حملت الساعات الماضية أنباء عن تعيين الفريق آدم هارون عيسى قائدًا للمتحرك العسكري في منطقة الفاو شرق البلاد لشن هجوم على قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة واستردادها لصالح الجيش.
محلل: عنصران مهمان يحتاج إليهما الجيش لحسم معارك الجزيرة
للتأكد من هذه المعلومات قام مراسل "الترا سودان" باستفسار الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله، لكن لم يستجب، ولكن في تطور لافت قد يدعم هذه الأنباء، شوهد الفريق آدم عيسى، مرافقًا لنائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين كباشي، حسب مقاطع فيديو نشرتها منصة القوات المسلحة مساء الأحد، خلال زيارته للفاو بولاية القضارف.
من هو الفريق هارون؟
وذاع صيت الفريق آدم هارون خلال معارك استرداد الإذاعة والتلفزيون، حيث شغل أيضًا منصب قائد منطقة وادي سيدنا العسكرية، وهو ضمن القادة الذين عملوا على فك الحصار بين منطقة وادي سيدنا وسلاح المهندسين، ومنع وقوع هذه القاعدة العسكرية في يد الدعم السريع.
في ذات الوقت تطابقت الأنباء حول تعيين الفريق آدم هارون عيسى قائدًا على متحرك الفاو نحو ولاية الجزيرة، وربما اتخذ الجيش هذا الخيار عقب هجمات نفذها إلى جانب الحركات المسلحة من منطقة الفاو نحو ولاية الجزيرة و لم تحدث اختراقًا يذكر.
في آذار/مارس منتصف شهر رمضان الماضي تكبدت قوات استطلاع تابعة للجيش خسائر في العتاد والأرواح عندما حاولت التقدم نحو منطقة الجزيرة من مناطق تمركزها بالفاو شرق البلاد.
طوال شهر نيسان/أبريل ظلت الأوضاع كما هي دون تقدم يذكر للطرفين، فيما ظل الجيش محافظًا على الدفاعات المتقدمة مع تنفيذ بعض المهام العسكرية المحدودة، بينما تمركزت الدعم السريع في منطقة شبارقة الواقعة شرق ودمدني.
مطلع أيار/مايو الجاري تراجع الجيش والقوات المتحالفة إلى منطقة الخياري التي تشكل الخطوط الأمامية بالنسبة للقوات المسلحة، وتقول مصادر إن مسيرات تابعة للدعم السريع لعبت دورًا في وقف تقدم الجيش نحو الجزيرة.
نقطة تحول في المعارك
ويرى محمد عباس الباحث في الشأن الإستراتيجي، في حديث لـ"الترا سودان"، أن الأنباء عن تعيين الفريق آدم هارون عيسى في متحرك الفاو تعد نقطة تحول في مسار الوضع العسكري بالنسبة للجيش.
وأضاف: "ربما يأتي الإجراء لفك الجمود عن هذا المحور الذي لم يحرز أي تقدم طوال ثلاثة أشهر سوى بعض الهجمات التي لم تحقق الاختراق المطلوب، وظلت الدعم السريع في مواقعها".
وزار نائب العام القائد العام الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي منطقة الفاو الأحد، وخلال مقاطع الفيديو ظهر الفريق آدم هارون مرافقًا للوفد العسكري الذي استمع إلى تنوير من قائد المنطقة.
ويسعى الجيش إلى استعادة ولاية الجزيرة، خاصة في ظل تزايد انتهاكات الدعم السريع بحق المدنيين في القرى والمدن لا سيما في الحصاحيصا وودمدني، أكبر مدينتين في ولاية الجزيرة، واللتان تخضعان لسيطرة قوات دقلو.
مصدر عسكري: لفريق آدم هارون مميز في إدارة المعارك العسكرية، وعُرف كقائد لديه كفاءة عالية
ويقول مصدر عسكري تحدث لـ"الترا سودان" مشترطًا عدم نشر اسمه، إن الفريق آدم هارون مميز في إدارة المعارك العسكرية، وعُرف كقائد لديه كفاءة عالية، وقاد منطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان خلال فترات عصيبة، وظل الجيش يوكل إليه مهمة الإشراف على المعارك الكبيرة.
ويشرح المصدر العسكري طبيعة المعارك في جبهة الفاو إلى الجزيرة، بالقول إنها ربما تكون معركة فاصلة لأن أي تقدم للقوات المسلحة والحركات المتحالفة يعني استرداد مدينة ودمدني بشكل عملي.
وتابع: "نقلت الدعم السريع معدات وأسلحة متنوعة إلى منطقة شبارقة قامت بطرد المدنيين من منازلهم واتخذتها منصات لإطلاق المدافع".
حرب المسيرات
فيما يقول الباحث في الشأن الإستراتيجي محمد عباس، إن معركة شرق الجزيرة ربما تكون معركة فاصلة وقد يعتمد الطرفان على المسيرات لحسمها، خاصة وأن طول فترة الاستعدادات يخلق نوعًا من التذمر وسط الجنود.
