02-سبتمبر-2022
البرهان وغودفري

رئيس مجلس السيادة البرهان والسفير الأمريكي غودفري لدى تسليم أوراق الاعتماد الدبلوماسية

قدّم سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى السودان جون غودفري أوراق الاعتماد الدبلوماسية إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان أمس الخميس.

وقال السفير في تغريدة على صفحته بتويتر: "قدمت اليوم أوراق الاعتماد الدبلوماسية وأتطلع إلى تعزيز علاقة الولايات المتحدة مع الشعب السوداني، ودعم رغبتهم في دفع عجلة التحول الديمقراطي تحت قيادة مدنية".

يرى مراقبون في الموقف الأمريكي الجديد دعمًا للمكون العسكري في معادلة صراعه مع المدنيين وفي إعادة رسم المشهد السوداني

ومثّل وصول غودفري إلى الخرطوم تعبيرًا عن فتح صفحة جديدة بين الخرطوم وواشنطن، وينهي في المقابل جفوة استمرت قرابة ربع قرن، اكتفت فيها الولايات المتحدة في علاقتها مع الخرطوم بالمبعوثين.

وبعد حوالى (10) أشهر من قرارات قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان التي استولى بموجبها على السلطة بعد الإطاحة بالحكومة المدنية، قدّم جون غودفري أوراق اعتماده سفيرًا لواشنطن لدى الخرطوم. وكان من اللافت استقبال رئيس مجلس السيادة للسفير بالزي العسكري؛ ليُعيد السؤال مرةً أخرى حول مدى جدية الولايات المتحدة الأمريكية في إنهاء "عسكرة" الحياة في السياسية في السودان؟

https://t.me/ultrasudan

ومنذ انقلاب تشرين الأول/أكتوبر الماضي يشهد السودان حالة مواجهة بين المكون العسكري الذي انقلب على السلطة وبين مكونات مدنية تطالب بإسقاطه واستعادة المسار الديمقراطي. وسبق للولايات المتحدة أن أدانت الانقلاب وسمته "استيلاء الجيش على السلطة"، وطالبت عبر بيانات بضرورة العودة إلى الحكم المدني في البلاد.

ويرى مراقبون في الموقف الأمريكي الجديد دعمًا للمكون العسكري في معادلة صراعه مع المدنيين وفي إعادة رسم المشهد السوداني. ويؤكدون حرص الولايات المتحدة على السودان وهو حرص قد يتجاوز تصورات العامة في كونها مع التحول المدني وضد العسكر أو أنها مع الحكم المدني بصورة حاسمة.

تتفق المحللة السياسية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتورة آمنة أبو راس مع الفرضية القائلة بأن ما يحرك الولايات المتحدة في تعاطيها مع السياسة الدولية هو ضرورة تحقيق مصلحتها. وهو أمر يرتبط -بدرجة كبيرة- بتحليل معادلات القوى في الواقع السوداني. وهو ما يشير -بشكل أو بآخر- إلى قناعات أمريكية بأن الجيش هو اللاعب السياسي الأول كما هو الحال في مصر وإثيوبيا، وبأن العداء الأمريكي لسلطة الأمر الواقع في السودان قد يقرّب أصدقاء -مثل الصين وروسيا- على حافة صراع إستراتيجي معها، وبإمكانهم ملء الفراغ الذي قد يخلقه التباعد الأمريكي السوداني، ومد جسور التواصل مع دولة تسبح في بحر من الثروات فضلًا عن الطبيعة الجيوسياسية للصراع.

ويرفض أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في العلاقات الخارجية الأمريكية البروفيسور صلاح الدين الدومة التحليلات القائلة بأن رفع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي مع السودان وتقديم سفير واشنطن أوراق اعتماده إلى البرهان يشي برغبة واشنطن في دعم الانقلاب، واصفًا هذه التحليلات بـ"القاصرة عن فهم طبيعة السياسة الأمريكية في العالم" وهي سياسة تقوم على أساس "تحقيق المصالح الأمريكية" – طبقًا للدومة.

ويُعدّد الدومة في حديثه لـ"الترا سودان" المطالب الأمريكية من السودان في "تشكيل حكومة مدنية، وتحجيم دور العسكريين في السياسة، والعمل على قيام جيش موحد، والحفاظ على المصالح الأمريكية في السودان وفي إقليم البحر الأحمر، وإبعاد شبح التدخلات الروسية وتحديدًا مجموعات فاغنر".

