22-أكتوبر-2020

نازحة في معسكر نازحين في دارفور (Getty)

"فاتو بنسودا في السودان" كان عنوان الحوار والنقاش الذي يدور بين نساء المعسكرات منذ زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا للبلاد في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. فقد تناسين آلامهن وقساوة سنوات الحرب الطويلة، فرحًا بهذه الزيارة التاريخية، علها تنصفهن وتجفف بعضًا من الدموع المسكوبة على رحيل رجالهن، أحبائهن، جيرانهن. 

مواطنة من معسكر زمزم للنازحين: كل دقيقة أفتح مواقع التواصل لمتابعة الجديد في زيارة بنسودا

بكلمات متجذرة في القلوب، جاء تقرير "الترا سودان" التالي من معسكرات النازحين، حيث عكسن مشاعرهن، وتطلعاتهن من الزيارة.

رسالة من الأحراش إلى لاهاي

"سعيدة. كل دقيقة أفتح مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة الجديد في زيارة بنسودا للسودان" بهذه الكلمات وصفت المواطنة من معسكر زمزم للنازحين، علوية أبكر، مشاعرها لـ"الترا سودان".

اقرأ/ي أيضًا: تعذيب أطفال الخلاوي.. بين الفقر وسطوة رجال الدين في المجتمع

وتابعت علوية أبكر المقيمة بمعسكر زمزم للنازحين الواقع على بعد (15) كلم جنوب مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، قائلة: "البشير ورموز النظام السابق يشعرون بالأمان داخل زنازين سجن "كوبر"، بينما نحن نعيش في الزنازين الصغيرة داخل المعسكرات نتيجة أفعالهم". 

ولا تعترف علوية بالمحاكمات الجارية داخل السودان لرموز النظام البائد، لأنها لا تغطي كل القضايا، وقالت: "منذ أشهر يحاكمون دون صدور أحكام رادعة، وفي قضايا لا ترتقي لمستوى الإبادة الجماعية التي حدثت في دارفور"، وأرسلت علوية أبكر، سالة عبر "الترا سودان"، إلى بنسودا، بضرورة الإسراع في اعتقال البشير ليمثل في مدينة لاهاي أمام القضاء الدولي.

زراعة الخوف.. هل تمحوها زيارة بنسودا؟

قالت المواطنة من معسكر زمزم للنازحين، زهراء منصور، في إفادتها لـ"الترا سودان": "إن المواطنين لا يزالون يعايشون الخوف كل يوم، وإن كان حديث بالهاتف عن القضايا السياسية، لأن النظام السابق نجح في زراعة الخوف داخل أنفسهم"، مستعيدةً ذاكرة متابعة الهواتف النقالة في عهد النظام البائد. 

زهراء أم لثمانية أبناء، وشاهدت بعينيها مقتل كثير من معارفها، فقدت وودعت الجيران والأصدقاء والأشقاء، وأغلب أقاربها لاجئون في دول الجوار مثل "تشاد"، ونزحت من قرية "زلاب" التي تبعد مسافة (18) كيلومترًا عن المعسكر، مع ذلك لا تستطيع العودة إلى مسقط رأسها خوفًا من الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

ذاكرة علوية مليئة بحوادث الاغتصاب والقتل التي انتهجها نظام الإنقاذ في تصفية الخصوم في الحروب، وكانت هي واحدة من ضحايا تلك الحروب، حيث لجأت للمعسكر في 2004، ومنذ ذاك التاريخ وهي تعيش مع آخرين في منازل أو "مرابيع" كما تسمى هنا، مساحتها (10م × 10م). 

سردت علوية قصة حياتها لـ"الترا سودان"، وطالبت بحل جذري لقضية الانتهاكات في دارفور بعد رحيل البشير، واستبشرت خيرُا بزيارة فاتو بنسود،ا لأنها كسرت حاجز الخوف كخطوة أولى في طريق الحرية الطويل.

دروس الحرب

تصارع نفيسة محمد، الحمى في معسكر أبوشوك للنازحين بولاية شمال دارفور، مع ذلك عندما علمت أن الحديث عن زيارة بنسودا، تمالكت نفسها لتروى لـ"الترا سودان"، مشاعرها بهذه الزيارة التي أثلجت صدرها وقلبها. 