وأردف: "رغم ذلك قد يتمكن الجيش من استغلال فترة الاستعدادات لوضع خطط مغايرة خاصة بعد فشل الخطط السابقة التي كانت تعتمد على الهجمات البرية في اعتقادي يحتاج إلى الجيش إلى خطط تشمل جميع الوحدات العسكرية".
وتقع منطقة الفاو في ولاية القضارف الخاضعة لسيطرة الجيش والتي تواجه سلسلة هجمات من المسيرات الانتحارية منذ شهر واتسعت رقعة وصول إلى مناطق أخرى في الولاية ومساء الأحد أسقطت دفاعات الجيش مسيرتين فوق مطار "ود زايد" في منطقة الشوك الواقعة شرق الولاية.
من خلال إرسال الحشود العسكرية إلى جبهات القتال في سنار الحدودية مع ولاية الجزيرة جنوبًا، وإلى منطقة الفاو الحدودية مع الجزيرة شرقًا، فإن الجيش تمكن من تأمين ولايتي القضارف وسنار في ذات الوقت من هجوم محتمل لقوات الدعم السريع منذ استيلائها على الجزيرة.
وبفعل حماية ولاية القضارف من الدعم السريع نجح الموسم الزراعي وفق مواطنين تحدثوا لـ"الترا سودان"، وقال مهيدي المزارع في مشروع القضارف، إن البنوك التي مولت الموسم الزراعي ستتمكن من استرداد أموالها من المزارعين لأن حصاد الذرة نجح بشكل ملحوظ.
غير أن سلسلة هجمات المسيرات الانتحارية ما تزال تبعث على القلق وسط المواطنين في ولاية القضارف، والتي تضم أيضًا العشرات من مراكز الإيواء للنازحين الذين وصلوا من الجزيرة والعاصمة وإقليم دارفور وكردفان.
ويقول الباحث في الشأن الإستراتيجي، محمد عباس، إن الكباشي وصل إلى الفاو الأحد وفي معيته الفريق آدم هارون عيسى، وبالتالي أصبح القرار واقعًا، وربما نشهد تطورًا في محور الفاو خلال الفترة القادمة.
وتدخل الحرب في السودان شهرها الـ(13) وقد أنهت عاما كاملًا في ظل اطراد النزوح واللجوء، حيث وصلت أعداد الذين غادروا منازلهم منذ بدء الاشتباكات إلى (8.6) مليون شخص، أغلبهم داخل البلاد، إلى جانب تدمير شبه مكتمل للبنية التحتية في العاصمة الخرطوم بتدمير جسرين رئيسيين على الأقل، ونهب مستودعات عملاقة لشركات الأغذية، وتخريب مصانع غلال شمال الخرطوم.
عنصران مهمان
ويقول محمد بشارة وهو خبير عسكري، لـ"الترا سودان"، إن الاستعجال لا يجلب النصر، لذلك عرف الجيش السوداني منذ نشأته بأنه يدير المعارك وفق "سياسة النفس الطويل"، أي إنهاك العدو ثم الإجهاز عليه.
ويوضح بشارة أن القوات المسلحة تأثرت طوال ثلاثة عقود بالتراجع الذي حدث لمعظم مؤسسات الدولة بسبب عدم المواكبة والتحديث، ومع ذلك تمكن من "التقاط الأنفاس" بعد العام 2019، وحصل الجيش على نوع من الاستقلالية بعيدًا عن التأثير السياسي في الأمور الفنية مثل الإعداد والتحديث.
ويقول بشارة إن الجيش خلال الحرب اكتشف العديد من التحديات، وظل يعمل على علاجها أثناء المعارك بخبرته التراكمية، موضحًا أن هناك عنصرين مهمين لحسم المعارك: الأول تحديث سلاح الجو؛ والثاني تأهيل القوات البرية وزيادة فاعليتها ومستوى انتشارها وربطها بالانضباط العسكري للجندي، أي تحويله إلى جندي محترف للقتال.
خبير عسكري: تعيين قائد جديد في منطقة عسكرية قد يحدث فرقًا، لكن جميع العناصر يجب أن تكون متوفرة لهذا القائد لأنه لن يعمل بمفرده
وأضاف: "هذان العنصران سيؤديان إلى تقليل الخسائر والحصول على قوات نوعية لديها القدرة في حرب المدن من خلال سرعة الانتقال والتمويه والمباغتة، مع الوضع في الاعتبار أن الجيش يواجه مثلًا ثلاثة آلاف مقاتل في صف العدو على استعداد لخسارة نصفهم من أجل السيطرة على موقع واحد".
وتابع: "تعيين قائد جديد في منطقة عسكرية قد يحدث فرقًا، لكن جميع العناصر يجب أن تكون متوفرة لهذا القائد لأنه لن يعمل بمفرده".
ويرى بشارة أن طبيعة المواقع الخلوية خاصة في محور الفاو والجزيرة تؤدي إلى خسائر كبيرة بين الطرفين في الأرواح لعدم وجود مبانٍ يحتمي بها الجنود خلال المعركة، ومن ثم التمويه والتقدم، لذلك فإن جميع العوامل في صالح الجيش إذا تمكن من استغلال سلاح الجو لضرب الأهداف العسكرية بدقة شديدة.