ووفقاً للدومة، فإن تنفيذ هذه المطالب يرتبط بوجود حكومة مدنية تتوافر لها السلطة والإرادة لتنفيذها على أرض الواقع. ويختم الدومة إفادته لـ"التر سودان" قائلًا إن وصول السفير "لا علاقة له بدعم الانقلاب" وإنما بتصفية الأجواء لتحقيق المصالح الأمريكية في السودان والإقليم".

ويربط بعض المراقبين وصول السفير إلى الخرطوم بتسوية الأوضاع الإقليمية أكثر من حصر دوره في "تسوية الأوضاع بين الفرقاء السودانيين"، وهو ما يبرز بوضوح في خلفية السفير المتخصص في مكافحة الإرهاب، خصوصًا بعد تحول السودان إلى بؤرة محاطة بالنزاعات من جميع جوانبه، بالنظر إلى الصراع في إثيوبيا وعدم الاستقرار في إريتريا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى؛ كل هذه العوامل تزيد من اهتمام الولايات المتحدة بالسودان.

وفي السياق نفسه، يقول الكاتب الصحفي المهتم بشؤون شرق أفريقيا محمد حامد جمعة في حديثه لـ"الترا سودان" إن الأمر لا يتعلق بصراع مدني عسكري، بقدر ارتباطه بـ"مرئيات كلية للإدارة الأمريكية تجاه إستراتيجيات تتعلق بالسودان وجواره وعموم التقسيم له في ملفات الإدارة بواشنطن والمنظومة التي يُصنف من ضمنها السودان" – على حد قوله.

سابقًا أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ملفاتها خاصةً في أفريقيا عبر نشاط المبعوثين وهو ما تراجع لحساب العمل المباشر عبر السفراء

ويضيف جمعة: "سابقًا أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ملفاتها خاصةً في أفريقيا عبر نشاط المبعوثين وهو ما تراجع لحساب العمل المباشر عبر السفراء، بسفير جديد للخرطوم وسبقه آخر في تشاد". وبحسب جمعة، فإن هذا الوضع جملةً يعني أن الشواغل الأمريكية تبدو أسبق في توجهاتها الكلية حتى من جزئيات دعم العسكر أو المدنيين في السودان. ويوضح أن الحديث عن هذه المرحلة تحدده اتجاهات بعد تفكيك محددات مثل صراع أمريكا مع الروس وتطورات التسابق على الموانئ وإشكالات الإرهاب في شرق أفريقيا وغربها وتطورات أزمة إثيوبيا ومستقبل الوضع مع إريتريا. ويضيف أن هذه المحددات ونفوذ الأطراف السودانية مدنية أو عسكرية هي التي ستحدد "درجة قياس الحرارة والاتجاه". ويتابع: "إلى حين ذلك فالثابت أن واشنطن بكل الأحوال ستحاول عبر سفيرها ترتيب المشهد وفق أفضلية خيار الاستقرار وضبط التشاكسات" - وفقًا لجمعة.

وفي أول ردة فعل عقب اعتماد السفير الأمريكي لدى السودان، قال وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في تصريحات نقلتها قناة "سودانية 24" إن وجود سفير أمريكي في الخرطوم هو شكل من أشكال الاعتراف بالأمر الواقع، مضيفًا: "لا نملك نحن ولا من هم في الشوارع شرعية لنقول للجيش ارجع إلى الثكنات". وتُقرأ تصريحات القيادي في قوى التوافق الوطني وكأن وجود السفير بمثابة صك الشرعية لسلطة الانقلاب.

عقب اعتماده سفيرًا لواشنطن في الخرطوم، دشّن غودفري عمله بزيارة إلى بعض أسر شهداء الثورة السودانية

وعقب اعتماده سفيرًا لواشنطن في الخرطوم، دشّن غودفري عمله بزيارة إلى بعض أسر شهداء الثورة السودانية. وغرد بعدها قائلًا: "شرفت هذا المساء بلقاء أمهات أربعة شهداء فقدوا حياتهم بشكل مأساوي أثناء تظاهرهم دعمًا للحرية والديمقراطية في السودان". وأضاف: "لقد تأثرت برسالتهم التي كانت مفادها أن أرواح أحبائهم لا يمكن أن تضيع سدى وأن السودان يجب أن يستأنف التحول الديمقراطي تحت قيادة مدنية".