدات المالية التي تأتيهم عبر التطبيقات البنكية، كما يعتمدون على الأغذية التي توفرها المطابخ الجماعية على شحها.
الأزمة الإنسانية في السودان تسببت في أوضاع جوع طارئ لأكثر من نصف السكان، ويعيش أكثر من (18) مليون في ظل ظروف جوع حاد، بينهم أربعة ملايين من الأطفال.