تمر اليوم 11 نيسان/أبريل الذكرى الثالثة للإطاحة بالرئيس عمر البشير (74) عامًا عن السلطة، عقب اعتصام مدني قُرب مقرات وزارة الدفاع السودانية تُوج بالضغط على العسكريين الذين أجبروا الرئيس على التنحي.
في ذلك الوقت يقول نشطاء وأعضاء في الحراك السلمي أن العسكريين لم يكن لديهم خطط مسبقة لمرحلة ما بعد البشير، لكن وفد من قوى الحرية والتغيير انتقل إلى مقر وزارة الدفاع في 13 نيسان/ أبريل وعرض مقترح مجلس السيادة الانتقالي، وفكرة مناصفة السلطة في هذا المجلس الرئاسي بين العسكريين والمدنيين، وهذا المقترح ُطرح للبشير قبل سقوطه للخروج السلس من السلطة لكنه رفض.
تُقاوم دول الإقليم "ديمقراطية السودانيين" وتفضل نظامًا سياسيًا تحت السيطرة
هل كان بالإمكان إبعاد العسكريين عن السلطة في ذلك الوقت؟
يرى فريق من أعضاء الحراك السلمي أن هذا الأمر كان ممكنًا آنذاك لأسباب متعددة، وهو أن المكون العسكري لم يكن لديه خبرة إدارة الدولة، أو لم يجرب السلطة التي اكتشف دهاليزها بعد 11 نيسان/ أبريل، ولم تكن علاقاته مع دول الإقليم ممتدة كما هو اليوم، كما أن التفاوض ينتج التسوية والأخيرة تعني تقاسم السلطة والمأمول في مثل هذه الحالات التقدم بخطة جاهزة مسبقًا تتمثل في حكومة مدنية يخضع لها الجيش الموحد.
فريق آخر وهو أقرب إلى تيار قوى الحرية والتغيير يعتقد أن العسكريين شركاء في الاطاحة بالرئيس عمر البشير وكان يجب الاستعانة بهم في تأمين الفترة الانتقالية خاصة المخاطر الأمنية التي قد يثيرها النظام البائد، كما إن تدخلات من دول الإقليم جعلت الأوضاع صعبة أمام المدنيين ولم يكن أمامهم مفر من قبول تسوية تبقي المؤسسة العسكرية ضمن معادلة السلطة الانتقالية.
في كل الأحوال مضى السودانيون وراء تسوية سياسية أعقبت مجزرة فض الاعتصام المدني في الثالث من حزيران/يونيو 2019، دون أن يكترث موقعو الاتفاق في آب/أغسطس 2019 برعاية وسيط الاتحاد الافريقي محمد الحسن ولد لبات في وضع أجوبة حول مصير العدالة، سيما في مجزرة القيادة العامة.
هذه القضية كثيرًا ما أثارت التوترات بين المدنيين والعسكريين، وقبل انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي صرح عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي أن قبولهم بالشراكة مع العسكريين خصم من "رصيدهم السياسي" في خضم تصريحات متبادلة بين الطرفين سبقت الانقلاب العسكري.
بينما رد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو قائلًا: "لن نجلس في طاولة واحدة مع المدنيين إلا عبر وفاق".
ينظر السودانيون بعد عامين من حكومة انتقالية برئاسة عبد الله حمدوك إلى الوضع بأن الأمر لم يكن مجرد "نصف ثورة"، بل يحتاج إلى ثورة جديدة سيما مع الإجراءات التي صُدموا بها والمتعلقة بإلغاء غالبية قرارات لجنة التفكيك والإفراج عن أعضاء بارزين في حزب المؤتمر الوطني المحلول، وحديث قوي ينتشر عن إصدار قرار قضائي بإلغاء قرار حل الحزب الحاكم سابقًا.
يشعر السودانيون خاصة القوى المدنية المعنية بالتحول الديمقراطي من خلال أهداف الثورة أنهم يتلقون الضربات الواحدة تلو الأخرى، مع أنباء تتحدث عن قرار وشيك بالإفراج عن الرئيس المعزول عمر البشير صرحت به هيئة الدفاع.