وأكدت نفيسة بأن البشير وكل من ارتكب جريمة في حق نساء دارفور، يجب أن يقدم للعدالة. وقالت إن الانتهاكات ضدهن لم تتوقف من بقايا النظام السابق، مشيرة إلى وقوع حادثة اغتصاب داخل أسوار المعسكر هذا الأسبوع. 

اقرأ/ي أيضًا: التربية والتعليم تقر بإهمال وتهميش ذوي الاحتياجات الخاصة

وتابعت نفيسة في إفادتها لـ"الترا سودان"، بأن دارفور تعاني أضعاف ما حدث في جريمة فض اعتصام القيادة العامة، ويكمن الفرق الوحيد في تسليط الإعلام على قضايا المنطقة. 

نازحة: الحرب علمتنا  انتزاع حقوقنا، وكيف نشارك الرجال في مراكز صنع القرار

واستعرضت نفيسة الدروس التي تعلمتها المرأة الدارفورية من الحرب الطويلة، قائلةً إنها علمتهن انتزاع حقوقهن، وكيف يشاركن الرجل في مراكز صنع القرار، إلى جانب أهمية تعليم الأطفال، لينشأوا في بيئة أفضل من تلك التي عاش فيها آباؤهم، وقالت: "إذا متنا، فإن أطفالنا يعلمون بما وقع لجيل الآباء والأجداد من ظلم وقهر في ظل نظام الإنقاذ، وسينهضون من قلب التاريخ دفاعًا عن حقوقهم المسلوبة منذ فترة طويلة".

وأشارت في حديثها، إلى الأوضاع القاسية التي تعانيها نساء المعسكرات في دارفور جراء حرب البشير، حيث غلاء الأسعار وانتشار مراكز سوء التغذية وهروب الرجال للحرب. وقالت إن رجالهن حملوا السلاح مجبورين للدفاع عن الأمهات والأخوات من ظلم النظام السابق.

وأرسلت نفيسة توصية عبر المحررة لوسائل الإعلام السودانية، لزيارة نساء المعسكرات والوقوف على الأوضاع المأساوية التي يعشنها، وعكسها للمجتمع للمساهمة في إصلاح بيئة المعسكر.

إفادة رئيسة "شبكة الحماية" في معسكر أبوشوك للنازحين، مدينة زكريا لـ"الترا سودان"، ليست مختلفة عما أشارت إليه نفسية، حيث أوضحت أنها منذ ستة أعوام لم تتسلم أي شيء من منظمات الإغاثة، كما أن مناطقهم الأصلية التي هجروها منذ أعوام طويلة سكنها آخرون واستوطنوا فيها. 

بدا حزن عميق على وجه مدينة وهي تتساءل: "إذا أفضت المحاكمات لقتل البشير، ما الفائدة التي سأجنيها بموته؟".

اقرأ/ي أيضًا: توقيع اتفاق لمسارات الرعاة بمناطق سيطرة قوات الحلو

من يعيد لمدينة كل من أحبتهم وماتوا؟ هل يكفي القتل كثأر لسنوات طويلة من المرارة والقسوة؟ أسئلة مفتوحة تطرحها مدينة للقراء.

نصر لضحايا الإبادة الجماعية

فيما يرى أمين الشؤون الإنسانية والمنظمات بقوى تحرير السودان، محمد أحمد يعقوب، أن ساكني المعسكرات هم أصحاب المصلحة الحقيقية وضحايا للنظام السابق ومنظومته، واعتبر زيارة فاتو بنسودا للسودان نصرًا لضحايا الإبادة الجماعية وجموع النازحين واللاجئين.

طالب  أمين الشؤون الإنسانية والمنظمات بقوى تحرير السودان بتسليم البشير للجنائية

وأشاد محمد أحمد يعقوب بالزيارة، واصفًا إياها بالإنجاز والإنصاف لضحايا الحرب، وأكد دعمهم الكامل في قوى تحرير السودان لبنسودا، مطالبًا بتسليم البشير للجنائية دون الاكتفاء بمحاكمته في السودان.

اقرأ/ي أيضًا

أزمة الدواء ..مرضى تحت رحمة "تجار الشنطة"

آمال جبرالله: النساء لا تجمعهن قضية واحدة مشتركة