15-يوليو-2022
وزير الخارجية الأمريكي

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي وقتها مايك بومبيو عن قرار بلاده ترفيع التمثيل الدبلوماسي مع السودان وتبادل السفراء بعد جفوة استمرت قرابة ربع قرن.

صلاح الدين الدومة: تسمية السفير لا علاقة لها بدعم الانقلاب وإنما بتصفية الأجواء لتحقيق المصالح الأمريكية في السودان والإقليم

وفي بيان نشر بموقع وزارة الخارجية الأمريكية، رحب بومبيو بزيارة رئيس الوزراء السوداني المعزول عبدالله حمدوك في أول زيارة رسمية له إلى واشنطن، وامتدح سياساته فيما يتعلق بإظهار الالتزام بمفاوضات السلام مع المجموعات المعارضة المسلحة، وتكوين لجنة للتحقيق في أعمال العنف التي تعرض لها المتظاهرون والتزامه بإجراء انتخابات ديمقراطية في نهاية فترة الانتقال البالغة (39) شهرًا.

وبعد حوالى (10) أشهر من قرارات قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان التي استولى بموجبها على السلطة بعد الإطاحة بالحكومة المدنية، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي بالأمس على تعيين السفير جون غودفري سفيرًا لواشنطن لدى الخرطوم. وتقول سيرته الذاتية إنه دبلوماسي أمريكي ومستشار للسياسة الخارجية وعمل قائمًا بأعمال منسق مكافحة الإرهاب.

https://t.me/ultrasudan

ويعني تسمية سفير أمريكي بالخرطوم أن النقاشات داخل المؤسسات الأمريكية خلصت إلى ضرورة تجاوز فكرة التعامل مع الملف السوداني عبر المبعوثين، لكن تزامن رفع التمثيل الدبلوماسي لواشنطن في الخرطوم مع وجود سلطة عسكرية وشارع مقاوم لها، يطرح سؤال: هل قررت واشنطن دعم الانقلاب في الخرطوم؟

ظل الموقف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية داعمًا لخيار التحول الديمقراطي المدني في السودان، وسبق لواشنطن إدانة استيلاء العسكريين على السلطة عقب قرارات قائد الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وفي آخر زيارة لها إلى الخرطوم، أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي "مولي في" تمسك بلادها باستعادة المسار الدستوري في السودان وتشكيل حكومة مدنية. ونجحت مولي ساعتها في الجمع بين قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي) والمكون العسكري في مجلس السيادة للتفاوض من أجل تسوية الأزمة السياسية.

ويرفض أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في العلاقات الخارجية الأمريكية البروفيسور صلاح الدين الدومة التحليلات القائلة بأن رفع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي مع السودان يشي برغبة واشنطن في دعم الانقلاب، واصفًا هذه التحليلات بـ"القاصرة عن فهم طبيعة السياسة الأمريكية في العالم" وهي سياسة تقوم على أساس "تحقيق المصالح الأمريكية" – طبقًا للدومة.

ويُعدّد الدومة في حديثه لـ"الترا سودان" المطالب الأمريكية من السودان في "تشكيل حكومة مدنية، وتحجيم دور العسكريين في السياسة والعمل على قيام جيش موحد، والحفاظ على المصالح الأمريكية في السودان وفي إقليم البحر الأحمر وإبعاد شبح التدخلات الروسية وتحديدًا مجموعات فاغنر".

ووفقاً للدومة، فإن تنفيذ هذه المطالب يرتبط بوجود حكومة مدنية تتوفر لها السلطة والإرادة لتنفيذها على أرض الواقع. ويختم الدومة إفادته لـ"التر سودان" قائلًا إن تسمية السفير "لا علاقة لها بدعم الانقلاب" وإنما بتصفية الأجواء لتحقيق المصالح الأمريكية في السودان والإقليم، لافتًا إلى تزامنها مع قرار مجلس النواب بإدانة الانقلاب.

وأعلن البيت الأبيض عن تصويت مجلس النواب الأمريكي في وقت متأخر من مساء أمس على مشروع قرار يدين "الانقلاب العسكري في السودان ويعرب عن دعم الشعب السوداني". وبحسب مصادر صحفية، صوّت (417) نائبًا لصالح القرار بينما عارضه سبعة نواب. ويقر القرار المصادق عليه دعم الكونغرس للشعب السوداني في تطلعاته الديمقراطية، ويحث القرار المجلس العسكري على " التوقف عن كل المحاولات لتغيير التركيبة المدنية للحكومة والمجلس السيادي ومؤسسات حكومية أخرى واحترام بنود الوثيقة الدستورية".

ونفى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التجاني، في حديثه لـ"الترا سودان" أن يكون قرار تسمية السفير في الوقت الراهن تعبيرًا عن "دعم واشنطن للانقلاب العسكري في السودان".

 وبحسب التجاني، فإن قرار واشنطن ترفيع تمثيلها الدبلوماسي مع الخرطوم "اُتّخذ منذ مدة طويلة". ويضيف أن تسمية السفير في هذا التوقيت استدعته عملية اختيار السفراء وهي عملية "معقدة وطويلة وتتداخل فيها عدة مؤسسات"، مشيرًا إلى أن محاولة ربطه بدعم الانقلاب أو المساهمة في إسقاطه "غير منطقية".

وبالنسبة إلى التجاني، فإن الدور الذي يُنتظر أن يقوم به السفير يرتبط بدرجة كبيرة بخلفيته واهتمامه، لافتًا إلى تخصص جون غودفري في "مكافحة الإرهاب" ما يعني أن هذه ستكون أولويات واشنطن في الخرطوم، وهو ما قد يجعل منه "سفيرًا إقليميًا" أكثر من حصر دوره في "تسوية الأوضاع بين الفرقاء السودانيين" – على حد قوله.

وتحول السودان إلى بؤرة محاطة بالنزاعات من جميع جوانبه، بالنظر إلى الصراع في إثيوبيا وعدم الاستقرار في إريتريا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطي؛ كل هذه العوامل تزيد من اهتمام الولايات المتحدة بالسودان.

ولا يرى التجاني تأثيرًا لوجود سفير أمريكي في الخرطوم على "تسوية القضايا العالقة" بين فرقاء المشهد السوداني أو بين العسكريين والمدنيين، وينتقد بشدة فكرة تعويل النخبة السودانية على المعالجات الخارجية للقضايا الوطنية، ما يدلّ -بحسب التجاني- على فقدانها للإرادة وعجزها في الوقت نفسه عن "القراءة الموضوعية للتاريخ". ولفت التجاني إلى أن كل المعالجات المستوردة "أثبتت فشلها"، مشيرًا إلى انتهاء "نيفاشا" بتقسيم البلاد والنتائج الماثلة للوثيقة الدستورية.

خالد التجاني: كل المعالجات المستوردة أثبتت فشلها؛ "نيفاشا" انتهت بتقسيم البلاد والوثيقة الدستورية نتائجها ماثلة الآن

لكن في مقابل التحليل القائل بأن ترفيع التمثيل الأمريكي مع السودان لا علاقة له بدعم الانقلاب، فإن تحليلًا آخر يرى أن السفير جون غودفري وهو في طريقه إلى المقعد الذي ظل شاغرًا منذ ما يزيد عن (23) عامًا سيُمهد -في المقابل- مكانًا للعسكريين في السلطة، وأن قضايا مثل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، تظل مؤجلة بالنسبة إلى الأمريكان، لصالح قضايا الاستقرار وتحقيق المصالح.