وتروج جهات أنباء عن ترتيبات لإلغاء قرارات المحاكم الخاصة بحكم الإعدام على عناصر الأمن الذين أدينوا بقتل المتظاهرين قبل وبعد سقوط النظام البائد، والذي يبدو أن تيارًا من الاسلاميين على مقربة من العسكريين برعاية من دول إقليمية.
ربما تعتقد دول الإقليم أن "ديمقراطية السودانيين" قد تجلب على شعوبهم "رياحًا عاتية" لذلك سمحوا بعودة "ناعمة للإسلاميين" وقد يكون تيار إبراهيم غندور هو الأوفر حظًا وانفتاحًا على الغربيين أيضًا.
"تيار غندور" الذي ربما يكون جزءً من حاضنة سياسية للسلطة الجديدة في الخرطوم بالنسبة لدول الإقليم قد يكون أفضل من ديمقراطية تهب على المنطقة، لأن العواصم التي تخشى رياح الديمقراطية لديها تجربة في السيطرة على النظام السياسي في السودان لسيطرتها على مفاتيح مهمة.
إزاء كل هذه التطورات التي حدثت بسرعة يعتقد قادة الحراك السلمي وأعضاء المقاومة الشعبية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالتحول الديمقراطي أنهم أمام "نصف ثورة" بينما يحاول تيار آخر داخل هذا الحلف بالتواصل مع العسكريين لاستعادة المسار المدني.
في 11 نيسان/أبريل 2019 عندما أعلن نائب رئيس آنذاك ورئيس هيئة الأركان في الجيش ووزير الدفاع لعدة سنوات عوض بن عوف عزل "رأس النظام" والتحفظ به في مكان آمن ظن الجميع أن السودان ودع حقبة طويلة من الظلم والقتل والوضع الاقتصادي المتردي والنزاع القبلي المسلح، لكن كل هذه المشكلات عادت بشكل قوي جدًا خلال العامين الماضيين.
لم يضع المفاوضون من جانب قوى الحرية والتغيير في فندق كورنثيا المطل على نهر النيل الأزرق وسط العاصمة السودانية في آب/أغسطس 2019 حزمة القضايا التي أعاقت تطور الدولة منذ الاستقلال.
غاب عن صناع "اتفاق كورنثيا" أو تم تغييب أهمية بناء الجيش الموحد
غاب عن صُناع "اتفاق كورنثيا" أو تم تغييب أهمية بناء جيش موحد إلى جانب منح سلطة الإصلاح الأمني والعسكري للمكون العسكري بحسب الوثيقة الدستورية كما تمك العسكريون بالعلاقات الخارجية وسارعوا إلى محادثات مع إسرائيل والمتهمة بدعم الانقلاب العسكري.
لم يتمكن المدنيون الذين صاغوا الوثيقة الدستورية مع العسكريين من معرفة ضعف نقاط الاتفاق إلا عندما حانت لحظات التطبيق على الأرض بواسطة أعضاء مجلس السيادة الشق المدني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
أُديرت العمليات الأمنية بين المدنيين والعسكريين بالتنسيق فقط والمطالبة التي يتقدم بها المدنيون إلى العسكريين في مخاطر مثل الصراعات القبلية والعصابات التي تثير الرعب في الأحياء وحتى إحتجاجات عناصر النظام البائد.
هل يتمكن المتظاهرون من إكمال الثورة؟
للإجابة على هذا السؤال يقودنا السؤال نفسه إلى أهمية النظر بشكل عام على وضع القوى المدنية المعنية بالثورة والحراك السلمي والتي تواجه صعوبة التوحد فهي منقسمة ما بين قوى راديكالية شديدة الحساسية مع التسوية وقوى أخرى تقول إنها واقعية وتذهب إلى اصلاحات متدرجة وتسوية سياسية.